الجمعة 10 مايو 2024

«خسارة الأهلي.. مكسب»

مقالات24-7-2022 | 11:30

بالطبع سيغضب مشجعو النادي الأهلي من عنوان المقال لكن الحقيقة أنني لا أمارس نوعا من الشماتة أو أرغب في ممارسة نوع من المكايدة الكروية تجاه مشجعي الشياطين الحمر ليس هذا واردا من مشجع للنادي الأهلي لكنني أتحدث هنا عن مكسب آخر بعيد عن البساط الأخضر وهو ضرورة اختفاء القطب الأوحد في ملاعبنا فهو مفسدة مطلقة ولنا في الأزمة العالمية الجارية المثل والعبرة فطوال عقود مضت كانت سيطرة الولايات المتحدة على مجريات العالم منبعا لكل مفسدة فنشأت الحروب وشردت الشعوب وضاعت هيبة المجتمع الدولي على وقع إذاعة نغمة واحدة تقوم على مصلحة العم سام حتى وان تقاطعت مع مصائر شعوب وهي النغمة التي سئم العالم منها وتقطع الطريق على تشارك ومنافسة وتكامل مفترض خلقت من أجله الحياة فقد خلقنا الله شعوبا وقبائل لنتعارف لا لنتعارك ويجهز فينا القوي على الأضعف ويوم أن يتحقق ذلك بالتأكيد سيعود على العالم بالخير فلا احتكار ولا مصادرة ولا مساومة ولا ابتزاز.

هكذا يبدو المشهد السياسي الدولي متشابها مع مشهدنا الكروي فتسيد الأهلي للبطولات لم يكن إنجازا حقيقيا في حد ذاته بل كان تعبيرا مباشرا ومنطقيا لغياب المنافسة ووجود أنداد يتسابقون في تكافؤ يضفي على الفوز معني الجد والاجتهاد بدلا من معنى الاحتفال مسبقا ضد من يسمونه "منافس" لكنه في الحقيقة "كمالة عدد".

كان هذا الوضع المشوه مفسدا لأمور كثيرة ومنها أن الأندية الكبيرة كالأهلي والزمالك تحتكران كل ما هو جيد وبين يديها كل إمكانات من القدرة على شراء محترفين ومدربين أجانب ما جعلهما في مكان يتفوق بمسافات بعيدة عن بقية منافسيهما وهو ما صنع استقطابا حادا انعكس على جماهير الناديين اللذين لا يتصوران وجود منافسين حقيقيين سواهما وباتا يشبهان الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة حيث يتقاسمان السلطة وحدهما على الرغم من وجود أحزاب أخرى تكمل الصورة الديمقراطية الجميلة التي يريد الأمريكان ترويجها عن وجود تبادل حقيقي للسلطة، وهكذا هو المشهد في الدوري المصري فقد بدت بطولتا الدوري والكأس في سنين ماضية أنها مناسبات اجتماعية لإسعاد أتباع الفريقين هذا مرة وذلك مرة أخرى بينما تراجع معنى المسابقة والتنافس إلى الحد الذي كان جمهور الفريقين يحدد من يذيع لهما المباراة ومن لا يذيع.

ونشأت روابط مهووسة وصمها المجتمع بالجنون بعد أن ظنت أنها دولة داخل الدولة وأن الصدام مع الدولة جائز وممكن حال اعترض رغبتها في ممارسة نرجسية تمارسها ضد المنافسين بل باتت مصلحة الفريق أعلى أهمية من مصلحة الفريق القومي ذاته وكلنا نتذكر تلك الحملة الشعواء التي واجهها المدير الفني كارلوس كيروش حين استبعد لاعبي الأهلي قفشة ومحمد شريف بل وصل الهوس بمشجعي الأهلي أن تمنوا خسارة المنتخب لمجرد الرغبة في الانتقام من المدرب.

وهكذا فإن خسارة الأهلي مكسب كبير ولا أقصد للزملكاوية بل أقصد للمناخ الرياضي عامة فهي خطوة على طريق إزالة الأسطورية والعظمة الموهومة التي تسكن نفوس البعض وتمنعهم من القدرة على الاستبصار وأن الكرة المصرية متراجعة فنيا بشكل كبير كان دليلها الأعظم خسارة المنتخب من نظيره الأثيوبي الأقل خبرة وعمرا في ممارسة اللعبة.

ومن حسن الطالع أن بات بالساحة منافسون أقوياء فوجودهم أحد شروط العودة إلى طبيعة الرياضة التي خلقت من أجلها وهو إرساء الأخوة والتنافس المتكافئ الودي فلا تصبح الخسارة مصدرا للتعالي ولا الهزيمة دافعا للتشفي وإيغار الصدور بل تجرى الأمور في إطار طبيعي نحيي من يفوز ونقدر من يخسر لا أن ننجر إلى احتراب كروي مدمر.

إن الحرص على غياب القطبية الكروية ووجود متنافسين يحظون بقرص متكافئة هو أول خطوات النهوض بحال الكرة المصرية التي إن وضعت اليوم في مقارنة مع أي مدرسة كروية سواء ناشئة أو متقدمة فستكون في موقف لا تحسد عليه وحين يأتي اليوم الذي يكون منتخب مصر عبارة عن تشكيلة متوازنة ناتجة عن إفراز طبيعي من ممارسي اللعبة بالتأكيد سيتغير وجه الكرة المصرية وتزداد بريقا اشتقنا إليه جميعا.

ولا أعرف معني لفريق يفوز لمجرد قدرته على احتكار أفضل اللاعبين ويسيطر على الإعلام الرياضي ويمارس إرهابا ضد من ينتقده ويتبعه جمهور لا يعرف معنى الخسارة ولا يقبلها إلى الحد الذي دعا بعض النقاد الهاربين إلى القول أن الدولة المصرية تحارب الأهلي.

هذا هو الجنون الذي ينتج عن مكسب محلي وهمي ومحدود لا أساس له ولننظر إلى تركيبة فريقي الأهلي والزمالك سنجد أنها قائمة على اللاعب المحترف ما أفقد قطاع الناشئين بالأندية معنى وجوده إلا في ما ندر ما يقطع الطريق على موهوبين كثر يخشي البعض الدفع بهم إذ تعمل إدارات الأندية تحت ضغط جماهير متعطشة لأي فوز بأي ثمن حتى لو كان ذلك على جثث الآخرين.

وليسأل كل منا نفسه لماذا تطبق دول مثل الأرجنتين والبرازيل وفرنسا وإسبانيا الاحتراف وتقدم أفضل المسابقات المحلية وعلى الرغم من ذلك لا يقل أي من منتخباتها مستوى أو مهارة عن الأندية والإجابة لأن قاعدة ممارسة اللعبة سليمة وصحيحة فترى مدرجات فرق أنديتها ممتلئة ولكل ناد أتباع بينما تنظر إلى مدرجات الدوري ستجد كلا من الأهلي والزمالك يلعبان مع نفسيهما فلا فريق قوي يواجههما ولا جمهور آخر يدفع مشجعيهما لإدراك أننا على بساط منافسة وليس استعراضا للقوة والنفوذ.

من هنا رأيت خسارة الأهلي مكسبا للكرة المصرية وفرصة للتفكير في هدوء لمراجعة أهداف مسابقتي الدوري والكأس وأنهما ليستا إلا مفرخة يجب أن تصب في صالح اللعبة على مستوى الدولة لا أن تصب الفرحة في المعسكرين الأبيض والأحمر فقط فإن حققنا هذا التوازن سيكون مقبولا دون أدني شعور بالضغينة أن يفوز هذا أو ذاك وساعتها سيكون التفوق ذا معنى أما الاستمرار في مواجهات تتم بين أعور وعميان فسيخرج الجميع منها خاسرا، مبروك لمشجعي الزمالك وفي ذات الوقت ما زال تحقيق الفوز في بطولات أخرى متاحا لمشجعي الأهلي فلنغادر سريعا ساحة الغل والغل المضاد التي شوهت ساحات الرياضة ما تسبب في وجود مدرجات خالية لوجود من يعتبرها ساحة معركة لا فرصة لقضاء وقت ممتع في متابعة فنون الكرة في أجواء لطيفة.

Dr.Radwa
Egypt Air