الخميس 18 ابريل 2024

دوار الصراحة.. من قتل سميرة عزت؟

مقالات26-7-2022 | 17:02

عن آخر المستجدات والتطورات  فى حادثة مقتل الدكتورة سميرة عزت محمد أبوالخير قبل عشرة أيام، داخل أحد مصاعد شركة الأدوية التى تعمل بها بالمعهد القومى للكبد بالمنوفية مديرة لمركز أبحاث الشركة والتى تعد واحدة من أكبر شركات الأدوية بالشرق الأوسط .

مررت بالأمس، وعلى مدار ثلاث ساعات كاملة حتى أذان الفجر، أتصفح بعض من المواقع الإخبارية المهمة، ومواقع لصحف ورقية رسمية محلية.

فحصت الأخبار فوجدتها جميعا تسير باتجاه واحد وهو أنه لا شبهة جنائية فى الحادث، تم إخلاء سبيل فنى الصيانة الذي رافق المتوفاة قبل الحادث وسقوطها فى بئر المصعد.

فى آخر سطرين من التقرير المنشور وتقارير أخرى، إشارات إلى أن التحقيق فى الحادث سيظل مفتوحا ومستمرا، حين تقرأ أن النيابة العامة قررت حبس المتهم احتياطيًّا أربعة أيام على ذمة التحقيقات، إلا أن المحكمة -المختصة بالنظر في أمر مد حبسه-  قررت إخلاءَ سبيله بضمان ماليٍّ قدره خمسة آلاف جنيه، وجارٍ استكمال التحقيقات، لابد أن يتسلل اليك إحساس أنه مازالل هناك أمل ولن يذهب دم سميرة عزت هدرًا.   

بعض من هذه التقارير الإخبارية التى قرأتها، كنت أتمنى أن أراها وقد تحولت الى تحقيقات صحفية واسعة، حلقات نقاشية متخصصة تضم علماء فى بحوث الأدوية وخبراء جريمة ومؤرخين وكتاب متخصصين فى توثيق صراع الشركات الكبرى وحروبها التسويقية وسرقات واستهداف أبحاث المشروعات القومية العلمية، لعل وعسى أن يكشف ذلك الغموض الذي ظل ومنذ سنوات بعيدة يلاحق دائما جرائم قتل العلماء، وغالبا ما تنتهي تحقيقاتها بعدم وجود شبهة جنائية ويتم حفظ قضاياها.

سرعان ما تذكرت أن تلك الأمنية كان يمكن أن تتحقق وقتما كانت الصحافة تناقش وتعالج قضايا في غاية الأهمية تتعلق بالعلماء والمفكرين  وأبحاثهم ومشروعاتهم العلمية في بناء الدول الحديثة والارتقاء بها وبقدراتها.

لعلك مثلى الآن، لأنك لم تتعجب حينما تجد أن ما نشر من تقارير ومتابعات وبرامج حوارية بالساعات عن حذف فيديو سيد عبد الحفيظ مدير الكرة بالأهلى وتصريحات مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك بشأن هذا الحذف، حيث أنه الخبر الوحيد، قضية الساعة التى تشغل الجميع وتتصدر الساحة الإعلامية إن لم يكن السياسية والاجتماعية والاقتصادية بأكملها، بينما تلاشت جميع الأخبار الأخرى.

نعم قد يعتقد الجميع أن العالمة سميرة عزت ماتت متأثرة بتكسير عظامها وتهشيم رأسها عند سقوطها في بئر المصعد وتم إغلاق ملف القضية وحفظها وانتهى الأمر عند هذا الحد.

إلا أن المعلومات المنشورة التي أشارت إلى أن العالمة الفقيدة كانت تعمل على مشروع علمي بقيمة 2 مليار دولار، تطرح العديد من علامات الاستفهام  والشكوك، وهو مشروع  الجينوم المرجعى للمصريين، أحد أهم المشروعات القومية العلمية التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي فى العام الماضى 2021، كأحد أولويات الدولة في مرحلة ما بعد (كورونا ).

لذلك  لا زلت متمسكا بالأمل كثيرا وبشدة بما ورد  في السطر الأخير من التقرير الصحفى المنشور عن الحادثة، أنه تم إخلاء سبيل المتهم بكفالة مالية لكن  تحقيقات النيابة مازالت مستمرة.

إذا كانت وفاة العالم جمال حمدان، جريمة قتل هزت العالم العربي في تمام الرابعة بعد ظهر السبت 17 إبريل 1993، وما زال فاعلها مبني للمجهول في الأوراق الرسمية، ولكن الجميع يعلم من صاحب المصلحة الوحيد في إنهاء حياة صاحب شخصية مصر، وسرقة آخر ثلاث كتب قبل نشرها.

بينما انتهت وفاة العالمة سميرة عزت انتهت إلى عدم وجود شبه جنائية، فإن ذلك لايتعارض مع أننا أمام جريمة الموسم ولابد أن تظل على صدارة اهتمامات المنصات الاعلامية المحلية والعربية والعالمية، والجميع يعلم أن هناك الكثيرين من أصحاب المصالح في إنهاء حياة واحدة من العلماء تعد من قلة محدودة للغاية من الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم من أجل خدمة قضايا الأمة، والدليل تكليفها بواحد من أهم المشروعات القومية العلمية التي ستحفظ حياة المصريين وصحتهم.

المعارك الدائرة حول لقاحات كورونا منذ ظهورها وحتى الآن تكشف أن هناك صراعا لن ينته بين شركات الأدوية واللقاحات، ولعل الجميع قد تابع جيدًا كيف أن الدول الكبرى دخلت في سباق محموم لاقتناء اللقاحات حتى قبل الإعلان النهائي عن نجاح التجارب السريرية، في سعيها  لتوسيع نفوذها وتعزيزه  .

قبل عام ونصف تقريبا (أي في مطلع عام 2021) نشر موقع إذاعة بى بى سى البريطانية تقريرا صحفيا مهما يكشف عن الخلاف بين الاتحاد الأوروبي وعدد من شركات الأدوية بشأن إمدادات لقاح فيروس كورونا. ووصف عدد من الكتاب ما يحدث بأنه "حرب لقاحات" و"فشل أخلاقي" للعالم وأنه "لا عزاء للفقراء في هذا الصراع".

وسط هذه الأجواء الملغمة بالميكروبات والأمراض الفيروسية، جاء اهتمام مصر بمشروع الجينوم للمصريين وتم إطلاقه في مارس العام الماضى.

يهدف المشروع إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري، من أجل فك شفرة حياة الإنسان وتحديد تسلسل جميع الجينات الخاصة بالإنسان وقراءة المحتوى الجيني له بالكامل، إذًا قد تتشابك هنا خيوط الجريمة والأسباب.

خريطة المشروع كانت تستهدف تحديد العوامل الجينية المؤثرة في الاستجابة لأسباب الأوبئة المختلفة.. كما يهدف المشروع أيضًا إلى دراسة الجينات المتعلقة ببعض الأمراض القاتلة مثل أمراض القلب والأورام السائدة لدى المصريين وكذلك الأمراض الوراثية الشائعة عمومًا في مصر.

ظهرت فكرة الجينوم البشري لأول مرة عام 1988، من خلال "أكاديمية العلوم الوطنية" الأميركية، ويُعد مشروع الجينوم البشري هو أحد أعظم أعمال الاستكشاف في التاريخ، ولا يضاهيه أي كشف علمي تم على مر العصور.

28 عاما وحتى الآن ما زالت وفاة جمال حمدان محور نقاش، يصيب القلب بغصة لغياب عبقري وفيلسوف الجغرافيا، الذي أبهر العالم بوصفه شخصية مصر بكل جوانبها.. فما بالك لم يمض على وفاة العالمة المصرية سميرة عزت عشرة أيام والغموض حول وفاتها يزداد بشدة، فماذا يمكن أن يصيب قلوب المصريين  لغيابها وهي كانت المشرف والمسئول الأول عن أهم مشروع  علمى قومى  يكشف للمصريين كيفية مواجهة الاوبئة والفيروسات والدفاع عن صحتهم، اللهم هذا حالنا لا يخفى عليك، وهذا شقاؤنا وبؤسنا ظاهر بين يديك، فارحمنا إذ الفضل منك وإليك، رحم الله الأستاذة الدكتورة سميرة عزت مديرة مشروع الجينوم المصرى الذى نتمنى ألا يتوقف برحيلها.

وللحديث بقية إذا كان فى العمر بقية.