الإثنين 17 يونيو 2024

قبل ساعات من المغادرة وصايا الدكتور جابر نصار الإصلاح الجامعى سهل.. لكنه يحتاج صاحب قرار

26-7-2017 | 16:31

حوارتكتبه : إيمان رسلان

عدسة: إبراهيم بشير

 

لا أحب أن أجلس على كرسى المنصب حتى لا ألتصق به وحتى أشعر بالتحرر من قيوده لأنى سأغادره يوم أن تنتهى مدتى الأولى فى رئاسة الجامعة، كانت هذه «المفاجأة» هى إجابة د. جابر نصار على سؤالى فى نهاية يومين متواصلين لإجراء أول حوار معه فقد ذهبت إليه متحفزة لحوار حول المجانية وكانت مسار لغط شديد فى ذلك الوقت.

وبالفعل استقبلنى ولكن ليس على مكتب وكرسى رئيس الجامعة، ولكن فى الصالون الملحق به وكل من يدخل يستقبله أيضاً فى الصالون، ولم يجلس على كرسى منصب رئيس الجامعة وعندما شغلتنى الملاحظة سألته عنها بوضوح ولكنى لم أنشرها فى وقتها انتظاراً لما ستسفر عنه الأيام بعد ذلك.

نصار قضى فى رئاسة الجامعة أربع سنوات كانت فى أغلبها معارك خاضها بقوة، فقد انتصر فى معركة المتطرفين وعناصر الجماعة الإرهابية وعزلهم وأبطل مفعول قنابلهم الآن يترك المنصب وفى خزانة الجامعة ما يقرب من مليارى جنيه بعد أن تسلمها خاوية تماماً.

عن شهادته يتحدث إلينا جابر نصار ويقدم روشتة الإصلاح خاصة المالى والإدارى وقبلها روشتة لمواجهة الفكر المتطرف وزرع التنوير فى تربة الجامعة المصرية، ويقول الإصلاح ليس صعباً، بل ممكن وسهل ولكنه يحتاج إلى صاحب قرار لا يخاف وكجراح ماهر يعرف كيف يستأصل المرض العضال من الجسد الجامعى.

نبدأ من يوم إصابة ابنك محمد داخل الجامعة إلي هذه الدرجة كان عنف الإخوان ضدك؟

الحمدلله ربنا سلم ونجا من موت محقق ولكن مات زميله رحمه الله وهذه واقعة متعمدة بالتأكيد منهم فهو تيار منهجه العنف الدائم والانتقام خاصة وأنني كنت قد اتخذت قبلها بشهور قليلة منذ أن توليت المنصب خطوات تجاههم وكما نتذكر جميعاً تسلمنا الجامعة وهي محاصرة باعتصام النهضة والباب الرئيسي مغلق حتي أن دورات المياه كانت علي أبواب الجامعة وبعد الاعتصام حرقت كلية الهندسة وكانت مظاهراتهم تتجمع خارج أبواب الجامعة ويضربون مولوتوفا وحدثت مواجهات مع الشرطة بل ومات طالب من الهندسة في هذه الأحداث.

- نعم حتي إنه كان هناك مانشيت واتهام صريح لك بأن جابر نصار يحرق الجامعة

نعم هذا كتب بالفعل لأنه وقعت قنبلة في المواجهات علي الكشك الأمامي بالجامعة وحينما طلبت الإطفاء لإخماد الحريق.. قالوا لن نستطيع الدخول نتيجة المواجهات وتم إخماد النيران بواسطة عمال الجامعة “الشجعان” وبملابسهم لأننا اكتشفنا أن الجامعة لم يكن بها شبكة أمان لإطفاء الحرائق ولذلك من ضمن الأعمال الهامة التي حدثت خلال السنوات الأربع تنفيذ شبكة مكافحة الحريق وخزان مياه عميق وهي مستقلة تماماً عن شبكة تغذية مياه الشرب وذلك لتغذية حنفيات الحريق الرئيسية بالجامعة فهذه الأحداث كشفت أن البنية التحتية بالجامعة كانت متهالكة تماماً ولم تجدد منذ إنشاء المباني قبل ٨٨ عاماً فقد اكتشفنا مثلا في يوم أن قاعة الاحتفالات بالقبة بالجامعة التي صممت علي غرار الأوبرا القديمة، أن القاعة بأكملها غرقت بالمياه وبارتفاع ٧٠ سم، وبعد الكشف عن أسباب ما حدث وجدنا أن المواسير تهالكت تماماً وبها خروم كثيرة وهو ما أدي إلي التسرب ولذلك قمنا بإصلاح جذري وإحلال كامل لشبكة المياه والصرف في مبني القبة وداخل الجامعة كلها وتم افتتاح المشروع خلال الأيام القليلة الماضية.

• كانت هناك اتهامات بأنك رفضت دخول الشرطة للجامعة وقت اشتباكات الإخوان وغيرهم وهو ما ثبت صحته بعد ذلك؟

بالفعل رفضت دخول قوات الشرطة إلي داخل الحرم الجامعي رغم أنني كنت أهاجم يومياً بسبب هذا القرار في الصباح في وسائل الإعلام ومساء في برامج التوك شو ورغم ذلك أصررت علي قراري.. وكان ذلك لعدة أسباب أولاً أن السماح بدخول الشرطة وكانت هناك معارك كر وفر هو ما كان يريده هذا التيار الإرهابي لنقل المعركة إلي داخل الجامعة وساعتها سيصاب الطلاب وأعضاء هيئات التدريس وتحرق المباني والكتب والمعامل وكان يمكن أن يأتي علي الأخضر واليابس بالجامعة ولكن رفض دخول الشرطة جعل حصار هذه التيارات سهلاً في مواجهة الشرطة التي ستقضي عليهم في المواجهة ولكن دخولهم إلي الجامعة كان سيكون طوق النجاة لهذا الإرهاب فيحرق الجامعة.

والشرطة نفسها قدرت الموقف ووافقت عليه وبعض الأحيان حينما كانت وسائل الإعلام تطالب بدخول الشرطة كانت الشرطة تتمسك بموافقتي أولاً لأن المخاطر كانت أكبر لو دخلوا إلى الحرم الجامعي.

ثانياً: وهذا هو الأهم أننا كنا في الجامعة نقوم بعمل بطولي يومي في ذلك الوقت لحماية الجامعة والطلاب فكان لدينا فرق تفتيش يومياً علي الأبواب وداخل الحرم تبدأ عملها مع الفجر بمعني تمشيط الجامعة صباحاً ومساء في حملات داخلية لاكتشاف أي أشياء غريبة أو قنابل مولوتوف أو أي شيء آخر وبذلك استطعنا تأمين الجامعة تماماً.

بالفعل كانت هناك مظاهرات وفي البداية كانت يومية وكنت أراقبهم بتركيز شديد لأنهم كانوا يتجمعون أمام القبة بل كنت أصورهم فيديو وعددهم في الجامعة كتنظيميين لم يكن يتجاوز ٣٤٠ طالباً وبالوقت تم عزلهم تماماً حتي انتهت المظاهرات فنحن اتبعنا سياسة هامة هى فصل وعزل هؤلاء التنطيميين، لأن هؤلاء مهما فعلت معهم لن يجدي وأقصد الحوار أو غيره ولذلك وضعت خطة بديلة هي عزلهم عن الطلاب حتى يفقدوا أهميتهم والقاعدة التي يرتكزون عليها أي سياسة “وضع ساتر بينهم وبين المستهدف من خطتهم أو مخططهم فهم يريدون تجنيد أكبر عدد من الطلاب ليكونوا وقودهم والبراعم لهم لتنفيذ مخططاتهم السياسية في المقام الأول.

• وهل كان قرار غلق الزوايا بالجامعة؟

بالتأكيد وضعنا في الجامعة خطة لحصارهم وعزلهم عن محيط الطلاب وهو ما أطلقت عليه لفظ “صواريخ التطرف”.

• ماذا تعنى بصواريخ التطرف؟

أقصد هؤلاء المتطرفين أياً كان اسمهم إخواناً، أو سلفيين لأن هؤلاء المنظمين كانوا الصواريخ التي تنطلق في أنحاء الجامعة ويأخذون الطلاب ويعملون لهم عملية غسيل مخ وعندما درست هذه القضية وجدت أن مساحة انفرادهم بالطلاب تتم في الحجرات بالمدن الجامعية ومباني الجامعة تحت اسم الزوايا للصلاة وفي هذه الأماكن ينفردون بالطلاب تحت لافتة الصلاة وينشرون أفكارهم ولذلك قررنا أن ننهي هذه المسألة تماماً بأن نضع سياسة لعزلهم وتم إصدار قرار غلق المصليات والزوايا العشوائية بالجامعة تماماً.

• وطبعاً هوجمت بحجة انك ضد الدين والصلاة إلى آخره؟

بالتأكيد ولكن هنا أقمت أكبر مسجدين في الجامعة أحدهما للطلاب يقيم الشعائر به إمام حاصل علي الدكتوراه تم تعيينه من وزارة الأوقاف وآخر للطالبات تقيم الشعائر به متخصصة أيضاً.. إذن إذا كان الطالب أو الطالبة يريد الصلاة فالجامع موجود.

أما من يريد الصلاة بشكل فردي فيستطيع أن يقوم بذلك منفرداً ولأن حجة الصلاة فى هذه الزوايا كان هدفها عمل عملية غسيل مخ للطلاب لأنهم سيكونون الوقود الداعم لذلك لم نغلق الزوايا إلا بعد بناء الجامع وهو مكان واسع وآدمي وبه الحمامات ودورات المياه وغيرها.

• يتحدث الجميع عن تجديد الخطاب الديني بل تم عمل أكشاك للفتوي في محطة المترو ولك تجربة هامة في ذلك كيف نواجه التطرف أو ننقذ مصر منه؟

أولا أحب أن أوضح شيئاً وهو أهمية الجامعة بالنسبة للمفكر المتطرف لأن الجامعة تستقبل الطالب من سن ١٧ - ٢٢ عاماً أو أقل قليلاً وهو من أهم الفترات في تكوين عقل الإنسان وتشكيل وعيه وبالتالي هذه التيارات دائماً ما تركز في عملها علي نشر أفكارها علي الجامعة لأنها المفتاح الرئيسي لنشر الفكر المتطرف الذي هو البيئة الحاضنة بعد ذلك إلي الإرهاب بمعني انه في الجامعة ينشر ويبذر الفكرة لتنتشر وكانت هذه الفكرة أو الصورة في ذهني عندما دخلت فى أول يوم عمل لي في الجامعة الأمر الآخر أننا اكتشفنا أنه لا فرق بين هذه التيارات فكلها وقت اللزوم تنضم تحت لافتة واحدة وقد وجدنا بالفيديوهات التي تم تصويرها لمظاهرات الطلبة أن ما يقرب من ٩٠٪ منهم سلفيون و١٠٪ فقط إخوان، إذن علينا أن نستنتج من ذلك أن الدواعش اليوم والذين يقتلون ويستبيحون الدم والقتل هم نتاج لعملية تعليمية تبذر التطرف أولاً في عقول ووجدان الشباب الذي يحضر للجامعة في سن التكوين ومن هنا بدأت في التفكير في وضع رؤية وخطة عملية لمواجهة ذلك.

• وما عناصر هذه الرؤية التي حاربت بها هذا الفكر في الجامعة؟

الرؤية ارتكزت علي أن الجامعة ليست مؤسسة تعليمية فقط وإنما هي مؤسسة “جامعة” كل الأفكار والمفروض أن يتعرف الطالب علي الآداب والفنون ويمارس الأنشطة ويجد الكتاب الذي يقرؤه ويسمع الموسيقي ويزور المسرح خارج الجامعة وداخلها فمثلا وجدت في الجامعة عدد ٨ مسارح فقررت توسيع عددهم ليصل إلي ٢٠ مسرحاً أي مسرح بكل كلية يعني فرقة تمثيل وغيره والفنون أداة هامة لمحاربة التطرف ولو كان الأمر بيدي لافتتحت مسرحاً بكل حي سكني.

فقررت دعم هذا النشاط في أول عام بمبلغ ٥٠ ألف جنيه كذلك اتفقت مثلاً مع الفنان الكبير يحيي الفخراني علي إقامة حفلة لمسرحه الساعة السادسة مساء بدلاً من الثامنة مساء لتناسب ظروف وحياة الطالبات تحديداً.

بدأت في إقامة حفلات غنائية بمسرح قبة الجامعة فمثلا محمد منير حضر إلي الجامعة والأمن كان متحفظاً تماماً نظراً لارتفاع عدد الطلاب الذين سيحضرون إلي الحفل فالقاعة تستوعب ٥ آلاف شخص وصل عدد من بداخلها أضعاف هذا العدد، وتكرر الأمر مع الفنانة المطربة آمال ماهر وهي أول مطربة تدخل إلي حرم جامعة القاهرة منذ منتصف الثمانينيات وحضرها الآلاف من الطلاب وكانت ترتدي الملابس السواريه ولم يحدث شيء على الإطلاق.

• ألم تخش من حدوث افتعال لأزمات من مثل هذا العدد الكبير؟

كانت هناك تحذيرات وخوف من الأمن حتي أنني وقعت علي ورقة بأنني المسئولية عن هذه الحفلات الغنائية ولو كان حدث شيء لكنت ذهبت إلي المحكمة ولكن كان عندي إيمان وثقة في الطلاب لأن الطالب المتطرف جبان ولا يمكن أن يظهر في مثل هذه الحشود الكبيرة فنحن نضخم قوتهم جداً.

فالاصلاح الجامعى ليس صعبا بل سهل لكنه يحتاج صاحب قرار لا يتردد ولا يتراجع، ومشكلتنا في مصر هي اتخاذ القرار والدفاع عنه فنحن اتخذنا قراراً بضرورة مواجهة التطرف وعزل هؤلاء عن المحيط العام للطلاب وبالتالي كان ضرورياً أن نضع الخطة ولا نتراجع عنها بل وندافع عنها.

ولذلك حدثني اللواء أحمد حجازي مدير الأمن بالجيزة ليشكرني بعد ذلك عما حدث والانضباط الموجود.

• من أهم قراراتك بل لعلي أقول إنك الوحيد في رؤساء الجامعات الذي اتخذت قراراً بمنع النقاب وهو زي سياسي وليس دينياً.

ما تقولينه صحيح تماماً لأن زي النقاب يستخدم من قبل تيار سياسي للتعبير عن وجودهم وقوتهم علي الأرض بمعني وجهة نظر محددة لتيار سياسي لأن النقاب كما قال كثير من العلماء ليس فرضا وإنما هو لتسويق نمط محدد يريدونه للمرأة وإلا كيف نفسر مثلا ارتداءه داخل قاعات الدرس لأطفال الحضانه فالهدف واضح هو أن يألف الأطفال مشاهدة المرأة المدرسة بهذا الزي، وبالتالي يترسخ ذلك في عقله ويطلب من والدته وأخته بعد ذلك ارتداءه وإلا أصبحوا كافرين وهكذا.

وهنا درست المسألة وقررت منع التدريس بالنقاب من جانب هيئة التدريس.

• وكيف ترى الأوضاع داخل الجامعة الآن، هل هناك التزام بعدم ارتدائه ؟

بالفعل هناك التزام كبير من جانب أعضاء هيئة التدريس بتنفيذ القرار ووصلت النسبة إلى ٩٠٪ كان لدينا ١٠٨ منتقبات من عضوات هيئات التدريس، بل سوف أوضح تأثير قرار منع نقاب هيئة التدريس على الطالبات، ففى العام الأول الذى توليت فيه المسئولية كان مايقرب من ٦٠٪ من طالبات الجامعة يرتدين زى أقرب إلى الشادو الإيرانى .. الآن أدعوكم إلى جولة بالحرم الجامعى ستجدون أن هذا الزى يكاد يختفى نهائياً وأصبح الموجود هو زى الطالبة العادى وهذا ليس كلاماً مرسلا وإنما هو نتيجة دراسة تم رصدها عن عدد الطالبات بالنقاب أيام الامتحانات .

• لماذا لم تطرح هذه التجربة داخل المجلس الأعلى للجامعات والمفتـــرض أن يحــــدث بل العكس ما حدث وتم مهاجمتك حتى من زملائك؟

هذا السؤال يوجه للمسئولين فى المجلس الأعلى للجامعات ، أنا اتخذت القرار الذى يفرضه علىّ منصبى ووفقاً لسلطاتى وليس لى علاقة بالآخرين.

• قضية التنوير كانت أحد المحاور الرئيسية فى برنامجك وكان أهمها هو القراءة بحانب الفنون وكانت دار الهلال شاهدة على ذلك .

بالفعل القراءة كانت محورية فى برنامج الإصلاح لأن القراءة توسع عالم العقل والفكر والخيال للطالب بجعله يتعرف ويسبح فى أزمنة وأفكار أخرى ولذلك كنت حريصاً للغاية على الاهتمام بتوفير الكتب للطلاب بالمجان للقراءة والاطلاع والاستعارة فكانت تجربة إنشاء دوار القراءة وهذه نقطة هامة جدا بعيدا عن المكتبة الجامعية أو الكتاب المقرر، وهو ما يعرفه فقط ، الآن فتعاقدت مع مؤسسات نشر الكتب ووفرنا عناوين كثيرة للطلاب للقراءة وعملنا حافزا لهم أيضا فمثلا من يستعير ثلاثة كتب، سوف يحصل على الرابع هدية مجانية يحتفظ به، ووفرنا فى دوار القراءة الذى يعمل طوال العام وحتى فى الإجازة الصيفية ، كما أوجدنا فى الدوار أيضا ورشا للرسم وللموسيقى وللجيتار والعود. إذن ربطنا القراءة أيضا بإتاحة الفرص أمام الطلاب لممارسة الأنشطة وتعلم فنون ، قد يكون الطالب له ميول لها ولا يجد الفرصة أو الأموال لممارستها .. هذه أشياء وفرناها للطالب الحصول عليها ومن المتخصصين .

• دائما ما تذكر أن أول يوم لك فى تسلم الجامعة وجدت الدائنين على الباب كيف ذلك؟

بالفعل هذا ما حدث بل أذكره كأنه اليوم، فقد توجهت للجامعة الساعة الثامنة صباحاً وبعد ساعات وجدت الموظف داخل علىّ بكشوفات وأوراق ووجدت أن الجامعة التى تسلمتها فى نفس اليوم خاوية بشكل تام وأنها تعانى من أزمة مالية طاحنة حتى إن العجز الشديد بالميزانية لا يغطى احتياجات الجامعة اليومية والعاجلة وكل صناديق الجامعة خالية وليس بها جنيه واحد ، وكان اليوم التالى لى بعد التسلم هو إجازة خميس وجمعة أخذت ملفات الجامعة معى لكى أدرس كيف يتم الإصلاح المالى وهو دائماً مرتبط بالإصلاح الإدارى، هنا بدأت أضع الخطة للإصلاح ولأن هناك دائماً دعوة لى من والدتى كما أقول عندنا عن مبلغ مالى مركون بالعملة الصعبة، مبلغ كان «منسى» تماما وهو حوالى ما يقرب من «مليون دولار» ومن هنا بدأت قصة الإصلاح .

• ما هى هذه القصة ؟

الإصلاح بدأ بمواجهة الأنماط الفاسدة والتى كان يترتب عليها إهدار المال العام ، فمثلاً وجدت إن المدوّن بالأوراق هو أن المرتب للبعض عدة آلاف ولكن فى الواقع وجدت كشوفاً أخرى أن المكافآت الشهرية التى يتقاضاها البعض تتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات، هذا كله تم إلغاؤه تماماً، وكذلك أيضا المكافآت التى كانت تصرف للجميع بدون استثناء ولا أعرف كيف تسمى مكافآت وأيضا وجدت مكافآت متكررة لنفس العمل ووجدت مسميات كثيرة جدا والمكافآت تصرف دون ضوابط ، كل هذه الخطوات التى تمت فى البداية جعلتنا الآن وبعد أربع سنوات نحقق فائضا ماليا للجامعة وتمويلا ذاتيا فى أكثر من مشروع بل إن موازنة الجامعة فى البنوك الآن تقترب من ٢ مليار جنيه والمبلغ يزيد كل ثلاثة أشهر من فوائد المبلغ، وهذا التوفير مثلا جعلنا فى الجامعة نرصد مبلغ مليار جنيه لإنشاء الفرع الدولى للجامعة وكنت أتمنى أن أضع حجر أساس هذا المشروع الهام لمصر وللجامعة .

• ولماذا توقف المشروع؟

المشروع موجود وتقدمنا بكل الأوراق والرسومات لإنشائه ودفعنا ما علينا من ثمن الأرض وغيره ولكن للأسف لا أعلم لماذا تأخر إذن البناء لفترة طويلة.. ورصدنا له كما قلت مليار جنيه لإنشاء المرحلة الأولى ، ولكن أخشى مع تقليص موازنة الجامعات هذا العام أن يتم استخدام المبلغ المرصود لبناء الفرع الدولى لأن موازنة الجامعات انخفضت فى العام الجديد ولذلك ستواجه الجامعات موقفاً مالياً صعباً ويصبح فى بعض الأحيان الاعتماد على التمويل الذاتى لمشروعات الجامعة هو الأكثر اعتماداً فى تغطية مصروفات الجامعة وبعض الجامعات لديها تمويل ذاتى ولكن البعض الآخر لا يوجد له تمويل ذاتى كبير .

• عرفنا أنه كانت هناك مبالغ مالية كبيرة يحصل عليها رئيس الجامعة والنواب وغيرهم ؟

من المفارقات التى حدثت عندما توليت المسئولية أننى وجدت أحد الموظفين يأتى لى بعد أيام عمل قليلة وكان الدائنون على الأبواب وحينما فتح الشنطة وجدت بها مبالغ مالية كبيرة جدا وقال إنها مكافأة لى كرئيس للجامعة طبقا لما كان معمولاً به، فرئيس الجامعة كان يحصل على ٤ جنيهات عن كل تسجيل لطالب التعليم المفتوح ونسبة أيضا لنواب رئيس الجامعة وهكذا وبالتالى تصل مكافآت رئيس الجامعة إلى مبلغ خرافى جداً ، بينما أنا بحثت عن أموال التعليم المفتوح لأصرف بها على الجامعة فوجدت الخزانة ليس بها أموال وكلها كانت تذهب للمسئولين ، وهذا الأمر أوقفته تماما وألغيت العمل به، كما أننى تنازلت أيضاً عن مكافآت لى وعن غيرها لأن المسئول لابد أن يكون قدوة فى العمل .

• التهمة التى رددها البعض لتجربة جامعة القاهرة هى أن الاهتمام بمواجهة التطرف ونشر التنوير والإصلاح المالى والإدارى على حساب الإصلاح التعليمى ؟

.. بالفعل البعض يروج لهذا وخاصة من جانب التيار المتطرف أو من أضير من الإصلاح المالى ، ولكن لغة الأرقام والشهادات العالمية هى الكفيل للرد عليهم فمثلا فى التصنيف العالمى الأخير لترتيب جودة التعليم دخلت جامعة القاهرة فى التصنيف QS الإنجليزى لأفضل ٥٠٠ جامعة على مستوى العالم وكانت قبل ذلك خارج ترتيب أفضل ٥٠٠ جامعة .

وفى التصنيف الصينى «شنجهاى» وهو من أشهر التصنيفات للجامعات فى العالم مازلنا فى أفضل ٥٠٠ جامعة بل إنهم هذا العام أقروا فى التصنيفات الدولية فى المقدمة للتصنيف صفحتين لجامعة القاهرة وللإصلاح الذى حدث فيها وتقدمها فى التصنيف رغم كل الظروف التى تمر بها مصر ورغم أن الجامعة تضم على ما يقرب من ربع مليون طالب و٢٥ كلية ومعهد تعليمى والآلاف من أعضاء هيئات التدريس والإداريين وأكثر من ١٣ مؤسسة طبية وهى جامعة تكاد تنفرد عالمياً بهذه الأعداد الضخمة داخل الحرم الجامعى مما يعنى أنهم درسوا بعناية تجرية الإصلاح بعناية ودقة وأعطوا جامعة القاهرة حقها .

ليس هذا فقط بل على أن أفتخر بزملائى من أعضاء هيئات التدريس الذين ساعدوا الجامعة بالنشر الدولى فنسبة جامعة القاهرة فى النشر الدولى من مصر تمثل نسبة ٢٠٪ من النشر المصرى الذى ينشر عالميا وهذا يحفز على حسن الأداء وتحسين المستوى العلمى والتصنيف الدولى والتدريب لذلك رفعنا نسبة تمويل الجامعة فى نشر الأبحاث العالمية دولياً وقررنا تتكفل بها الجامعة وليس عضو هيئة التدريس .

• فى سابقة أولى ولأول مرة يخصص جائزة وإنشاء أستاذ كرسى فى مجال علوم الرياضيات وهى إحدى المواد الأساسية لإنتاج البحث العلمى؟

بالفعل هذا حدث من الجامعة خلال الشهور الماضية ، فللأسف خسرت مصر منذ شهور قليلة عالماً كبيراً فى مجــــال علـــم الرياضيـــــــات هـــــو د. عاشور، وبدلا من تكريمه من خلال حفل تأبين قررنا فى الجامعة إنشاء منصب أستاذ كرسى بل وجوائز للنشر العلمى فى مجال الرياضيات وهو علم للأسف أصبحنا لا نهتم به كثيراً الآن فى مصر ويهرب منه الطلاب، رغم أن الرياضيات هى إحدى المواد الأساسية لأى تقدم وإنتاج بحث علمى حقيقى فخصصت الجامعة مليون جنيه فى هذا الشأن .

هذا يضاف إلى نقطة هامة أخرى هى أننا رصدنا حوالى ٤٠ مليون جنيه خلال هذه الفترة لتجديد معامل كلية العلوم وهى التى كانت مهملة منذ عقود وليس سنوات فقط .

• وماذا عن الطلاب وتطوير التعليم نفسه أو العملية التعليمية؟

قبل أن أتحدث عن الملف الطلابى أوضح أننا أول من طبقنا نظام «البابل شيت» فى الامتحانات قبل تجربة البوكليت وذلك من أجل تطوير نظام الامتحان وحاربنا مافيا بين السرايات والمذكرات الجامعية وطورنا نظام الامتحان نفسه .

أما بالنسبة للطلاب فأهم شىء وضعته فى ذهنى أن المقصود بالإصلاح أو المستهدف منه وعلى رأسهم الطلاب والشباب فقد فتحت بابى ومكتبى وعقلى للاستماع للشباب لأننا نتحدث كثيرا عن الشباب ولكن لا نستمع لهم وهذا هو ما فعلته أيضاً لأول مرة سيدخل كل الطلاب فى جامعة القــاهـــــرة متســـــاويـــين بمعنـــى أنه لا يوجد طالب واحد نتيجته محجوبة نظرا لعدم سداد المصروفات، فالجامعة قامت بسداد كل المصروفات عن كل الطلاب بدون الحاجة إلى بحث اجتماعى أو غيره وهو الذى كان يؤثر على نفسية الكثيرين من الطلاب ، ورفعنا الدعم للطلاب بعد تعويم الجنيه فوراً وفى نفس اليوم من حوالى ٧ ملايين جنيه إلى ٣٠ مليون جنيه، وذلك للشريحة الطلابية التى لاتنطبق عليها شروط صندوق الدعم الاجتماعى وهذا التمويل حصلت عليه من البنوك المصرية وغيرها • هل أنت مع إلغاء وزارة التعليم العالى؟

نعم صرحت بذلك لأن الجامعات وفق القانون والدستور مستقلة تماما ورئيس الجامعة مستقل وله حرية كبيرة فى العمل واتخاذ القرار بينما وزير التعليم العالى ليس له مثل هذه السلطة ومهمته هى التنسيق وتمثيل الجامعات أمام المجلس النيابى .

• بعد أربع سنوات هل مازالت تؤيد نظام الانتخاب للقيادات الجامعية؟

• د. جابر نصار : بالفعل مازلت أرى أن نظام الانتخاب أو اختيار القيادات الجامعية وفق ضوابط من مجمع انتخابى كبير يمثل كل الكليات التى تضمها الجامعة ولولا هذا القانون المتاح فى ذلك الوقت لما فكرت فى التقدم للترشيح على منصب رئيس الجامعة، لإ فى ذلك الوقت جلست مع مجموعة عمل ووضعنا برنامجاً قابلاً للتنفيذ وهو ما التزمت به طوال مدة عملى ، وتحاورت مع الأساتذة وذهبت إليهم وبعضهم لم يكن يعرفنى سابقاً لأنى لم أكن قيادة سابقة بالمناصب الكبرى بالجامعة ولكنهم أقتنعوا بالبرنامج وإمكانية تنفيذه على الأرض، ولذلك فزت بالمنصب فى التصويت الذى يجري، ولكن الآن أصبح القانون الموجود مقيداً جدا فى الاختيار وأقترح تغييره لأنه على أرض الواقع أفرز مشاكل حقيقية فى العمل .

• أخيراً لأول مرة يتفق عدد من صحفيى التعليم وعلى رأسهم الشباب على تكريمك بشكل شخصى كيف وجدت هذه اللافتة؟

- د. جابر نصار : كانت مفاجأة سارة للغاية تكريمكم لى خاصة أننى ألتقى بكم كثيرا ولم أغلق يوماً بابى معكم أو حتى موعد مسبق، وللحقيقة هذه اللافتة منكم كصحفيين أسعدتنى للغاية لأننى لم أكن أتخيل أبداً هذه اللافتــــة منكـــم هى من أعظــــــــم ما حصلت عليه بعد ٤ سنوات من العمل فشكراً لكم .