الخميس 26 سبتمبر 2024

بهاء‭ ‬طاهر .. حوار‭ ‬قصير‭ ‬عن‭ ‬شهر‭ ‬طويل

24-7-2017 | 13:29

حوار :  نفيسة عبد الفتاح*

 يتدفق الحوار مع أديبنا الكبير بهاء طاهر، كنصوصه الإبداعية التى يتكامل جمالها بعمق اقتناعه بأن جمال اللغة  يكمن فى تلك البساطة التى أرسى الكاتب الكبير يحيى حقى قواعدها وضمنها كتابه»أنشودة للبساطة».

ثلاث سنوات مضت على ذلك الصباح الحاسم فى تاريخ مثقفى مصر، تلك الشرارة التى انطلقت من غاضبين صباح الخامس من يونيو 2013، ليبدأ مثقفو مصر اعتصامهم بمبنى وزارة الثقافة الأنيق المطل على النيل بشارع شجرة الدر فى الزمالك،  يبتسم بهاء طاهر تلك الابتسامة الطيبة وهو يستدعى تلك الأيام، ما يزيد على شهر من المقاومة بالكلمة والإبداع، كانت الأمور قد وصلت لذروتها، بيانات غاضبة لتشكيليين ومثقفين ومبدعين استشعروا وهو معهم خطورة ممارسات الإخوان، كان حرصنا الأكبر ألا نثقل عليه بعد أن منحنا وقتا ثمينا فى ظل ظروفه الصحية، يقول: خفت على مصر، كنت أخاف عليها دائما من الإخوان، وعلى الرغم من معاناتى الصحية لم أتأخر، يستعيد المشهد الذى فاجأ المصريين فى ذلك الصباح، كان حضوره مؤثرا، وعلى الرغم من تلك الأسماء الكبيرة التى كان لها كل تلك المكانة فى قلوب الناس، وكل هذا القدر من العطاء الإبداعى، كان بهاء طاهر هو حقا أيقونة ذلك الاعتصام، فتواجده كان بمثابة جواز مرور للدخول إلى قاعة الاجتماعات الكبرى بالوزارة لبدء اعتصام يصعب أن يتكرر، فمن ذا الذى يجرؤ على إهانة ذلك الرمز، من ذا الذى يجرؤ على التصدى له ومنعه من الدخول، يقول: المشهد كان واضحا لا لبس فيه، أصبح على رأس وزارة الثقافة التى تحمل مشعل التنوير إخواني  «الدكتور علاء عبد العزيز»، كل ما اتخذه من قرارات منذ توليه منصبه يؤكد أن خطة أخونة  قطاعات وزارة الثقافة عملا لا تراجع عنه، يصمت بهاء طاهر قليلا، وكأنه يستنطق الذاكرة «لم تكن القضية أنه أنهى انتداب هذا أو ذاك، بقدر ما كانت هذا الإصرار على مخالفة القانون، وعلى تقليم أظافر القوى الناعمة بأخونة كل المؤسسات، وكان المشهد الأكثر رعبا للقصة هناك ، فى دار الكتب والوثائق القومية، تلك الدار العريقة التى تسكن جنباتها وثائق مصر على مر العصور، خرائط حدود، ومخطوطات، ووثائق، معلومات وأسرار، وحقب تاريخية،لا تخص مصر وحدها بل تخص الأمة العربية  والإسلامية، كل شىء أصبح فجأة فى قبضة جماعة كان كل ما تقوم به - فى ذلك الوقتمشبوها، يؤكد أنهم لا يؤتمنون على وطن أو حدود.

فى ذلك الصباح كان بهاء طاهر يجاور الكاتبة الكبيرة الراحلة فتحية العسال، والشاعرالكبير الراحل سيد حجاب، والفنان محمود قابيل، ومحمد العدل، وصنع الله إبراهيم ،ويوسف القعيد، والدكتور أحمد نوار،والمخرج محمدعبد الخالق، والسيناريست سيد فؤاد، والفنان التشكيلى محمد عبلة، وسامح الصريطى، وجلال الشرقاوى، والفنانتين سهيرالمرشدى، وحنان مطاوع، وأكثر من خمسة عشر مثقفا وفنانا، ثم انضمت إلى هذا الحشد كاتبتنا الكبيرة سكينة فؤاد، وتوالى وصول الفنانين الشبان والكتاب والصحفيين لتطلق القوى الناعمة شرارة الرفض الحاسم لحكم الإخوان، ويتحول شارع شجرة الدر إلى مسرح مفتوح تقدم عليه العروض الفنية يوميا وسط جماهير محتشدة فى مشهد تاريخى سيظل فى الذاكرة كجزء لا يتجزأ من رحلة شعب لإسقاط جماعة اقتنصت الحكم فى لحظة تاريخية خاصة بعد أن سرقت ثورة ..

 ببطء يستكمل الحديث، بدا أن صاحب واحة الغروب وخالتى صفية والدير والحب فى المنفى، كان بمرور السنوات يزداد قناعة بصواب قرار الاعتصام «كانت لحظة تاريخية عزيزة على نفسى، بعد قرارات وزير الثقافة الإخوانى بإقالة قيادات الوزارة ، خفت على تاريخ مصر، وخاصة بعد البدء فى أخونة دار الوثائق القومية بانتداب الدكتور خالد فهمى بدلا من الدكتور عبد الناصر حسن»

ثم يستطرد مقيما الدور الذى لعبه المثقفون باعتصامهم الذى مهد فعليا ل 30 يونيو  «كان  كل ما قمنا به ضروريا لإنهاء حكم الإخوان بعد استغلالهم لثورة يناير ووصولهم للحكم».

نعود به قليلا إلى الوراء ، نسأله عن تقييمه لحكم مبارك بعد ست سنوات من قيام ثورة يناير، فيقطب جبينه قليلا، مؤكدا أنه لا شىء يغفر الركود الذى استمر فى المجتمع لمدة 30 عاما من حكم  مبارك، مضيفا: هذه الفترة هى السبب في كل ما وصلنا إليه الآن.

يتلون وجهه ببعض الألم وهو يذكر ثورة يناير، يؤكد: الميدان كان ضرورة، نزلت مع الشباب، ومهما كانت نتائج الثورة يجب أن نقول إن الشباب أشار للطريق وقدم التضحيات وليس ذنبه أن الثورة لم تحقق أهدافها.

يصمت طويلا ليفكر قبل أن يؤكد أن المثقفين اختفوا من على الساحة وتلاشى تأثيرهم على الشارع، جبهة الإبداع توقفت عن القيام بأى دور بعد أن كان لها دور أيام الإخوان.

 يبتسم عندما نتحدث عن مسلسله الذى عرض فى رمضان الماضى «واحة الغروب» يمازحنا: «بيقولوا البطل اسمه خالد «يقصد خالد النبوى»..الحقيقة أنا مبسوط جدا من المسلسل وراضى عن أداء الأبطال، يقهقه للمزحة..ألن تكتب لنا شيئا جديدا؟..يردد:هناك أمل دائما فى أعمال جديدة، وينفى تماما حدوث أى خلاف مع دار النشر فيما يخص تحويل نصه إلى عمل تليفزيونى.

 يبدو سؤالنا معتادا..الناقد الدكتور سيد البحراوى قال إنه يمكننا أن نسقط بعض صفات محمود بطل رواية «واحة الغروب» على بهاء طاهر ..فهل الأمر كذلك؟، يؤكد: هم دائما يقولون إن أبطالى يشبهوننى ..لكننى أؤكد أن البطل شخصية خيالية تماما.

لا يخلو بريد بهاء طاهر من رسائلهم .. ولا يصمت هاتفه عن التواصل الذى يصر عليه هؤلاء الشباب الذين حرص دائما على التواصل معهم، ورغم ظروفه الصحية ما زال ذلك الحرص قائما، يقول سعيدا بمنجزه الذى قدمه لوطنه الأقصر:» حرصت على أن أمنح مبدعى الأقصر جائزة، ليس لها مجلس أمناء لكنها تقدم لهم الأمل فى أن الإبداع الجيد باق، الشباب هم ثروة الإبداع والوطن،

  جذوة الثورة التي لا تنطفئ، ولهذا حاولت أن أقدم لهم شيئا،

 خصصت مبلغا من جائزة البوكر التى حصلت عليها ليتم الصرف من فوائده على الجائزة، لا أعرف ممن حصلوا عليها إلا واحدا  أو اثنين فقط لكننى راض عن الأمر»، ويضيف: «الثورة كانت سببا أيضا فى إهدائى لأرض اشتريتها بالأقصر لوزارة الثقافة ، فأثناء وجودى مع الشباب فى ميدان التحرير اقترح شاب أن أتنازل عن  جائزة مبارك، فأهديت الوزارة الأرض التى اشتريتها بقيمة الجائزة، وتم بناء قصر ثقافة بهاء طاهر عليها».

 ننقل الحديث من الثورة والميدان إلى الجوائز .. يصمت وقد شرد قليلا : «مصداقية الجائزة تتوقف على طبيعة لجان التحكيم، تخسر الجوائز مصداقيتها عندما تفتقد لجانها النزاهة، وعندما كنت فى سنة من السنين عضوا فى لجنة تحكيم ، كنت راضيا تماما».

يتوقف الحديث مع كاتبنا الكبير، حديث قصير مع رجل سجل اسمه فى دفاتر التاريخ بنور محبته الخالصة لوطنه، وبصدق تفاعله مع قضاياه المصيرية، رجل كان وما زال على يقين بأن من يكره الإبداع لا يصنع دولة ولا يقيم عدلا.. وأن الإخوان كانوا وما زالوا  أسوأ ما حدث لهذا الوطن.