حوار: محمد بغدادى
"يا حلمنا فوق السحاب، يا عمرنا طال العذاب فى الانتظار، رجعوا التتار لكننا أشواك بتتحدى العطش وجنود بتتحدى الفرار".. كلمات من قصيدة "ارجع بقى" للشاعر الكبير جمال بخيت عن ثورة 23 يوليو عام 1952، الذى إلتقينا وأجرينا معه حواراً على النحو التالى:
ثورة يوليو
فى البداية تحدث الشاعر الكبير جمال بخيت عن ثورة 23 يوليو 1952م، قائلاً إنها تكاد تكون أهم حدث فى القرن العشرين فى مصر والوطن العربى وإفريقيا بشكل عام، وخاصة أن الثورة قد اتبعتها بسنوات قليلة حركة تحرر كبيرة جدًا فى آسيا وإفريقيا، بالإضافة إلى أن ثورة يوليو ساهمت فى تحرير بلدان عربية كثيرة، وما يقرب من 50 دولة إفريقية على حد قوله، مضيفًا أن مصر أصبحت واحدة من الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز وكان لها تأثير كبير فى الأمم المتحدة.
التعليم المجانى
وأوضح بخيت أنه على مستوى مصر نجحت ثورة يوليو فى تحول الشعار العظيم الذى نادى به الأديب الراحل طه حسين وهو "التعليم كالماء والهواء" إلى حقيقة وواقع، ومن هنا دخل الملايين إلى التعليم المجانى، والذى كان يقتصر فقط على عدد من الجمعيات الخيرية التى تقوم بهذا الدور فى تعليم الأطفال، مشيرًا إلى أن الشعب بأكمله فى كل ربوع مصر وطبقات بأكلمها كانت محرومة من التعليم استطاعت أن تنال حظها من التعليم، وبالطبع ساهم ذلك فى حدوث نهضة فى الثقافة والفن والعلوم وكافة المجالات.
مصر قبل الثورة
وأكد الشاعر جمال بخيت أن مصر كانت قبل الثورة تشهد حركة فنية قوية، ولكن ثورة يوليو ساهمت فى تطور الفن بشكل كبير، فعلى الرغم من أن هناك ما يقرب من نصف قرن من الغناء المسجل قبل الثورة، ونجوم عظماء فى الموسيقى والشعر وكافة مجالات الفن، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك على حد قوله، إلا أن الثورة جاءت بفكرة احترام الفن، موضحًا أن هناك فترة قبل الثورة انتشر فيها مصطلح "المشخصاتى" وكانت لا تقبل شهادة الفنان فى المحاكم، ولكن سرعان ما اندثرت هذة الأفكار، وكان الملك فاروق يشارك بالحضور فى بعض الحفلات الفنية قبل الثورة، ولكن التحول الحقيقى جاء بعد ثورة 1952م، حيث إن الدولة خصصت يوماً سُمي بـ "عيد العلم" لتكريم المنجزين فى كافة المجالات وكان من بينهم الفنانون من مطربين وممثلين وشعراء وأدباء ومفكرين.
بيرم التونسى
وأضاف بخيت، فى هذا الإطار منحت الدولة الجنسية المصرية للشاعر الكبير بيرم التونسى، الذى كان محرومًا منها قبل الثورة، كما منحته لقب "فنان الشعب"، بالإضافة إلى تكريم عدد كبير من النجوم فى ذلك الوقت بشهادات تشجيعية وتقديرية ومن بين هؤلاء الموسيقار محمد عبد الوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم وكمال الطويل، وغيرهم من عظماء الفن والزمن الجميل من أجيال سابقة أو معاصرة لثورة 23 يوليو.
الإذاعة
وقال جمال بخيت إن الإذاعة المصرية كانت أكبر منتج للفنون فى الشرق الأوسط وقتها، وأنتجت عدداً كبيراً من الأغنيات العاطفية والسياسية والوطنية، وكل هذا تم إنتاجه فى ظل تبنى الدولة بعد الثورة للفنون، وقد أنشئت أكاديمية الفنون التى تضم معهد السينما والمعهد العالى للموسيقى العربية ومعهد فنون مسرحية، بالإضافة إلى معهد الباليه والكونسرفتوار، موضحًا أن ثورة يوليو تبنت الفنون الراقية وشهدت على تخرج أجيال، فى مختلف المجالات الفنية، كما أوضح أن الدولة استعانت بخبراء من الدول المتفوقة فى العديد من المجالات، حيث جاءت بأساتذة فى معهد الباليه من روسيا، وأساتذة من ألمانيا لمعهد الكونسرفتوار ومن عدة دول أخرى.
وأشار بخيت إلى التطور الذى شهدته الإذاعة المصرية عقب ثورة يوليو، وظهور البرنامج العام وإذاعة صوت العرب وإذاعة الشرق الأوسط، الشباب والرياضة، إذاعة القرآن الكريم.
التليفزيون
واستطرد الشاعر جمال بخيت حديثه قائلا:" التليفزيون المصرى تواجد فى الستينيات وحقق نقلة كبيرة فى الفن، حيث إن الفنون كانت قبل ذلك لمن يملك ثمن تذكرة السينما أو المسرح وثمن أسطوانة الأغانى، ولكن بعد ظهور التليفزيون أصبحت كافة الفنون متاحة للجمهور، وكانت هناك لجان فى التليفزيون تسمى لجان النصوص الموحدة ومعنية لمراجعة النصوص واعتمدت وقتها أعظيم النصوص الغنائية لكبار الشعراء صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب، وغيرهم، بالإضافة إلى لجنة الاستماع التى كانت تختص بسماع الأصوات من جهة وسماع الألحان من جهة أخرى، التى اعتمدت العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والشحرورة صباح وفايزة أحمد وشادية ووردة وغيرهم من الأصوات العظيمة، وكانت هذه اللجان لم يقتصر دورها فقط على سماع الأصوات الجيدة وتقييمها، بل مراقبة نوعية ومستوى الفنون أيضًا، لضمان تقديم أعمال هادفة ومحترمة وجيدة للجمهور.
الأغنية
وعن الأغنية قال الشاعر جمال بخيت، إن أعظم الأغنيات الوطنية كانت فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وعلى سبيل المثال وطنى حبيبى الوطن الأكبر، بالأحضان، المسئولية وغيرها، لافتًا إلى أن أغلب المطربين فى الوطن العربى قد قدموا أغانى وطنية نستمع إليها حتى وقتنا هذا، بالإضافة إلى الأغانى الوطنية التى كانت هادفة وباتت فى وجدان المصريين.
حملة تشويه
وأكد بخيت أن ثورة 1952 على الرغم من كونها أعظم الثورات فى الوطن العربى، إلا أنها قد تعرضت لحملة تشويه كبيرة، حيث إنها جاءت ضد مصالح الاستعمار والغرب، فمن الطبيعى أن تتعرض ثورة يوليو للتشويه ممنهج ومستمر بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذى كان يحارب التخلف الدينى والاسلام السياسى والذى عاد بعد وفاته وانتشر فى السبعينيات، مشيرًا إلى أن حملة التشويه اجتمع عليها أكثر من تيار يتمثل فى الإسلام السياسى لتشويه الثورة وتاريخها ومن قاموا بها والزعيم عبد الناصر، والاستعمار بكل مفرداته سواء كان استعماراً استيطانىاً مثل إسرائيل أو استعمارا اقتصادىاً مثل أمريكا، أو داخلياً مثل الطبقات الطفيلية التى ظهرت فى ظل الانفتاح وحققت ثورات ونجحت فى تهريبها خارج الدولة، بالإضافة إلي عصابات الفساد على حد قوله، وكل هؤلاء الذين اجتمعت مصالحهم لتشويه ثورة 1952.
واستطرد جمال بخيت حديثه قائلا: "أنا ضد أحادية النظرة وهناك أخطاء لثورة يوليو، وأنا ليس مع من يقول إن ثورة يوليو شر مطلق أو من يقول إنها خير مطلق، فمن منا بلا أخطاء، وأين المؤسسة التى لم تخطئ، فعلى سبيلا المثال دولة اليابان هناك احدى شركات صناعة السيارات الكبرى قامت بسحب ما يقرب من 3 ملايين سيارة لوجود خطأ فنى فى بطارية السيارة التى قد تؤدى إلى الاحتراق، وذلك من المنطقى أن تكون هناك أخطاء لثورة يوليو.
أجندة القومية الوطنية
وأوضح بخيت أن ثورة 1952 لم تخترع أهدافاً ولكن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، قام بتحقيق أجندة الوطنية المصرية، حيث إن طه حسين هو من طالب بالتعليم المجانى وتوفيق الحكيم وعدد من الأحزاب والحركات السياسية طالبوا بالعدالة الاجتماعية، وعلى سبيل المثال من يرى أن التعليم المجانى خطأ من باب أولى محاسبة طه حسين الذى طالب به وليس عبد الناصر، مشيرًا إلى النتائج التى حققتها الثورة، من بناء السد العالى و تحقيق الجلاء وتأميم قناة السويس، قائلا:" الثورة حققت الأجندة الوطنية المصرية".
قصيدة
واختتم الشاعر الكبير جمال بخيت حديثه مع الكواكب ببعض أبيات قصيدته الشهيرة "ارجع بقى"، والذى كان قد كتبها فى السبعينيات لكى يعبر من خلاله عن منظومة القيم التى أتت بها ثورة يوليو على حد قوله، ومن بين كلماتها "ارجع بقى وفك حبل المشنقة، وامسح همومنا باللقا، يا حلمنا فوق السحاب، يا عمرنا طال العذاب فى الانتظار، رجعوا التتار لكننا اشواك بتتحدى العطش وجنود بتتحدى الفرار، نسقط ساعات لكننا نفضل كبار، نفتح عيون للانبهار متشوقة، فارجع بقى وفك حبل المشنقة"..