الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

حديث النفس.. المسرحية التافهة!

  • 4-8-2022 | 15:29
طباعة

على خشبة المسرح الناس تتحرك هنا وهناك فى همة ونشاط أو حتى فى عجز وتكاسل.. مشاهد تمثيلية ارتدى أصحابها عباءات أدوارها.. يتلون نصوصا مكتوبة أو حتى أدوارا صامتة مفهومة.. تخلع عليها خيالاتك وأحساسيك وربما أمانيك المقتولة.. تتابع.. تتفاعل لتكمل نواقصها.. فتؤدى دورا تمثيليا فى صمت تدير حوارا معه من ذاتك.. فى لوحات العمر مشاهد اغتراب وغربة ووقوع متكرر بين متناقضات الأمور.. لحظات فراغ وشتات هدف وعجز واضطراب.. لا أدرى ما أراه من سعادة وحزن فى قصص أكانت حقيقية أم أننى أسقط هذا الحزن أو تلك السعادة من ذاتى؟! .. ما زالت مأخوذة مشدوهة بمشاهد تافهة متعقبة إياها.. باكية على أحوالها.. مطلقة ضحكات السخرية ناسية أنها المسرحية التافهة!! .. نجلس فى مقاعد المشاهدين ونشاغل أنفسنا بتوافه الأمور فى فاعلية.. ونتساءل لماذا أيها الحمقى علينا متابعة تحركاتكم؟! حاملين داخلنا هلوسات تغيبنا عن الواقع فى ألوان تمثيلية تضيع معها ملامح الأشياء وموازين الأمور بزيف من الأوهام والأحلام.. ولسان حال الجميع لعنة الزمن تغالبنا.. فلنسقط جميعا فلم يعد أحد بانيا للمجد قمم!!.

ما بالنا نرقب بعضنا البعض بحماس يغلب قوانا.. بنظرات تعبر مدانا.. مجالسنا معتمة.. يكسوها الكذب والزيف.. وإذا اجتمعنا غلبنا الكيد والتنكيل.. رسالات هشة تتصارع وتتبدل فى خوف وحيرة.. لنشاهد الحياة بكامل تفاصيلها وثقلها على مسرح الحياة ما بين مزاج فرح وحزن.. نقبل عليها ونحن نعلم نقائصها.. نتحور ونتحايل عليها لتقبلنا.. ثابتة لا تغير أى محاولات من طبعها الثابت.. باتت فيها الحقيقة مستحيلة، ليصبح لزاماً علينا إدراك ما هو كائن.. فيها الأماكن والأزمان لا تروقنا.. فنداعب الواقع بتخيل حياة أفضل.. فرضت علينا الأحداث أدوارًا نؤديها مضطرين للتفاعل والتعامل معها.. لكن نصوصها لم تكتب على حين غرة فهى دفتر أحوال أخطائنا، لتصبح أدوارنا صاحبة أرواح مستنزفة.. حديثها بارد لأداء تمثيلى مبتذل.. المشاعر فيه مفتعلة تكسوها ابتسامات الرياء.. كل شيء ينقصه شيء هو حقيقته.. الكل يرقب المسرحية فى واقع أليم نسميه القدر.. نتابع فيه خيالنا المريض وحقائق مجردة باحثين عنها رغم إخفائها.. أو حتى قبول واقع نعلم أنه مريض خال من الأمل.. ولسان حال الجميع عن ماذا نبحث؟! عن كلمة النهاية؟! نعم مهما كانت سعيدة أم حزينة أو حتى مفتوحة نطلق عنان أفكارنا لتصورها.. وما الغريب فى هذا؟! فالأمر خيالى على طول المدى فى دنيا لا يدوم عمارها لأحداث تتلاشى مع تباعد السنين.

الكل يصعد على خشبة المسرح كارها أو حتى طائعا.. يؤدى أدوارا فجائية لا تعطى إشارة مسبقة لأحوالها.. فيها نحب المكان أو حتى نكرهه.. قد نفضل مقاعدا معينة فى مواقع المشاهدة والمتابعة لاختلاس المزيد من النظر لمتابعة آلاف النصوص كتبت لنا ولغيرنا فى حكايات الحب والهجر والغدر والقتل والنصب وغيرها.. عقولنا دائما قاصرة لا تستوعب فنونها فى رحلات تنطلق دائما.. فيها معلقين بين أولها و آخرها، لكننا نتعقب الراحة الواهمة فى أحوالها التى قد توصلنا للهلاك قبلها.. نتعالى على الأحداث ونخلق من أنفسنا نقادا ونظارا على غيرنا لنختبئ من عيوبنا فنتفنن فى المبالغة فى السخرية من أوجاعنا ومن غيرنا ولسان حالنا لسنا وحدنا.. ثم نعود ونشكو من خيباتنا.. لتعلو شكوى الخيبات فى نصوص مكررة.. نلوم فيها كل شيء حتى خطواتنا التى أوصلتنا كى نصعد خشبة المسرح أو أجلستنا فى صفوف المشاهدين نتعاطف أو حتى نمقت أدوار الوهم والكذب.. الكل ضحية لنصوص تافهة وحجته أنه لم يجد الأفضل.. معروض راكد غير مهم، لكننا من سعينا إليه فى زمن التفاهة والهيافة.. كلنا فيه ماضون حمقى مصفقون لأنفسنا ولغيرنا!!.

نصنت للنص ونسرح بفكرنا.. قد نحلم أن نرى الحق من مكان آخر فى صباح آخر.. مع أناس أخرى أو حتى زمان آخر.. ربما نحيا مع ذكريات تكون لنا النعيم فنلتقط زهرة الربيع التى تعيننا على كآبة الأيام.. نريد أن نرى الكثير.. ويجذبنا الغريب هروبا من رتابة المشاهدة وسطوة النمطية.. فيجذبنا المثير حتى ولوكان مؤلمًا فى حكايات نتخيلها قد تكون نصفها واقع والآخر أحلام وأمانى مستحيلة ملأت نفوسنا وسط خلجات حبيسة ودموع عنيدة.

ولا يمنع ذلك أن تكون العروض أمسيات مضحكة.. ولكن على ماذا نضحك؟!.. على أنفسنا التى نراها تتحرك أمامنا فى شخوص غيرنا فى أداء مضحك مبكٍ!!.. أو حتى فى نصوص مبكية لتكمن شر البلية فى حديث الأيام.. فنذهب جميعا لعروض بقصد التنفيس ومحاولة استيعاب أحزاننا.. يا لها من فكرة بائسة، لكننا نمر بها جميعا فيها نشبه كل شيء بما يدور داخلنا.. نتابع عروضا وعروضا لنهرب من شر المواجهة مع أنفسنا.. ورغم ذلك قد تكتمل تلك العروص مع أنفسنا حد الاختناق، فكلما اختلينا بأنفسنا تصعد أنفاسنا للسماء فى محاولات ربما تمنحنا إجابة لأسئلة حيرتنا.. وربما تكون دعوى للنسيان ولو لمدة قصيرة فيها جميعا نتلهف على كلمة النهاية.

ويبقى لنا سؤال يحتل أذهاننا لماذا كل الحكايات المعروضة مليئة بقصص الفراق والألم والخسارات.. لماذا نتوحد مع مآسى غيرنا.. فنعيشها مع أنفسنا ومع ممثلين آخرين تحت وطأة الخوف منها.. ولماذا رغم كل هذا نعشق الإنصات فى متابعتها؟!.. ألسنا جميعا مشوهين تحركنا الغرابة؟

فتصبح العروض المسرحية معنا متاهة نتاج تجارب موجعة قد نضيع داخلها وقد نعجز عن الخروج منها.. لماذا كل متابعاتنا وأدوارنا الناجحة تراجيدية مبكية تزداد الحفاوة بها كلما تألمنا وسمعنا أصوات أنفسنا فى نحيب يعبر عما نشعر به؟!.. لماذا لا نلتمس الجميل فى إبداع حكايات غيرنا فنخلق ممرا يغيرنا للأفضل فى تعاطى أسهل وأروع مع حياة حتما مقضية؟!.. لماذا لا نكف عن التذمر من أحوال الزمان وإنكار أوجاعه؟!.. لماذا لا نرى غير صور باهتة فى عروض جديدة لأناس جدد تغلب عليها ذكرانا فتزاحمنا ذكريات غير عائدة.. لماذا نعشق تلك العروض التى نحكى فيها حكايات أحلام هربت ولم نعد نحن أصحابها بعدما تغيرنا وكبرنا وداهمنا العجز والشيخوخة.. لماذا نحن على المزاحمة لأماكن المشاهدة مصرون؟!.. وللأدوار الكاذبة مصفقون.. وللهاث وراءها عاشقون.. ما بالنا غير مكترثين نعلم أن الزمان يخرج لسانه ساخرا منا ورغم ذلك نعشق العيش فى لحظات المراوغة!!.

مسرح الحياة أبوابه مفتوحة للجميع.. النصوص معدة ومكتوبة مسبقا نزعم أن القدر ناسخها وحدد لنا أدوارنا.. أدوار فى تناقض تام بين قناعاتنا وسلوكنا الممارس بحكم فرضية الانتماء وجدلية القطيع.. السواد الأكبر يحيا عبثية التناقض بين الحقائق المغلوطة فى أدوار معكوسة من مرايا الواقع.. فيها قد يكون العرض فانتازيا يتناول واقعا من زاوية رمزية أو قد يكون بهلوانيا معد بدقة وإتقان، تفاديًا لفوضى عارمة تنذر بكوارث.

فالعروض المسرحية قصة حياتنا ورحلة أعمارنا.. نكون فيها الموضوع والبطل والكل يدور حولنا أو قد لا يكون.. فتصبح قصصا لجموع بغير ملامح تغلب عليها الأحداث وتحرك الجميع دون الاكتراث بأحوالهم.. فى حكايات تختفى وأخرى تظهر فى سياق الحياة.. أحيانا تلعب المصادفة دورها.. فيصبح البطل كومبارس أو العكس عن جدارة أو ضربة حظ.. لكنها كلها أدوار فى سبيلها للرحيل والزوال.. نعبر فيها عن ألم الواقع ونواقصه والانتقال من النقيض للنقيض ومن الوهم للحقيقة والعكس.. القيمة فيها مهما علت محدودة.. ننفق أموالنا وأعمارنا ثمنًا لتذكرة حضور عروض قد تعبر عن منتصرين أو خاسرين فى معارك الحياة.. تصاغ الدراما فيها بأقلام تصرفاتنا فى أحداث مختلفة أو حتى فى صورة أمنيات خارجة عن التنفيذ.. لنصوص قابلة للموت والحياة.. فيها يمر الزمان فنتبدل وتزداد مسحة الحزن ونفقد نفوسنا البريئة.. ونصبح أكثر تقبلا لحالة الصمت مع اندثار لحظات الحب والسعادة.. فنحيا صورًا تعكس ذاكرة الحزن على مرآة الواقع.. فيها يدفعنا الوهم دائما للانبهار بمشاهد وأدوار مكررة نمطية أو حتى مبتذلة!

أخبار الساعة

الاكثر قراءة