الثلاثاء 3 ديسمبر 2024

مقالات

الرحلة العاطرة


  • 8-8-2022 | 20:05

د. أحمد عامر

طباعة
  • د. أحمد عامر

إن رحلة العائلة المقدسة مصر تحمل أهمية تاريخية ودينية كبيرة لدى المصريين، كما أنها تعد من التراث الديني العالمي الذي تتفرد به مصر عن سائر بلدان العالم، وبفضلها تبوأت الكنيسة القبطية المصرية مكانة دينية خاصة بين الكنائس المسيحية في العالم، لارتباطها بهذه الرحلة المباركة لأرض مصر الغالية على مدار أكثر من ثلاثة أعوام ونصف، باركت خلالها العائلة أكثر من خمسة وعشرون بقعة في ربوع مصر المختلفة تحمل ذكراهم العطرة حيث تنقلت بين جنباتها من ساحل سيناء شرقًا إلى دلتا النيل حتى وصلت إلى أقاصي صعيد مصر، ويُعد مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة إلى مصر مشروعًا قوميًا باعتباره محورًا عمرانيًا تنمويًا يقوده قطاع السياحة ويؤدي إلى تنمية هذا المحور إلى تنمية المجتمعات المحيطة بطول المسار، ويمتد مسار رحلة العائلة المقدسة لمسافة ثلاثة الآف وخمسائة ذهابا وعودة من سيناء حتى أسيوط، حيث يحوي كل موقع حلت به العائلة مجموعة من الآثار في صورة كنائس أو أديرة أو آبار مياه ومجموعة من الأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع وفقا لما أقرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، ويذكر إنجيل متى أن ملاك الرب ظهر ليوسف النجار فى الحلم وقال له "قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، فقام وأخذ الصبى وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، حيث كان الحاكم هيرودس مزمعًا على قتل المسيح". 

كما قام المجلس الأعلى للآثار بترميم جميع المواقع الأثرية التي تقع على المسار، وافتتاح العديد من المواقع والكنائس والأديرة الأثرية عليه، منها الكنيسة المعلقة بمصر القديمة، كما تم الانتهاء من ترميم كنيسة العذراء مريم والشهيد أبانوب بسمنود، وافتتاح مغارة وكنيسة أبي سرجة بمصر القديمة، بالإضافة إلى ترميم أجزاء من أديرة وادي النطرون الأربعة وجاري ترميم وتأهيل كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير بالمنيا، ومشروع تطوير موقع شجرة مريم بالمطرية، هذا بالإضافة إلى إصدار كتالوج بالغتين العربية والإنجليزية لتوثيق مسار العائلة المقدسة والمواقع الأثرية التي مرت عليها الرحلة، وقد بدأت من بيت لحم إلى وادى النيل، وقطعت العائلة المقدسة رحلتها الشاقة التى اجتازت بها برارى ووديانًا وجبالًا وصحارى وعرة واستمرت قرابة ثلاث سنوات، تركت فيها العائلة مزارات دينية وسياحية ومعجزات مثل تفجر ينابيع المياه وانحناء شجرة مريم بالمطرية كى تظللهم، وشجرة العابد تحية للمسيح، فقد سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق الفلوسيات غرب العريش بـسبعة وثلاثين كيلومترا، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهة الفرما "بلوزيوم"، ثم اتجهت العائلة إلى تل بسطة، وتوجهت العائلة إلى الجنوب إلى مسطرد ومعناها المحمة، أى المكان الذى استحم به الطفل يسوع، وهناك أقامت العائلة بضعة أسابيع، كما مرت العائلة على مدينة بلبيس.

ونجد أن العائلة شدت الرحال عبر النيل إلى مدينة "دب نتر" أى هيكل الله، وهى مدينة سمنود الحالية وهناك أقامت أسبوعين، ووصلت العائلة عن طريق النيل إلى مدينة سخا، وهناك شعرت العائلة المقدسة بالعطش ولم يجدوا ماء، وكان هناك حجر عبارة عن قاعدة عمود أوقفت العذراء ابنها عليه فغاصت فى الحجر مشطا قدميه فانطبع أثرهما عليه، ونبع من الحجر ماء ارتووا منه، وكانت المنطقة تعرف باسم "بيخا إيسوس" الذى معناه كعب يسوع، وقد توجهت العائلة إلى "وادى شيهات" أو "برى شيهت" والتى تعنى ميزان القلوب والمعروف الآن بوادى النطرون بالصحراء الغربية، ثم تمر على منطقة نبع الحمراء، لتتجه جنوبا إلى مدينة القاهرة وتعبر النيل إلى المطرية وعين شمس والتى كانت تسمى بـ "أون"، حيث تعتبر شجرة مريم أو الشجرة العجائبية من أهم المعالم السياحية.

وقد وصلت العائلة المقدسة إلى منطقة حصن بابليون فى مصر القديمة واستمرت أسبوعًا واحدًا، وقد وصلت العائلة المقدسة إلى منطقة مصر القديمة والتي تعتبر من أهم المناطق التي حلت بها العائلة المقدسة في رحلتها إلى أرض مصر، حيث يوجد بها العديد من الكنائس والأديرة، ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا أياما قلائل، نظرًا لتحطم الأوثان فأثار ذل والي الفسطاط فأراد قتل الصبي يسوع وكنيسة القديس سرجيوس "أبو سرجة" بها الكهف المغارة التي لجأت إليها العائلة المقدسة، وتعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة، وقد اتجهت إلى المنطقة المعروفة بالمعادى وقد ارتحلت العائلة المقدسة في نهر النيل بمركب شراعي صغير باتجاه الجنوب نحو الصعيد، ثم توجهت جنوبا إلى قرية أشنين النصارى مركز مغاغة، ثم بعد ذلك عبرت العائلة المقدسة النيل إلى المكان المعروف بمدينة "منف" وهى الآن ميت رهينة، ومنها إلى جنوب الصعيد عن طريق النيل، ووصلت إلى منطقة دير الجرنوس ثم البهنسا والتى أقامت فيها أربعة أيام، وسارت ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنها عبرت النيل ناحية الشرق إلى جبل الطير، ويوجد بالمنطقة شجرة يطلق عليها اسم شجرة العابد، وبعد أن ارتحلت عبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية حيث بلدة الأشمونين، وسارت جنوبا إلى قرية ديروط الشريف وأقامت العائلة المقدسة بها عدة أيام، ثم توجهت إلى القوصية ومرت بقرية مير.

اتجهت العائلة إلى جبل قسقام وهو يعتبر من أهم محطات الرحلة، التى أقيم فيها دير المحرق حيث قضت العائلة فى هذا المكان أطول الفترات بما يزيد على ستة أشهر، وتعتبر الغرفة أو المغارة التى سكنتها العائلة هى أول كنيسة فى مصر بل فى العالم كله، ويعتبر مذبح كنيسة العذراء الأثرية فى وسط أرض مصر وعليه ينطبق حرفياً قول الله على لسان نبيه أشعياء "وفى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر"، وفى نفس المكان ظهر ملاك الرب ليوسف النجار فى حلم وأمره بالذهاب إلى أرض إسرائيل، ارتحلت العائلة المقدسة من جبل قسقام جنوباً إلى أن وصلت إلى جبل أسيوط حيث يوجد دير درنكة وتوجد مغارة قديمة منحوتة فى الجبل أقامت العائلة المقدسة بداخل المغارة ويعتبر دير درنكة هو آخر المحطات التى التجأت إليها العائلة المقدسة فى رحلتها فى مصر، ثم وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة فى قرية الناصرة بالجليل، وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيًا على الأقدام محتملين العناء ومشقة السير، وحرارة الصيف وبرد الشتاء القارس ليلًا والجوع والعطش، ومطاردة الرومان في كل مكان، فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكلمة، تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه السيدة العذراء والقديس يوسف البار.

كم هي كريمة أرض مصر، وعظيمة ومباركة أرضها برعاية الله سبحانه وتعالى بكتبه السماوية، وذكره لها في القرآن والإنجيل "مبارك شعبي مصر" من "أشعياء 25:19"، وفي القرآن الكريم "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" من سورة "البقرة الآيه 61"، "واهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم" من "سورة يوسف الآية 99" من القرآن الكريم.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة