فى جمعة الغضب كان فى مقدمة الصفوف وسط مئات الفلسطينيين الذين لبوا نداءه ليصلوا أمام باحة الأقصى رافضين الدخول من البوابات الإلكترونية التى وضعتها القوات الإسرائيلية أمام باب الأسباط حتى يمر من خلالها المصلون إلى داخل الحرم القدسى، استشهد ٤ فلسطينيين وأصيب ما يقارب الـ٥٠٠ فلسطينى من جراء هجوم القوات الإسرائيلية على المصلين المحتشدين، وكان الشيخ الجليل من بين هؤلاء المصابين. لم تمنعه سنوات عمره التى تقترب من الثمانين بعامين فقط، ولا موقعه كرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، من أن يتقدم المتظاهرين المدافعين عن الأقصى وهو يقول لبيك لبيك .قال «لست أفضل ممن أصيبوا ولا ممن استشهدوا»بل هم الأفضل.
الشيخ عكرمة صبرى هوهذا الشيخ الجليل خطيب المسجد الأقصى ومفتى القدس منذ دخلت السلطة الفلسطينية إلى الأراضى المحتلة عام ١٩٩٤ حيث عينه ملك الأردن وظل فى منصبه حتى عام ٢٠٠٦ عندما تولى الرئيس محمود عباس رئاسة السلطة- حيث يتردد أن العلاقة بينهما ليست على مايرام لاختلاف فى الرؤى السياسية – الشيخ عكرمة هو ابن لقاض فلسطينى جليل ولد فى مدينة قلقلية الفلسطينية عام ١٩٣٩ وانتقل إلى بغداد حيث درس فى جامعتها فى بداية الستينيات وحصل على بكالوريوس فى الدين واللغة، ثم عاد ليحصل على الماجستير من جامعة نابلس ولكنه لم يكتف بهذا القدر من العلم، وشد الرحال إلى قاهرة المعز حيث نال العالمية أو الدكتوراه من جامعة الأزهر وموضوعها (الوقف الإسلامى بين النظرية والتطبيق) ويبدو أن اختياره لهذا الموضوع لأن عينه على القدس والمسجدالأقصى الذى يعد من الأوقاف الإسلامية.
كانت مرحلة التكوين بين فلسطين وبغداد والقاهرة فى الستينيات حيث المد القومى العربي الذى تشبع به الشيخ عكرمة صبرى فلا يذكر اسمه إلا واقترنت به صفة القومى العروبى، مضافاً لها وسطية فكره الدينى السمح، وقدرته على قبول الآخر وصداقته المعروفة بالأب عطا الله يوحنا بطريرك الفلسطينيين الروم الأرثوذكس، هذا الرجل الوطنى الفلسطيني حتى النخاع، والذى شارك الشيخ عكرمة فى مظاهرة الأقصى التى أصيب فيها، وجلس مع المسلمين المعتصمين وصلى صلاته أثناء إقامتهم لشعائر الصلاة أمام الحرم القدسي.
ومؤلفات الشيخ عكرمة عناوينها تدل على ما تحويه من أفكار متطورة، منها (المنتقى من أحاديث المصطفى)( التنوير فى العقيدة والتفسير )،(حقنا فى فلسطين).
ساهم الشيخ عكرمة فى نشأة العديد من الهيئات الإسلامية الفلسطينية، وفي الحفاظ على الهوية الفلسطينية لأجيال نشأت فى ظل الاحتلال الإسرائيلى.
تعرض الشيخ عكرمة طوال حياته مرات عديدة للتحقيق والاعتقال من قبل سلطة الاحتلال الإسرائيلى، ولكنه أبدا لم يهن ولم يتخل عن دعوته للمقاومة وللحفاظ على القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، هذا العاشق لفلسطين يصف حال القدس اليوم بعد الأحداث الأخيرة بأنها أصبحت مدينة الأشباح وأن بين كل بيت وبيت يقف الجنود الإسرائيليون ببنادقهم، ولكنه يدعو المصلين إلى أن يبقوا فى أماكنهم أمام الحرم يقيمون الصلوات فى مواقيتها، ويقول أن الاحتلال استغل الظرف العربى الراهن والخلافات العربية العربية خاصة الخليجية الأخيرة وحاول أن يغير من وضع الحرم القدسي، ولكننا لن نمكنه، وما فعله الاحتلال الإسرائيلى فضحه أمام العالم وليس أمامه إلا أن يعود إلى الوضع السابق ويزيل البوابات الإلكترونية، الشيخ عكرمة بخبرة السنين يحذر من احتمالات تطور الأمور إلى انتفاضة ثالثة، فما زال الأقصى والقدس هما ما يجمعان العرب بكافة عقائدهم والمسلمين بكافة طوائفهم، ومن ثم يدعو الشعوب العربية لنصرة أقصاهم.
الشيخ عكرمة يقول “إن الأقصى هو بوابة الأرض إلى السماء”.
ويبدو أن الله سخر لها حراساً من أخلصهم شيخنا الجليل.. عكرمة صبرى.