الجمعة 10 مايو 2024

في ذكرى رحيله.. محطات في حياة جرجي زيدان

في ذكرى رحيله...محطات في حياة جرجي زيدان

ثقافة21-7-2022 | 13:46

عبدالله مسعد

يعد جرجي زيدان علامة بارزة في الصحافة المصرية، وهو أحد رواد الصحافة في الوطن العربي، ولد زيدان لأسرة مسيحية فقيرة، في "عين عنب" في جبل لبنان عام 1861، كان له 5 أخوة، هم متري، واجيا، إلياس، يوسف وإبراهيم، عانت أسرته من الفقر وظروف صعبة، ربما مكنته لأن يكون صامدا أمام عثرات الحياة في مستقبله، واستطاع أن يصبح جرجي زيدان الذي نعرفه اليوم.

كان جرجي ما زال لم ير الدنيا بعد، عندما اتجهت أسرته لبيروت بحثا عن لقمة العيش، فكانوا فقراء الحال، وقصدت جدته الكبيرة لوالده، الهجرة لبيروت أملا في رغد العيش، وكان ولدها حبيب حينئذ أمي لم ينل حظا من التعليم، ولم يعرف سوى الطهي مهنة، وعندما استقر به الحال في بيروت، تزوج من سيدة بروستانتية تدعى مريم مطر، ثم فتح مطعم في ساحة البرج، وتمنى أن يرزقه الله بولد نبيه او حتى يستطيع مساعدته في تحمل حسابات عمله في المطعم، لم يكن يعلم أنه سيرزق بطفل نجيب ورجل سيعلو ذكره بين عمالقة الأدب والصحافة وأنه سيخلد بأعماله إلى يومنا هذا.

تلقى جرجي زيدان، تعليمه الأساسي في مدرسة متواضعة بسيطة وكان تلميذا نجيبا، لكنه ترك التعليم لاحقا، ليساعد والده في حسابات المطعم، استاءت والدته من هذا الأمر، وخافت على ضياع مستقبله، وكانت تعلم بمدى تفوقه، فقدمت له الدعم بالكتب والقراءة لينهل المعارف والعلوم، وكان يطالع كل كتابا تقع يداه عليه ويقرأه بنهم، ثم التحق بمدرسة الشوام لتعلم اللغة الفرنسية، لرغبته الشديدة في استكمال تعليمه، ثم التحق بمدرسة ليلية يتلقى فيها تعلم اللغة الانجليزية، ساعده في الأمر معرفة والده بهؤلاء الطلاب ذوي المستوى الاجتماعي الرفيع، وكانوا يترددون على مطعمه، ثم انضم لجمعية خيرية بها نفس الطلاب، وتلقى علوم المواد الاعدادية.

توثقت صلات زيدان بعدد كبير من المتخرجين في الكلية الأمريكية، وبعض المثقفين والأدباء ورجال الصحافة وأهل اللغة والأدب من أمثال يعقوب صروف، فارس نمر، سليم البستاني وغيرهم، وكان هؤلاء يدعونه إلى المشاركة في احتفالات الكلية، فقرر الالتحاق بها وقرر السير في طريق صعب، واستشار اصدقائه ليدخل كلية الطب، لكنهم نصحوه بالحذر لأن الأمر لم يكن سهلا، ودعموه في كل الأحوال، ودخل الكلية في عام 1881، واجتاز العام الاول بامتياز، وقبل الشروع في العام الثاني، رفضت الكلية كل طلابها ولم تكمل تعليمهم، فاتجه دون يأس لكلية الصيدلة واستكمل دراسته بها وحصل على شهادة في الطبيعيات والحيوان واللغة اللاتينية، وأراد استكمال دراسته فقصد مصر مهد الرسالات والعلوم والثقافة.

جرجي زيدان الهجرة إلى القاهرة ليكمل دراسة الطب، ولم يكن يملك نفقات السفر، ولجأ لجاره للاقتراض منه ستة جنيهات، واعدا إياه بردها له حينما تتيسر الأحوال، ووصل القاهرة في عام 1883، ولضيق ذات يده صرف النظر عن الدراسة بالكلية، وبحث عن عمل يتفق مع هوايته وكانت الصحافة هي الأقرب لميوله، فعمل محررا صحفيا في جريدة "الزمان" اليومية، لصاحبها الأرمني علكسان صرافيان، وهي الصحيفة الوحيدة الباقية في القاهرة، بعد عبث الإنجليز بصحافة مصر في هذه الفترة، وعمل مترجما في العام التالي بمكتب مخابرات بريطاني، ثم رافق الحملة الانجليزية إلى السودان لانقاذ جوردن القائد البريطاني، من الأسر ومكث هناك 10 شهور ثم بعدها عاد لبيروت عام 1885.

مكث في بيروت ثلاث سنوات، وزار لندن واستزاد من مكتباتها العديد، ثم عاد للقاهرة من جديد واستقر فيها، وتولى عقب عودته من لندن إدارة مجلة المقتطف، ثم استقال منها، وعمل في التدريس بمدرسة "العبيدية الكبرى"، واشترك مع نجيب متري في إنشاء مطبعة "الهلال"، وانفضت الشراكة بعد عام، وبقيت المطبعة في يد زيدان، بعدها أصدر "مجلة الهلال" في عام 1892، وكان رئيسا لتحريرها، إلى أن نما ولده الأكبر إميل واعتمد عليه في تحريرها وإدارتها معه، وأصدر العدد الأول لمجلة الهلال في مطلع سبتمبر من نفس العام، ونشر خلالها مؤلفاته مقسمة على أجزاء، وفتح باب الهلال بتبويباتها الخمسة أمام الأدباء والكتاب والصحفيين لنشر أعمالهم الأدبية والثقافية، لتصبح الهلال خلال 5 سنوات أبرز المجلات الثقافية ورائدتهم في الوطن العربي، بشكل لم يتوقعه جرجي زيدان نفسه، وظل ينشر أعماله بها إلى أن توفي في عام 1914، تاركا رصيدا كبيرا من الثقافة والفكر خلده التاريخ، وبقيت ليومنا هذا "دار الهلال" بنت أفكاره وجهوده، صامدة بنفس قوته التي عهدها الكثيرين فيه، ولم تغلق لمرة واحدة، ومر أكثر من قرن وربع على تاريخ نشأتها وما زالت منهلا للعلم والثقافة.

ولجرجي زيدان ما يقارب الـ22 رواية تاريخية، في سلسلة تاريخ الإسلام، تناولت الجانب الاجتماعي والعاطفي والإنساني، والحقبة التي كتب عنها، وكانت في مرحلة ما قبل الإسلام ثم مرحلة صدر الإسلام متضمنة تاريخ الدولة الأموية، الدولة العباسية ومرحلة العصر الحديث، ولاقت هذه الروايات استحسانا على مدار التاريخ من القراء.

وجسدت روايات زيدان عدد من الحقب الزمنية مثل: "فتاة القيروان"، "صلاح الدين الأيوبي"، "شجرة الدر"، "الانقلاب العثماني"، "أسير المتمهدي"، "المملوك الشارد"، "استبداد المماليك"، "جهاد المحبين"، "فتاة غسان"، "أرمانوسة المصرية"، "عذراء قريش"، " 17 رمضان"، "غادة كربلاء"، "الحجاج بن يوسف"، "فتح الأندلس"، " شارل وعبد الرحمن"، "أبو مسلم الخراساني"، "أخت الرشيد"، "الأمين والمأمون"، "عروس فرغانة"، "أحمد بن طولون" و"عبد الرحمن الناصر".

Dr.Radwa
Egypt Air