الخميس 25 ابريل 2024

علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة (10)

مقالات20-8-2022 | 21:12

الدكتور أحمد زكي عاكف، عالم ومفكر وأديب..! (10)
(1894-1975)

• أحمد زكي عاكف، كان عميدا لكلية العلوم، جامعة القاهرة، ورئيسا لجامعتها، ووزيرا للشؤون الاجتماعية، ورئيسًا لتحرير مجلة العربي الكويتية ومؤسس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر. هو كيميائي مصري ومن أعلام النهضة الأدبية الحديثة في العالم العربي. تميز بأسلوب علمي جمع بين روعة الأسلوب الأدبي وعذوبته، ووضوح الأسلوب العلمي ودقته، لذلك فلايزال حاضرًا في الأذهان وفي الوجدان على حد سواء، بسبب عبقريته النادرة وتفوقه في الأدب والعلم معا، فقد كان باحثًا مجدًا، ومفكرًا شغوفًا، وناقدًا مميزًا. ووظف كل ذلك من أجل الإنسانية والوطنية والرقيّ الفكري قوميًا وإقليميًا. 

• ولد أحمد زكي بن محمد حسين عاكف في محافظة السويس في الخامس من أبريل 1894، وألحقه أبوه بالكتاب لفترة قصيرة، ثم التحق بمدرسة السويس الابتدائية، وعندما انتقل والده إلى القاهرة التحق بمدرسة أم عباس الابتدائية، وظل بها حتى أتم المرحلة الابتدائية سنة 1907، ومن ثم التحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية، حيث نال الشهادة الثانوية سنة 1911، وكان ترتيبه الثالث عشر على القطر المصري. التحق أحمد زكي بمدرسة المعلمين العليا، وزامل فيها عددا من الطلاب قدر لهم أن يكونوا من أعلام النهضة الفكرية والأدبية، منهم محمد فريد أبو حديد الأديب الكبير، والجغرافي محمد عوض محمد، ومحمد شفيق غرب مؤسس المدرسة التاريخية المصرية الحديثة، المؤرخ الكبير عبد الحميد العبادي، وأحمد عبد السلام الكرواني أول من درس الطيران وهندسته، ومحمد بدران شيخ المترجمين العرب في العصر الحديث، حيث شاركوا معًا في تأليف لجنة "التأليف والترجمة والنشر" وهى أعظم مؤسسة أهلية قامت على النشر في مصر وأثْرت الحياة الفكرية بزاد ثقافي لا يزال أثره قائما فكانت مطبوعاتها عنوان الجودة والإتقان والتميز. وكان باكورة اعمالها  كتاب "مبادئ الكيمياء" الذى ترجمة أحمد زكي وأحمد الكرواني ليكون مرجعا للطلاب. 

الدكتور أحمد زكي عاكف
• بعد التخرج عمل مدرسا بالمدرسة السعيدية الثانوية، ثم ألغي التعيين بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم رشح للسفر في بعثة إلى إنجلترا لاستكمال تعليمه، لكنه حرم منها بسبب رسوبه في الكشف الطبي. لم يجد أحمد زكي بدأ من العمل في ميدان التدريس، فاشتغل مدرسا بالمدرسة الإعدادية الثانوية، وهي مدرسة غير حكومية قامت في العقد الثاني من القرن العشرين بجهة الظاهر (حي بالقاهرة)، وقام بالتدريس فيها عدد كبير من نوابغ المدرسين ممن ضاقت عنهم مدارس الدولة بسبب الحرب العالمية الأولى، ومن بين هؤلاء عباس محمود العقاد، وأحمد حسن الزيات، ومحمد فريد أبو حديد، وغيرهم من أعلام الفكر والأدب. ثم اختير ناظرا لمدرسة وادي النيل الثانوية بباب اللوق بالقاهرة، وكان صاحبها هو والد الفنان الكبير يوسف وهبي، وتقوم مكانها اليوم المدرسة الألمانية بباب اللوق. 

• في سنة 1919 استقال من وظيفته وتوجه إلى إنجلترا على نفقته الخاصة طلبا للتخصص في الكيمياء والتحق بجامعة "نوتنجهام" حيث زامله فيها العالم الكبير "علي مصطفى مشرفة" ثم تركها إلى جامعة ليفربول، فحصل منها على شهادة بكالوريوس العلوم سنة 1923م، لحقها بدكتوراه الفلسفة في الكيمياء بعدها بعام، ثم انتقل إلى جامعة مانشستر لمواصلة البحث العلمي، فأمضى بها عامين، ثم التحق بجامعة لندن، ومكث بها عامين آخرين، توجهما بحصوله على درجة الدكتوراة في العلوم D. Sc. سنة 1928م وهي أرفع الدرجات العلمية التي تمنحها الجامعات، فكان ثانى مصري يحصل على هذه الدرجة الرفيعة.

• بعد عودته من إنجلترا عين أستاذا مساعدا للكيمياء العضوية في كلية العلوم، ثم أستاذا بها سنة 1930م، ليكون أول أستاذ مصري في الكيمياء. وحين خلا منصب مدير مصلحة الكيمياء في سنة 1936م وكان يشغله أجنبي، عين أحمد زكي مديرا لها، فكان أول مصري يتولى هذا المنصب الرفيع، فنهض بمصلحة الكيمياء وأعاد تنظيمها، وظل مديرًا لها إحدى عشرة سنة، وارتقى بها إلى المصاف العالمية، وجعلها قادرة على الوفاء بحاجات المجتمع المصري وصناعاته. وفي سنة 1946 قام برحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية تفقد خلالها كثيرًا من مراكزالبحوث العلمية، ومن خلال هذه الزيارة وغيرها من الزيارات إلى المعاهد والمؤسسات العلمية والصناعية والجامعات استطاع أن يضع أساسا دقيقا للمركز القومي للبحوث الذي ولد على يديه صرحًا شامخًا، وتولى هو رئاسته لخمس سنوات (1947م – 1952م).

• عندما شكل حسين سري باشا وزارته سنة 1952م قبل الثورة، اختار أحمد زكي وزيرًا للشئون الاجتماعية، وحاول أن يبعث في الوزارة روحًا إصلاحية وهمة ونشاطا، لكن الأيام كانت أسرع منه حيث استقالت الوزارة بعد أقل من عشرين يومًا في الثاني والعشرين من يوليو سنة 1952، أي قبل قيام الثورة بيوم واحد، وعاد أحمد زكي مرة أخرى إلى رئاسة المجلس القومي للبحوث.

• نشر الدكتور أحمد زكي كثير من البحوث العلمية في المجالات المتخصصة، وله عدة كتب مؤلفة ومترجمة، وكان لأسلوبه الأدبي في معالجة الموضوعات العلمية فضل كبير في إشاعة العلم بين الجماهير. في سنة 1929 أسهم مع نخبة من أعلام الفكر في تأسيس المجمع المصري للثقافة العلمية ليكون منارة لنشر الثقافة العلمية بين طوائف الأمة. وفي سنة 1938م كان لأحمد زكي الفضل الأكبر في إنشاء الجمعية الكيميائية المصرية وتولى رئاستها ربع قرن من الزمان. وفي سنة 1944م اشترك مع عشرة من خيرة العلماء المصريين في تأسيس الأكاديمية المصرية للعلوم من بينهم علي مصطفى مشرفة، ومحمد خليل عبد الخالق، وحسن صادق، وإبراهيم رجب فهمي، وكامل منصور، وتولى هو رئاستها باعتباره أكبر الأعضاء سنا، حسبما يقضي به نظام الأكاديمية. وإلى جانب هذا النشاط الوافر كان عضوا في المجلس الأعلى لدار الكتب، ومجلس إدارة معهد فؤاد الأول للصحراء، ومجلس إدارة البنك الصناعي.

•  بالرغم من هذه الأعباء التي كانت تثقل كاهل أحمد زكي وتحمله مسئوليات إدارة مؤسسات علمية وجمعيات أهلية لم ينقطع عن مواصلة الكتابة في كبريات الصحف والمجلات كالهلال والرسالة والثقافة، وكان صاحب بيان عربي جميل وقدرة فائقة على العرض الجذاب، فكتب فى تاريخ العلم، وتبسيطه، وترجم بعض الآثار العلمية الأوروبية، كما نشر على صفحات مجلة الرسالة كتابه "قصة الميكروب.. كيف كشفه رجاله" على مدى ثلاث سنوات من 1935 -1938م،  وترجم كتاب "في أعماق المحيطات" إلى العربية، كان لأسلوبه الأدبي في معالجة الموضوعات العلمية فضل في نشر العلم بين غيرالمتخصصين. فهو أديب مطبوع صاحب أسلوب مشرق، دائم الاطلاع على كتب الأدب العربي، وشغف بشعر المتنبي، وأستشهد بكثير من أبياته. وقد برزت قدرات أحمد زكي على التعبير الرصين وتمكنه من العربية وبراعته في التصوير المحكم في ترجمته لاثنين من عيون الأدب الغربي وهما "غادة الكاميليا" و"جان دارك". كما ترجم كتاب "في أعماق المحيطات" من تأليف كلارك إلى العربية، و"بواتق وأنابيب" (1960) عن مكتبة النهضة المصرية، و"حيوانات نعرفها" عام 1961، و"مواقف حاسمة في تاريخ العلم" من تأليف كونانت (1963).

• رشحته مواهبه الأدبية وتبحره في الكيمياء وتمكنه من الإنجليزية والفرنسية والألمانية أن يكون ضمن الاعضاء الذين تم اختيارهم لمجمع اللغة العربية سنة 1946م، وهم: عبد الرزاق السنهوري، وإبراهيم بيومي مدكور، وعبد الوهاب عزام، ومحمود شلتوت، ومحمد فريد أبو حديد.

• في عام 1947 حينما كان فى قمة نشاطه العلمي وانشغاله الإداري ترأس تحرير مجلة الهلال ولمدة أربع سنوات، فكان أن نهض بالمجلة، واعتنى بتطوير الطباعة والإخراج واستحدث لها أبوابا صحفية جديدة، كما أظهر عناية بأبواب العلم والطب والأسرة، واستكتب لها كبار الكتاب ورجال السياسة. وجعلها تصدر في اثني عشر عددا في العام بدلا من عشرة فكان ذلك نقلة كبيرة للمجلة في الشكل والمضمون.

• تولى الدكتور أحمد زكي رئاسة جامعة القاهرة في الفترة من أغسطس 1953 إلى سبتمبر 1954 وهنا يذكرالتاريخ له موقف شجاع، ففي إحدى مظاهرات الطلبة داخل الحرم الجامعي اقتحمت قوات الشرطة الجامعة على غير رغبة مدير الجامعة، حيث أعتدت على الطلبة واصابت عدد منهم تم نقلهم إلى المستشفى. وهنا صمم أحمد زكي على الاستقالة احتجاجا على انتهاك حرمة الجامعة، لكنه عدل عنها بعد أن علم بزيارة الرئيس محمد نجيب للطلاب الجرحى في المستشفى مواسيا لهم، واعتبر ذلك اعتذارا من الدولة لهؤلاء الطلاب المنادين بالحرية.

• بعٌيد خروجه من الجامعة انصرف إلى القراءة، والإطلاع حتى عرضت عليه دولة الكويت إصدار مجلة العربي، فذهب إلى هناك واختار فريق العمل الذي يعاونه، وصدر العدد الأول في شهر ديسمبر سنة 1958م وعلى صفحات مجلة العربي نشر أحمد زكي سلسلة مقالات ممتعة بعنوان "وحدة الله تتراءى في وحدة خلقه.. وقدرة الله تتجلى في بديع صنعه"، ومقالات بعنوان "في سبيل موسوعة علمية"، وهي تعد من خير ما كُتب بالعربية في هذا المجال، ودامت فترة رئاسته لمجلة العربي سبعة عشر عاما، أضفى عليها روحا جديدة في الصحافة العربية سرت في كل أرجاء الوطن العربي، ما جعل كل بيت وشارع وحارة من المحيط إلى الخليج لا تخلو منه العربي. كانت شخصيته المستقلة بارزة في حياته فلم يفرغ للكتابة في السياسة ولا للاتصال بالأحزاب مما صبغ العربي بصبغة الاستقلالية الفكرية التي تجمع ولا تفرق والتي تغلب الكليات على الجزيئات والتي تعرض الجوهر دون المظهر، كما أضفى على المجلة بشخصيته العالمة، أسلوباً مشوقاً يجمع بين التخصص العلمي والتعبير الأدبي اليسير والممتع، فكان يقدم للقراء المعلومات العلمية الصعبة بطريقة سهلة للكبار والصغار، وبقي هذا الخط التحريري سائدا، بالنسبة لرؤساء التحرير الذين أتوا بعده، مع مراعاتهم للظروف الزمكانية وسياقات التحولات العالمية.

• وفي 13 من أكتوبر 1975 شاء الله أن يرحل عنا الدكتور أحمد زكي تاركا تراثًا أدبيًا وعلميًا وذكرى عطرة ومحبة غامرة. كل الرحمة والمغفرة لرجل وعالم من ذهب.

Dr.Randa
Dr.Radwa