الجمعة 19 ابريل 2024

الأداء الاتصالي لوزارة الصحة أثناء أزمة كورونا (3)

مقالات24-8-2022 | 14:41

تمثلت مشكلة الدراسة المهمة التي أعدتها د. أمل يوسف خطاب الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة بها في سعيها إلى رصد وتحليل سمات الأنشطة والممارسات الاتصالية للصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. ونستكمل في هذا المقال نتائج الدراسة.

اتضح من الدراسة ارتفاع توظيف الصفحات للاستمالات العقلية؛ حيث بلغت نسبتها 56% من المنشورات، والتي تبين أنها تحتوى على إرشادات توجيهية وتوعوية وتنظيمية وأرقام وإحصاءات وتصريحات رسمية وبيانات طبية تخاطب عقل المتلقي، وهى نتيجة منطقية تتوافق مع اعتماد الصفحتين على الخبراء والمتخصصين كمصادر أساسية للمعلومات، كما وظفت الصفحات الاستمالات العاطفية بنسبة 22.6% من الموضوعات، وهو ما ظهر في تأكيدها على المسئولية الاجتماعية للفرد تجاه أسرته ومجتمعه ووطنه في ضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي والاحترازات الصحية مع الحفاظ على النظافة الشخصية ونظافة السكن والشوارع وغيرها، في حين وظفت التعاطف في موضوعات التعامل مع المصابين في العزل وتقديم الدعم النفسي ورفض التنمر ضد المتعافين، كما استخدمت استمالات التخويف بشكلٍ ضئيل مع الموضوعات المتعلقة بآثار التزاحم والتجمعات وإهمال اتباع الارشادات؛ فالخوف محركٌ أنساني يضفي أهمية على القضايا، وقد أثبتت دراساتٌ ومسوحٌ حديثة أن المبالغة في نشر الذعر يمكن أن يؤدى إلى نتائج عكسية منها الانصراف عن القضية تماماً، وهذا ما حدث عندما استخدم الإعلام الفرنسي والإعلام البريطاني مصطلحات مثل "الفيروس القاتل" و"الفيروس المميت"، مما زاد من معدل تجنب الأخبار news avoidance، وزادت معدلات هروب المتلقين الى المضامين الترفيهية.

كما جمعت الصفحات بين توظيف كلٍ من الاستمالات العقلية والعاطفية معاً في عددٍ من الموضوعات بنسبة 21.4% خاصةً الموضوعات التي تناولت كيفية الحماية من الفيروس - تجب تدخين الشيشة- تعليمات استخدام ماكينات الصراف الألى - نصائح للتسوق الآمن - – إرشادات للحامل لضمان السلامة – دعم نفسي عن كيف تتغلب على الشعور بالقلق من احتمال الإصابة، وغيرها.

وقامت الدراسة بتقسيم استراتيجية الاتصال التي اتبعتها الصفحات المتخصصة إلى فئتيْن الأولى: الاستراتيجية المعلوماتية أحادية الاتجاه، وهى التي لا تقوم فيها الصفحات بالرد على تعليقات المتلقين أو إعادة نشر ملاحظات أو تعقيب على هذه التعليقات، والثانية: الاستراتيجية التفاعلية ثنائية الاتجاه وهى التي تقوم فيها الصفحات بالرد على تعليقات المتلقين، أو إبداء الإعجاب بها، أو إعادة نشر ملاحظات على هذه التعليقات.

وأكدت النتائج تقارب نسب اتباع صفحات الوزارة لاستراتيجيات الاتصال، بنمطيْها؛ حيث اتبعت استراتيجية تفاعلية بنسبة 51.3%، والاستراتيجية أحادية الاتجاه بنسبة 48.7%، مما سجل حرص الصفحات إلى حد ما على التفاعل مع المتلقين – على الرغم من أنه تفاعلٌ محدود- سعياً لتحقيق الوظائف المنوطة بها.

واتبعت صفحة وزارة الصحة استراتيجية الاتصال أحادي الاتجاه بنسبة 62.7% مقابل 37.3% اتباعها لاستراتيجية الاتصال ثنائية الاتجاه، حيث حرصت إدارة الصفحة على الرد على بعض استفسارات المتابعين، كما رصدت الباحثة تشجيع الصفحة للمتابعين على الاشتراك في الأنشطة التي تقوم بها وزارة الصحة والمتعلقة بفيروس كورونا تحديداً من خلال طرح استمارة تسجيل اشتراك للراغبين في التطوع، كما كانت دائمة التنويه عن ارقام هاتفية لتلقي الخدمات والاجابة عن الاستفسارات تنشر بشكل دوري متكرر على صدر صفحتها. وفى المقابل اتبعت صفحة المتحدث الرسمي الاستراتيجية التفاعلية بنسبة 70.1% مقابل 29.9% اتباعها استراتيجية أحادية الاتجاه، ومما يؤكد على حرص صفحة المتحدث الرسمي على التفاعل -وإن كان محدوداً – مع المتلقين تحقيقاً لوظيفة بناء الثقة والسمعة المؤسسية أحد أهداف الصفحة.

ولم تقم الدراسة بتحليل تعليقات المتابعين، ولكنها قامت برصد التكرارات العددية للمنشورات الأصيلة؛ بمعنى عدم الاعتداد بالمنشور المكرر نشرة مرة أخرى، والذي من المحتمل يكون قد حظي بنسبة تفاعل أعلى من المنشور الأصلي، الأمر الذى يجعل بيانات هذا الجدول ربما غير معبرة عن الواقع الحقيقي.

وأوضحت الدراسة توافر عددٍ من الخدمات الاتصالية التفاعلية على الصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية مثل خدمة البحث عن منشورات على صفحة الوزارة او صفحة المتحدث الرسمي- خدمة دعوة آخرين للمتابعة - إرسال رسالة للصفحة - وخدمة فلترة المنشورات، وهى خدمة تسمح للمتلقي بإمكانية منع المنشورات المتعلقة بنمطٍ معين من الأخبار في فترة زمنية معينة من الظهور على صفحته الرئيسة، لأنه لا يريد متابعتها لأسباب تتعلق به فيما يعرف بإمكانية تخصيص أو فلترة المحتوى.

كما توافر إعلان عن وسائل الاتصال بالمؤسسة أقصى يمين الصفحات مثل رقم هاتف - عنوان بريدي تقليدي– موقع الوزارة على خرائط جوجل، كما تتيح الصفحات إرسال بريد إلكترونى إلى الوزارة من خلال تفعيل العنوان البريدي المنشور في مكان ظاهر على الصفحات، وتميزت صفحة وزارة الصحة بإمكانية إرسال رسالة على تطبيقات ماسنجر وواتس آب، في حين اكتفت صفحة المتحدث الرسمي بإتاحة إمكانية إرسال رسالة على تطبيق ماسنجر فقط، أيضاً شهدت الصفحات حضور خدمة الإحالة إلى مواقع الكترونية أخرى مثل الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة والسكان على شبكة الانترنت ومنظمة الصحة العالمية WHO، ومركز معلومات فيروس كورونا التابع لوزارة الصحة المصرية، صفحة المشروع القومي لتجميع البلازما على فيس بوك وانستجرام وغيرها .

كما رصدت الدراسة استخدام الصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية على فيس بوك عدة استراتيجيات إعلامية وهى:

1-  استراتيجية التركيز: وظفت الصفحات الرسمية لوزارة الصحة هذه الاستراتيجية من خلال تكرار نشر الرسائل خاصة التحذيرية والإرشادية مع تغيير مصادرها، أي تكرارها على لسان أكثر من مصدر، وقد أظهر التحليل أن الصفحات عمدت إلى تكرار نفس المحتوى على لسان عدة مصادر من الاختصاصيين وعرضه باستخدام عدة أنماط من أشكال العرض خاصةً الأشكال المرئية التي شهدت حضوراً كبيراً، الأمر الذي قد ينتج عنه زيادة الاعتقاد في مصداقية التحذير، ويؤدى إلى التغلب على حالة التشتت المعتادة التي تنتاب بعض فئات المتلقين إبان الكوارث.

2-  الاستراتيجية النفسية (الديناميكية):  قامت الصفحات بتوظيف هذه الاستراتيجية من خلال التركيز على عوامل إدراكية أو عاطفية للتأثير في المتلقى، باستخدام استمالات عاطفية أو إثارة انفعالات ومخاوف، مع التركيز على أهمية المعتقدات والاتجاهات والنوايا السلوكية بتفعيل أدوار المسئولية الاجتماعية للأفراد وذلك في تناولها لموضوعات مسئولية الفرد تجاه أسرته ومجتمع ووطنه في ضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي والاحترازات الصحية مع الحفاظ على النظافة الشخصية ونظافة السكن والشوارع، وفي موضوعات التعامل مع المصابين في العزل وتقديم الدعم النفسي ورفض التنمر ضد المتعافين، وآثار التزاحم والتجمعات وإهمال اتباع الإرشادات، وغيرها.

3-  الاستراتيجية المنطقية (الثقافية): وتم توظيف هذه الاستراتيجية في تقديم رسائل إعلامية مقنعة تحدد أو تعيد تحديد المتطلبات الثقافية وقواعد السلوك لدى الأفراد والجماعات داخل المجتمع، بحيث يؤدى ذلك إلى تعديل في السلوك الاجتماعي؛ فإقناع الفرد يأتي عبر إحداث تعديل في الضوابط الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع وإعادة صياغتها، وهو ما تمثل في الموضوعات التي تحتوى على إرشادات توجيهية وتوعوية وتنظيمية وأرقام واحصاءات وتصريحات رسمية وبيانات طبية تخاطب عقل المتلقي وتتعلق بضرورة تغيير أنماط صحية وعادات خاطئة وضرورة اتباع الاحترازات الوقائية.

4-  استراتيجية الاتصال الوقائي: تم توظيفها على صفحات وزارة الصحة الرسمية لمواجهة الشائعات والأخبار المضللة، وهى عادةً تعمل بعد ظهور وتداول الشائعة، أي أن لها طابعًا دفاعيًا؛ وتم استخدامها من أجل توعية المواطنين بمفهوم الشائعات والظروف المرتبطة بنشأتها وتطورها والمخاطر الناجمة عنها، وكيفية تحليلها للكشف عما تتضمنه من أكاذيب ومغالطات من خلال نشر ملصقات بعنوان "حقائق وشائعات" وملصقات أخرى بعنوان "صح أم خطأ"، والمداومة على نشر روابط لمواقع جهات حكومية تنشر أخباراً مؤكدة مثل منظمة الامم المتحدة للطفولة يونيسيف – صفحة مكتب يونيسيف مصر وغيرها، وأيضاً خدمة تلقي الاستفسارات التي بداتها الصفحات في 8 أبريل ويقوم فريق من المتخصصين بالإجابة عنها وعرض الإجابات في فيديوهات يتم بثها دورياً بعد التنويه عنها، فضلاً عن إطلاق تطبيق "صحة مصر" للاستفسارات والإرشادات حول فيروس كورونا المستجد (كوفيد-١٩) في 15 ابريل يمكن تحميله مجاناً من خلال رابط على Google Play، وتعتمد هذه الاستراتيجية على التعاون والتنسيق بين وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والتربوية وأجهزة وإدارات الإعلام الأمني وفريق إدارة الأزمة ولجان رصد ومتابعة الشائعات، وتسعى استراتيجية الاتصال الوقائي إلى تحقيق أهداف تربوية على المدى البعيد، مع إبقاء المجتمع ومؤسساته في حالة وعى ويقظة بمناخ الشائعات وأساليب ووسائل ترويجها.