الأربعاء 24 ابريل 2024

رسائل من زيارة لافروف

مقالات24-7-2022 | 20:42

بعد «مقاربة» جدة الشاملة.. وجولة خارجية شملت ألمانيا وصربيا وفرنسا
 
 بعد ساعات من عودة الرئيس عبدالفتاح السيسى من جولته الخارجية التى تضمنت زيارات لألمانيا وصربيا وفرنسا سبقتها مشاركة الرئيس السيسى فى قمة جدة للأمن والتنمية والتقى خلالها الرئيس الأمريكى جو بايدن.. استقبل الرئيس السيسى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف الذى حمل رسالة من الرئيس فلاديمير بوتين للرئيس السيسى.

استقبال الرئيس السيسى بالأمس لوزير الخارجية الروسى وما تضمنته رسالة الرئيس بوتين وما أكدته مصر، وما دار خلال قمة جدة من رؤية مصرية، ولقاء مع الرئيس الأمريكى ثم الزيارات الثلاث لألمانيا وصربيا وفرنسا تكشف بجلاء عمق السياسة المصرية المتوازنة والمنفتحة مع الجميع الذين يدركون أهمية وقيمة مصر كدولة محورية تمثل ركيزة الأمن والسلام والاستقرار للشرق الأوسط وأفريقيا وشرق المتوسط.

زيارات الرئيس السيسى للخارج ولقاءاته الثنائية فى الداخل، ومشاركاته فى المحافل الدولية، اتسمت بالتنوع والتعددية، ولم تلتفت مصر فى تحركاتها إلى وجود أزمات بين بعض القوى الدولية، بل تربطها علاقات قوية بالجميع ترتكز على الاحترام المتبادل والتفهم الكامل للمواقف والثوابت المصرية وأيضاً الشراكة الإستراتيجية والمصالح المشتركة.

زيارة سيرجى لافروف ولقاء الرئيس السيسى به رسالة مهمة يجب ان نتوقف عندها وتشير إلى  أن علاقات مصر القوية والراسخة مع الجميع لم تتغير حتى فى أتون الأزمة الروسية- الأوكرانية، تحمل نفس الأهداف والثوابت، فما بين لقاء الرئيس السيسى ونظيره الأمريكى بايدن ثم استقباله لوزير الخارجية الروسى لافروف ورسالة بوتين، تكشف النقاب عن مهارة الدبلوماسية الرئاسية المصرية ونجاحاتها خلال الـ8 سنوات الماضية فى وضع قواعد ومبادئ للتعاون والشراكة.
تحركات الرئيس السيسى على ساحة المشهد الدولى تمضى بثقة وثبات وتنوع وتحقق أهدافاً كثيرة لمصلحة الدولة المصرية.

أولاً: تجسد مدى الاحترام والتقدير لمصر ومكانة ودور وثقل القاهرة على المستويين الإقليمى والدولى.

ثانياً: استمرار للرؤية المصرية فى الانفتاح على دول العالم المختلفة، لخلق علاقات دولية متوازنة، والاستفادة من التجارب التنموية للدول المتقدمة وامكانياتها وقدراتها التكنولوجية، وأيضاً التواصل المباشر مع كبرى الشركات العالمية وممثلى المال والأعمال لعرض الفرص المصرية لجذب المزيد من الاستثمارات فى ظل المشروعات القومية العملاقة، وما تشهده مصر من بناء وتنمية وبنية تحتية عصرية، وإنجازات ونجاحات فى مجالات الطاقة التقليدية والطاقة الجديدة والمتجددة والطاقة النظيفة وعرض الفرص المتنوعة وبالأخص فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهو ما يعود على الاقتصاد المصرى بعوائد كبيرة والاستفادة أيضاً بالتجارب المتقدمة فى مجال الصحة والتعليم والزراعة وغيرها من أهداف الدولة المصرية خلال مسيرتها التنموية.

ثالثاً: عرض مضمون الرؤى المصرية حول العديد من القضايا والملفات والأزمات الإقليمية والدولية والتأكيد على السياسة المصرية فى تبنى الحلول السياسية والدبلوماسية للوصول إلى تسويات سلمية لإنهاء النزاعات والأزمات.

رابعاً: تجسيد للسياسة الدولية المصرية فى إحداث التوازن وعدم الانحياز لمعسكر على حساب آخر، والارتباط مع الجميع بعلاقات قوية فى إطار الشراكة والمصالح المشتركة بما يحقق تطلعات الشعوب بما يرسخ الابتعاد تماماً عن الاستقطاب الدولى فى ظل الأزمات العالمية، فمصر لم تخسر شركاءها وأصدقاءها وان كانت بينهم خلافات وصراعات عميقة إلا أنها تسير على نفس نهجها فى إبرام العلاقات الإستراتيجية والتعاون مع الجميع.

بدا فى زيارات الرئيس السيسى الخارجية، ثمة ملامح مشتركة فى خطابات الجميع عن مصر وهى:
- تأكيد دور مصر المحورى وكونها ركيزة الأمن والاستقرار والسلام فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق المتوسط، وأن العالم يعول على هذا الدور.
- أن مصر شهدت تغيراً وتطوراً كبيراً فى جميع المجالات، ولديها تجربة تنموية تستحق الاحترام، وهو ما انعكس على حياة المصريين، وأنها أصبحت من الدول التى تمتلك اقتصاداً وأن لديها فرصاً استثمارية متنوعة.

- هناك تقدير واحترام غير محدود للقيادة السياسية المصرية المتمثلة فى الرئيس السيسى سواء لدورها الوطنى فى انقاذ وبناء وتنمية الدولة المصرية أو ما تتبناه من سياسات حكيمة ورشيدة فى الحفاظ على أمن و سلام واستقرار المنطقة وأنها باتت الرقم الأهم والأكبر فى المعادلة الإقليمية، ورقماً كبيراً فى المعادلة الدولية.
- دور مصر الفريد فى الحرب على الإرهاب والتشدد والتطرف، وأيضاً الهجرة غير الشرعية وان سياساتها الثابتة، أنها لا تعتدى ولا تطمع فى أحد ولا تتدخل فى الشئون الداخلية للغير، وانها طرف مهم موثوق فيه يتعامل بحكمة وشرف ومصداقية عالمية، يسعى بكل جهد إلى ترسيخ الأمن والسلام فى المنطقة ولديه ثوابت فى أهمية الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها وجيشها الوطنى، ومنع التدخلات الأجنبية وطرد المقاتلين الأجانب والمرتزقة.

الحقيقة أن الأسابيع القليلة الماضية التى تضمنت لقاءات عربية ثنائية وثلاثية أو الزيارات العربية، أو للدول الصديقة وحضور قمة جدة للأمن والتنمية ثم الحضور الروسى للقاهرة أوضح بشكل يلمسه الجميع الدور المصرى المحورى والرائد وما وصلت إليه مصر من مكانة وثقل جاء سواء من الاهتمام الدولى بالقاهرة، أو وجودها كشريك أساسى لحل العديد من الملفات والقضايا والأزمات الإقليمية والدولية، أو ما لديها من تجربة رائدة وملهمة فى البناء والتنمية والفرص الواعدة والمتنوعة فى كافة ربوعها.

زيارة سيرجى لافروف للقاهرة واستقبال الرئيس السيسى له، تبيان حقيقى للسياسات الدولية وأهدافها وثوابتها، فما جاء فى استقبال لافروف معبراً لعمق العلاقات والشراكة الإستراتيجية بين البلدين الصديقين وتأكيد تعزيز التعاون الثنائى بينهما، والأهمية التى توليها روسيا تجاه ترسيخ العلاقات الثنائية مع مصر.
الأمر المهم أيضاً الذى تضمنته رسالة بوتين هو مدى الاحترام والتقدير للرئيس السيسى وتوجيه التحية له.. رسالة بوتين أيضاً أكدت على اتفاق الشراكة والتعاون الاستراتيجى بين مصر وروسيا من خلال المشروعات التنموية المشتركة الجارى تنفيذها حالياً.

رسالة بوتين للرئيس السيسى تضمنت أيضاً الإعراب عن التقدير للمبادرة المصرية لتشكيل لجنة الاتصال الوزارية فى إطار جامعة الدول العربية سعياً لتسوية الأزمة الأوكرانية.

الرئيس السيسى ثمن مسيرة التعاون الثنائى المتمثلة فى المشروعات الروسية فى مصر فى إطار العلاقات بين البلدين وفى مقدمتها إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية والمنطقة الصناعية الروسية فى محور قناة السويس وغيرهما من المشروعات الاستثمارية والاقتصادية فى كافة القطاعات.

لافروف أطلع الرئيس السيسى على آخر مستجدات وتطورات الأوضاع بشأن الأزمة الأوكرانية ومستجدات التحركات الدبلوماسية للأزمة، تناول الرئيس السيسى الرؤية المصرية لإنهاء الأزمة الروسية- الأوكرانية من خلال تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية للأزمة وان مصر تدعم كافة المساعى التى من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين مع استعداد مصر لدعم هذا المسار من خلال اتصالاتها وتحركاتها مع جميع القوى الفاعلة سواء فى الإطار الثنائى أو المتعدد الأطراف.

الحقيقة أن هناك علاقات متميزة وتاريخية بين القاهرة وموسكو فى مختلف المجالات خاصة التعاون فى مجالات توريد الحبوب والغذاء وقطاع البترول والغاز فى ضوء الأزمة الراهنة التى تشهدها هذه القطاعات.

خطاب مصر لم يتغير، اتسم بالثبات والثقة سواء مع الجانب الأمريكى فى لقاء الرئيس السيسى بنظيره الأمريكى جو بايدن أو خلال زيارتىّ ألمانيا وفرنسا أو خلال استقبال وزير الخارجية الروسى، أكد أهمية تغليب الحوار والحلول السياسية والدبلوماسية للأزمة.

تتحرك مصر بميزان من ذهب حرصاً على توازن علاقاتها وتعاونها وشراكاتها الإستراتيجية مع الجميع بالاضافة إلى العلاقات التاريخية التى تربطها بجميع الأطراف المتنازعة والمتصارعة وهو ما يكشف قيادة مصرية وطنية رشيدة تجيد وبمهارة قيادة سفينة الوطن وسط الأمواج الهائلة على الصعيد الدولى ولا تفرط أبداً فى مصالحها وأهدافها وثوابتها.

التوهج المصرى رغم تصاعد الأزمة العالمية وارتفاع لهجة الأطراف المتنازعة.. واستقرار وتطور علاقاتها مع الجميع هو أمر واضح يمنحها مكاسب كبيرة، ويشير إلى مكانتها وثقلها، ويجسد اتزانها وتوازنها المرتكز على الحكمة والسياسات الرشيدة وطرح الرؤى الشاملة للحل، والإشارة إلى مخاوف العالم من استمرار وتصاعد الأزمة وتأثيراتها المتنوعة على الأمن والاستقرار الدوليين ومستقبل هذا العالم.

كتبت من قبل عن عبقرية التوازن فى السياسات الدولية المصرية، وكيف تدير مصر وتقود علاقاتها الدولية دون وجود أى حساسية أو تعقيد أو تجاذبات أو انحيازات، وهذه القيادة الرشيدة والحكيمة للرئيس السيسى تمثل جوهر الحفاظ على مسيرة مصر نحو تحقيق أهدافها فى الأمن والاستقرار والبناء والتنمية وتعكس عمق وصواب تقديرات المواقف المصرية، ورغم كتاباتى المتكررة عن الاعجاب بالتجربة المصرية بشكل عام وبسياسات مصر الدولية بشكل خاص فإن زيارة لافروف للقاهرة، أضفت واقعية على أرض الواقع لحديثى عن عبقرية التوازن المصرى والدبلوماسية الرئاسية، فهذا التنوع فى العلاقات الدولية وأن بدت ثمة توترات مع دول بعضها البعض فإن مصر لم ولن تتنازل عن ثوابتها فى الاحتفاظ بعلاقات التعاون والشراكة والصداقة مع الجميع.

الحقيقة أن نجاح مصر فى التوازن فى سياساتها وعلاقاتها الدولية والتمسك بثوابتها حقق لها ثماراً كثيرة ومكاسب عديدة فى حين حصدت قوى إقليمية أخرى تتبنى التوترات والتدخلات وانتهاكها سيادة الدول واستدعاء الأوهام والنزاعات القديمة، والأطماع التراجع والضعف والهوان، وباتت تستجدى استعادة العلاقات الطبيعية بعد فشل سياساتها وتوجهاتها الدولية، وتوارت كثيراً عن المشهد الإقليمى والدولى فى الوقت الذى يتوهج فيه دور ومكانة وثقل القاهرة صاحبة سياسات الشرف والمصداقية والثقة الدولية، كشريك موثوق فيه جدير أن يكون محل احترام وتقدير العالم.

Dr.Randa
Dr.Radwa