تحددت مشكلة الدراسة المهمة التى أعدتها د. أمل يوسف خطاب الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة بها فى سعيها إلى رصد وتحليل سمات الانشطة والممارسات الاتصالية للصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك من خلال دراسة وتحليل عدة متغيرات تشمل الموضوعات التى تناولتها بالتغطية والتحليل واشكال عرض المحتوى المقدم ودلالتها وخصائص وأنماط المصادر التى اعتمدت عليها الصفحات واتجاهاتها وانماط التفاعل بين الصفحات والجمهور بما يوضح ويحلل ويفسر الكيفية التى تناولت بها الصفحات مجريات الامور وتطوراتها وقدر الاهتمام الذى اولته الصفحات للحدث وذلك بهدف تحليل الاداء الاتصالى للصفحات واستخلاص دلائل وآليات واهداف توظيف هذا الاداء بهدف تحديد السمات العامة لمحددات التعامل مع الكارثة التى واجهتها وزارة الصحة -كمؤسسة رسمية من مؤسسات الدولة المصرية – من خلال إدارة خطة اتصالية عبر صفحاتها الرسمية فى فترة استثنائية تمر بها البلاد والعالم أجمع.
ونبدأ فى هذا المقال عرض نتائج الدراسة التحليلية للصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية بما يوضح مباشرة الاجابة عن تساؤلات الدراسة، حيث اتضح من الدراسة أن عدد الموضوعات المنشورة على صفحات وزارة الصحة الرسمية بموقع فيس بوك حول فيروس كرونا المستجد وتداعياته قد بلغ (2400) موضوعاً أصيلاً (غير مكرر) فى صفحة الوزارة الرسمية، و1800 موضوعاً اصيلاً على صفحة المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة، توزعت بنسب متفاوتة على 22 فئة للمضمون، وجاء فى الترتيب الاول منها الموضوعات التى عبرت عن أرقام الإصابات والوفيات وكل الإحصائيات اليومية الخاصة بالفيروس، بلغ عددها 420 منشوراً من إجمالى الموضوعات المنشورة حول الفيروس بنسبة 17.5% فى صفحة الوزارة ونسبة 23.5% فى صفحة المتحدث الرسمي.
وقد تمثل مضمون هذه المنشورات في: محتوى المؤتمر الصحفى الذى دأبت على عقده وزيرة الصحة يومياً منذ الخامس والعشرين من فبراير 2020 وكان يُنشر على الصفحة فى شكل نص مرفق معه فيديو، والذى تحول فى 3 مارس إلى مؤتمر افتراضى يُعقد من خلال تطبيقات الانترنت منذ صدور قرار مجلس الوزراء المصرى بمنع الاجتماعات والتجمعات، وذلك للإعلان عن الإحصائية اليومية التى تشمل عدد المتعافين وعدد الإصابات الجديدة والوفيات، ثم اتجهت الصفحات بعد ذلك بدءاً من 16 مارس فى نشر مضمون المؤتمر فى شكل إنفوجراف يومى يكتفى بتسجيل الأرقام الدالة على اعداد المتعافين والاصابات والوفيات إبّان الكارثة. ولم تتخطى هذه الإحصاءات مبدأ الملاحظة إلى مبدأ التعليل للإجابة عن سؤال: لماذا هذه الزيادات أو الانخفاضات فى المتعافين والوفيات والإصابات الجديدة، فقد أغفلت التغطية الإعلامية شيئاً حيوياً لفهم انتشار الوباء فلم تقدم الصفحات الرسمية هذه الأرقام فى سياقات اجتماعية، ولم تناقش إن كان الوباء ينتشر فى بؤر معينة بمناطق ما، ولم تتناول شرح مسارات الأماكن التى يتركز فيها الوباء، أو الفئات الاقتصادية أو الثقافية أو ربط الإحصاءات بالنوع الجندرى (ذكر/أنثى) أو المرحلة العمرية وغيرها من العوامل الديموجرافية التى يمكن أن تعطى معلومات ذات دلالة يمكن أن تفيد فى التنبؤ بحركة انتشار الفيروس داخل المجتمع المصري، فضلاً عن أن هذه الإحصاءات الرسمية لم تقدم عدد الحالات مقارنة بإجمالى عدد السكان أو ربطها بمدى جاهزية المنظومة الصحية.
ولم تقم أى من الصفحتين الرسميتين لوزارة الصحة بترجمة الأرقام الإحصائية المعلنة يومياً إلى رسوم بيانية تظهر منحنيات الأرقام اليومية ما بين الصعود والهبوط حيث تعتبر الرسوم البيانية خياراً خصباً لعقد مقارنات ثرية فى معدلات الارتفاع والانخفاض فى أرقام التعافى والإصابات والوفيات، هذه المقارنات يمكن أن تلهم الإعلاميين الذين يلجأون لهذه الصفحات الرسمية كمصادر موثوقة للمعلومات لتوجيه الأسئلة الصحيحة للمتخصصين، وتوسيع دور الصحافة والاعلام من مجرد العرض والوصف المجرد للحقائق إلى الفهم والنقد والتحليل.
وقد نزع هذا النمط الإحصائى فى عرض بيانات وزارة الصحة عن التغطية الإعلامية للصفحات المتخصصة الصفة البشرية عن المصابين والمتوفين، حيث تحولت الحالات إلى أرقام غير دالة على مضمون تفسيرى يُقدم فى سياقات اجتماعية، أو اقتصادية، أو ثقافية أو جندرية أو غيرها.
وجاء فى المرتبة الثانية من حيث درجة الاهتمام بكلا الصفحتين الموضوعات المتعلقة بخطوات التواصل مع وزارة الصحة لمتابعة مصابى فيروس كرونا فى العزل المنزلي، من خلال الإعلان عن أرقام تلقى الاستفسارات الهاتفية كما قامت وزارة الصحة فى 9 أبريل الإعلان عن الخط الساخن للأمانة العامة للصحة النفسية، لتقديم الدعم النفسى للمواطنين المتواجدين بالمنازل خلال هذه الفترة.
وجاء فى المرتبة الثالثة من حيث درجة الاهتمام بصفحة الوزارة الموضوعات المتعلقة بإرشادات الوقاية من الفيروس، حيث دأبت الصفحة على نشر ملصقات عن (كيف تحمى نفسك ومَن حولك –الطريقة الصحيحة لغسل اليدين – طرق رفع المناعة –طرق التعامل مع المُصابين- تعليمات للمسافرين-معايير استخدام المطهرات – الفرق بين التنظيف والتطهير -كيفية ارتداء الماسك الطبى وكيفية التخلص منه–إرشادات النظافة الشخصية-تجب تدخين الشيشة-تعليمات استخدام ماكينات الصراف الألى – تجنب الاماكن المزدحمة – نصائح للتسوق الامن - ارشادات للحامل لضمان السلامة – دعم نفسى عن كيفية التغلب على الشعور بالقلق من احتمال الإصابة- دليل لمحاربة الشائعات- مفهوم المسافة الآمنة بين الأفراد والتباعد الاجتماعى وغيرها؛ فضلاً عن الإعلان مبادرة توعوية بالتعاون مع فيس بوك بشان فيروس كورونا لزيادة الوعى من خلال موقع مشترك بين شركة فيس بوك ووزارة الصحة care.gov.eg.
وجاء فى المرتبة الثالثة من حيث درجة الاهتمام فى صفحة المتحدث الرسمى للوزارة الموضوعات المتعلقة برسائل الطمأنة، وهى ذات الموضوعات التى احتلت المرتبة الرابعة على صفحة الوزارة، حيث حرصت الصفحات على توضيح الحقائق والرد على شائعات حول الفيروس من خلال نشر ملصقات بعنوان حقائق وشائعات وملصقات اخرى بعنوان صح ام خطا كما تم الإعلان فى 15 أبريل عن تفعيل خدمة تلقى استفسارات وشكاوى فيروس كورونا من مقدمى الخدمة الطبية عبر الخط الساخن ١٠٥ وخط جديد للواتس آب. وأعلنت أيضاً الصفحات عن انطلاق حملة (معاً نطمئن) التى تجوب المحافظات لتشجيع المواطنين على التسجيل للحصول على لقاح كورونا، وقد هدفت الحملة كما أعلنت الصفحات عن طمأنة المواطنين لفعالية اللقاح وحثهم على سرعة التسجيل لتلقى التحصين.
أولت صفحة المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة اهتماماً كبيراً للموضوعات المتعلقة بالتعاون الداخلى مع قطاعات ومؤسسات الدولة لدعم منظومة الرعايا الصحية وكذلك التعاون الخارجى مع دول أخرى فى القطاع الصحي، حيث احتلت المرتبة الرابعة من حيث درجة الاهتمام بينما جاء فى المرتبة الخامسة على صفحة وزارة الصحة، حيث دأبت الصفحات مع بداية شهر مارس على نشر بيانات مشتركة مع منظمة الصحة كل يومين عن تطورات الحالات واعداد المصابين، كما نشرت الصفحات فى 5 مارس تقرير فنى فى شكل ملف PDF يوضح إجراءات التقصى الوبائى لحالات فرنسا وكندا وامريكا بشان فيروس كورونا المستجد، كما أعلنت الصفحات عن مبادرة توعوية بالتعاون مع فيس بوك بشان فيروس كورونا لزيادة الوعى من خلال موقع مشترك بين شركة فيس والوزارة care.gov.eg ووجهت الصفحة المتابعين إلى أن هذا الموقع سيكون المصدر الوحيد لنتائج بحث المستخدمين على فيس بوك عن الفيروس وسيقوم الموقع بتحديث المحتوى بصفه دورية لضمان وصول المعلومات المحدثة الصحيحة إلى الجمهور.
كما أولت الصفحات اهتماماً ملحوظاً بالموضوعات المتعلقة بضرورة الاهتمام بالنظافة الشخصية وطرق التطهير للأيدى والإجراءات الاحترازية، حيث احتلت المرتبة الرابعة من حيث درجة الاهتمام فى صفحة وزارة الصحة والمرتبة الثامنة فى صفحة المتحدث الرسمي، وهى ملاحظة يمكن فهمها فى ضوء متغير كثافة تغطية صفحة وزارة الصحة تليها صفحة المتحدث الرسمى لأحداث الجائحة وتطوراتها بما تفرزه من تداعيات يومية، وهى تغطية تكتسب طابع الاستمرارية، وتمتد هذه التغطية لصفحة الوزارة الرسمية لتتضمن التأكيد على حتمية الالتزام بالإجراءات الاحترازية بتفصيلاتها كأحد أسباب الوقاية من الإصابات، فى حين جاءت تغطية صفحة المتحدث الرسمى أقل نسبياً فى هذا الشأن اتساقاً مع دورها فى التركيز على المسارات الأكثر بروزاً - من وجهة نظرها - فى مجرى الأحداث وأهمها تصريحات الوزيرة والزيارات واللقاءات الرسمية، وأوجه التعاون الداخلى والخارجى مع الجهات المحلية والإقليمية والدولية، وأنشطة فرق التواصل المجتمعى
وهى الفرق التى استحدثتها وزارة الصحة لتجوب مختلف أنحاء المحافظات، حيث تقوم بالمرور على الأسواق العامة، والمقاهي، ومحطات القطارات، والمواصلات العامة، ودور العبادة، والمحال التجارية، وأماكن التجمعات، بالإضافة إلى المرور على القرى بالتنسيق مع العُمَد والمشايخ، لتقديم التوعية الصحية للمواطنين بالإجراءات الوقائية والاحترازية لفيروس كورونا المستجد، أهمها ارتداء الكمامة، وغسل اليدين باستمرار بالماء والصابون أو فركها بالكحول، بالإضافة إلى أهمية الحفاظ على التباعد الاجتماعي، والتواجد فى أماكن جيدة التهوية، وقد أفردت الصفحتان مساحات لنشر نشاط الفريق.
وحظيت عددٌ من الموضوعات بنسب حضور متقاربة فى دلالة على تقارب درجة الاهتمام بعرض هذه الموضوعات فى كلا الصفحتين الرسميتين لوزارة الصحة ومنها: التعريف بفيروس كرونا المستجد والفرق بينه وبين الانفلونزا العادية مع شرح طرق العدوى بالفيروس واعراض الإصابة به وفترة حضانة الفيروس، وجدير بالذكر أن صفحة المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة بدأت بالاهتمام بأخبار الفيروس مبكراً عن صفحة الوزارة تحديداً يوم 16 يناير بنشرها تحذيرات منظمة الصحة العالمية من انتشار فيروس غامض وإعلان وزارة الصحة برفع درجة الاستعداد القصوى على منافذ دخول البلاد لمنع تسرب أى أمراض وبائية، وبدأت الصفحة بالتعريف بالوباء بالتزامن مع مجهودات الوزارة باستقبال العائدين من "ووهان".
وقد أعلنت الوزارة على صفحاتها عن انطلاق تطبيق (صحة مصر) يمكن تحميله مجاناً على التليفون المحمول يتعرف من خلاله المواطن عن مزيد من المعلومات المتعلقة بالفيروس. وأيضاً اهتمت الصفحات بنشر الموضوعات المتعلقة بطرق رفع كفاءة الجهاز المناعى من خلال عرض معلومات تفصيلية عن طرق التغذية السليمة وغيرها.
وشهدت الصفحات الرسمية حضوراً باهتاً لعددٍ من الموضوعات المتعلقة بأماكن العزل الحكومى والخاص والميدانى وتجهيزاتها، والفحوصات الخاصة بالمرض وأسعارها وأماكن وجودها، وأعمال التطهير لكافة المستشفيات التى ظهرت فيها الحالات، واستعدادات المستشفيات الحكومية لعلاج المصابين، حيث لم تحظى هذه الموضوعات بنسب حضور عالية على الرغم من أهميتها بالنسبة لقطاعات المتابعين من الجمهور، فى دلالة على عدم اهتمام الوزارة بوضع نمط المعلومات الاستيعابيةInternalizing Information فى أولويات الاهتمام، وهى نمط المعلومات الخاص ببناء السمعة داخل المؤسسة المعنية بالأزمة لحماية تواجدها ومستقبلها بين المواطنين.
ونستكمل عرض نتائج هذه الدراسة المهمة فى المقال المقبل.