الأحد 16 يونيو 2024

بالصور: أجهزة الأشعة.. أعيت من يداويها

30-7-2017 | 23:33

الأمراض تغزو أجساد الفنيين

جنيه ونصف بدل التعرض لإشعاع الأجهزة

"الإدارة العامة": هناك نقص كبير في وسائل الوقاية

السرطان ونقص الصفائح والكرات الدموية وهشاشة العظام.. أبرز الأمراض

 

لم يتوقع عبد الرحيم، أن عمله كفني أشعة بمستشفى مالاوي العام بمحافظة المنيا سيصيبه بسرطان ليمفاوي بعد 25 عامًا من العمل المتواصل متنقلًا بين أجهزة الأشعة المختلفة، يقول عبدالرحيم:" تعرفت على إصابتي منذ عام 2010 عشت 8 أشهر عذاب في كل شيء ده غير الأضرار النفسية والمعنوية والاقتصادية لدرجة أن ابني كان بيطلع الأول كل سنة وكلنا كنا متوقعين له يدخل طب لكن بسبب إصابتي أثر عليه نفسيًا وحمل همي".

 

ويضيف:" الحالة المعنوية لباقي الأسرة كانت سيئة غير معاناتي في السفر إلى القاهرة لتلقي العلاج ومشاكل الموصلات وانتظار الدور في العلاج وفي القطار ده غير المرار اللى شوفته من العلاج بالكيماوي والإشعاعي ومضاعفاتهما".

 

ويشير إلى أن وعلاجه كان يتحمله التأمين الصحي والباقي على نفقته الخاصة وتكلفت العلاج وصلت إلى50 ألف جنيه، متابعًا:" شوفي شعور أسرة بينها مريض سرطان فأنا كنت لأولادي أبا وأخا وصديق لكن ضاع حلمنا وسط عدم توافر التقنيات الوقائية للفنيين لكن حاليا بعد إصابتي تم توفير المريلة والقفازات والنظارة أخيرا وتم تحولي حاليا لأعمال إدارية فكان ثمن تعرضي للإشعاع 1.5 جنيه مقابل مخاطر الأشعة ولا زال يحصل عليه ا الفنيين زملائنا وأخر ما وصلت له رفعت قضية وتم الاعتراف بإصابتي بأنها إصابة عمل لكن لسه الحكم النهائي.

 

 

قائمة بأسماء المصابين بنقص الكرات البيضاء

«الهلال اليوم» خاض مغامرة بين معامل الأشعة في المستشفيات العامة للتعرف على حجم المخاطر الصحية التي تواجه الفنيين وطاقم التمريض الذي يعمل في نطاق المعامل الخاصة وأهمية ارتداء المريلة والقفازات والجوارب المخصصة للحماية من مخاطر الأشعة.

 

وخلال تفقد الإدارة العامة للأشعة التابعة لوزارة الصحة، وجدنا قائمة بأسماء المصابين بأمراض نتيجة تعرض الفنيين المباشر للأشعة دون وقاية كافية، وكان على رأس القائمة إسحق داود، فني أشعة بمستشفى ديروط المركزي بمحافظة أسيوط، والذي يعاني من نقص حاد بكرات الدم البيضاء وصل إلى 2.4 ألف على الرغم من أن المعدل الطبيعي للإنسان السليم يتراوح من 4 آلاف إلى 10 آلاف.

 

التشخيص الطبي لحالته نتيجة تعرضه المباشر للأشعة، توضحه الدكتورة رندا إمام، أخصائي الباطنة، قائلة إن حالته الصحية أكثر عرضة للميكروبات ولديه نقص مناعة حاد مما يجعله يعرضه للإصابة بأمراض كثيرة منها النزلات المعوية والصدرية وتأخر التئام أي جرح بجسمه وقد تؤدي إلى ظهور التهابات كثيرة في جميع أعضاء الجسد، فضلا عن وجود خلل في خلايا نخاع العظام التي تقوم بإنتاج الكرات الدموية المختلفة.

 

ووجدنا أسماء فنيين آخرين كـ"كريمة أحمد صالح "، فني أشعة بمستشفى منفلوط المركزي بأسيوط، وتعاني أيضا من نقص في كرات الدم البيضاء والتي تسجل 3.4، ولكن الحالات التي ترتفع نسبة وجودهم هم فنيين مستشفى صدر أسوان إذ بلع عدد الحالات 5 حالات وهم "هبة عبد القادر" وميديا جمال الدين وسعاد عبد الفتاح ونادي كامل ومحمود علي، الذين يعانون من نقص الكرات البيضاء أيضًا.

يأتي ذلك وسط غياب تام لأدوات الوقاية بالمستشفيات وعدم توفير سبل الوقاية للفنيين.

 

 

الأشعة تقضي على الصفائح الدموية

وكذلك الوضع بمستشفى دار السلام المركزي، وكانت أغلب الحالات تعاني من نقص في الصفائح الدموية، حيث يعاني جمال حبيب شنودة، من نقص وصل 100 ألف  صفيحة دموية وكذلك "ملاك زكي" لديه نقص الصفائح 120ألف و "سارة محمد " لديها140ألف في حين أن المعدل الطبيعي 400 ألف إلى150 ألف وهذا النقص الشديد عن المعدل الطبيعي يجعلهم أكثر عرضه للنزيف في أي وقت ومن أقل جرح فهم يعانون من ضعف بجدار الأوعية الدموية في كل أجزاء الجسم كما يعانون من الأنيميا وكثرت تعرضهم للإشعاع قد يصل به الأمر إلى نزيف بالمخ وذلك طبقا للتشخيص الطبي لنتائج تحاليلهم.

 

كما تعاني مروة جمال السيد، فني أشعة بمستشفى أندلسية-السلامة الشلالات بالإسكندرية- من نقص في كرات الدم الحمراء وصل إلى 9.3 في حين أن المعدل الطبيعي يتراوح من 11.5-16g/dl وهذا النقص يؤثر على الدورة الدموية ويسبب لها أنيميا وأمراض مزمنة .

 

 

أمراض قاتلة على الزمن البعيد

وأوضحت إحدى الدراسات المصرية تحت عنوان "تلوث البيئة ثمن للمدينة" والتي أشارت إلى أن التعرض المتواصل الإشعاع بحيث يتعرض الجسم لكمية ضئيلة من الأشعة يوما بعد يوم، ولا تظهر الأعراض الضارة لهذه الأشعة إلا بعد فترة طويلة من الزمن وتتباين أعضاء الجسم المختلفة في تأثرها بالإشعاع نتيجة هذا التعرض بصفة مستمرة ومن هذه الأعراض حدوث تغير للون الجلد وظهور تشققات وتقرحات وإحمرار بالجلد وتغير في تركيب العظم.

 

وأضافت الدراسة أن الإشعاع يعمل على نقص أو زيادة نسبة الكالسيوم بالجسم ظهور أورام وسرطان بالدم نقص في كرات الدم البيضاء والصفائح الدموية والإصابة بنزيف داخلي أو خارجي وإصابة عدسة العين بالعتمة مؤدية إلى ضعف البصر وحدوث تشوهات في للأجنة وقد يؤدي أحيانا للعقم والإصابة بالتهابات الرئة والجهاز التنفسي.

 

 

الغرفة القاتلة

وخلال زيارتنا إلى مستشفى الزاوية العام، وجدنا قسم الأشعة عبارة عن حجرة صغيرة في نهاية ممر ضيق، وسط رائحة تشبه رائحة الخل تغطي المكان وقد تسبب الاختناق على الرغم من أن باب حجرة الأشعة كان مغلقًا، لكن أحد العمال بالمستشفى بادرنا قائلًا:" لا يوجد حجرة أشعة غير هذه وأن الفنيين يجلسون بالداخل"، وعندما دخلت ووجت الفنيين يجلسون في نفس الحجرة التي بها أجهزة الأشعة ويتناولون الإفطار ويقضون أوقات استراحتهم فيها.

 

"منال عبد الرازق" فني أشعة قالت إن تواجدهم وسط الرائحة الخانقة والأشعة الخطرة بسبب عدم توفير مكان آخر لراحتهم أو تناول الإفطار فيه، وأن هذه الرائحة هي رائحة تحميض الأشعة ".

 

وتابعت:" لا يوجد في الغرفة أيضًا منفذًا لتجديد الهواء ولا شافط هواء، وإني أعانى من التهاب مزمنة في الشعب الهوائية منه منذ خمس سنوات بسبب تلك الحجرة المغلقة، وأنها تعمل في المستشفى منذ حوالي 14عاما". وقالت:" لا يوجد لدينا وسائل وقاية ولا يوجد جهاز  البادج فيلم الممتص لأشعة جهاز التحميض".

 

 

التعرض للأمراض واجب مقدس

حسام محمد عبد الله، أمين عام النقابة العلوم الصحية، قال إنه لا بد من وجود تناسب بين المسافة ومربع الفولت لجهاز الأشعة بمعنى كل 50 كيلو فولت لهم 3 أمتار، موضحًا أن هذه المسافة غير متوفرة نهائيًا ويتأثر جميع العاملين بالأشعة نتيجة ضيق المسافة داخل غرف العمليات، فالمريلة المرصصة لا تحمى كل أعضاء الجسم بل تحمى 90% فقط ولكن هناك نظارات للعين لا تتوافر ولا توجد رقبة لحماية الغدة الدرقية.

 

وأشار إلى أن الفنيين والممرضين الذين يعملون على جهاز "السى أرم" أكثر عرضة للتهالك من الإشعاع لأن ذلك الجهاز يشع منه أشعة ثانوية تؤثر على الرئة وتؤثر على العين والعظام، مؤكدا أنه شخصيا يعمل على ذلك الجهاز ويعانى من هشاشة في العظام وعند إصابته بحادث قريب صعب التآم العظام نتيجة تأثره بالإشعاع.

 

 

السرطان المشع

ولفت "حسام" إلى أن لديهم الكثير من زملائهم مصابين بالسرطان بسبب انعدام التدريب والرقابة، مشيرا أن المحتوى الدراسي داخل المعهد الفني الصحي يخلو من توعية الفنيين بمخاطر الأشعة وسبل الوقاية منها، مؤكدا أنهم يدرسون مواد لا علاقة لها بالأشعة مثل مادة التشريح غير أن المواد كلها باللغة العربية البسيطة جدا مما يجعلها تعيق تعامل الفنيين مع الأجهزة الحديثة والتي تعمل وفق مصطلحات باللغة الأجنبية، وهذا ما يؤكد عليه مشير فاروق، رئيس قسم الأشعة بالمكتب التنفيذي للوقاية من الأشعة ، مضيفا أنهم ما زالوا يتعاملون بقوانين من الستينات التي غفا عليها الزمن ولا تتفق مع الواقع حاليا مما يضيع الكثير من حقوق الفنيين.

 

أضاف مشير فاروق، رئيس قسم الأشعة، أنه لا يوجد فروع أخرى للمكتب على مستوى الجمهورية مما يعيق البعض عن الوصول إلينا للإبلاغ عن أي أعطال أو تسرب الأجهزة أو الحصول على "البادج فيلم".

 

المريلة تحني الظهر

وبعد ذلك توجهنا إلى مستشفى القصر العيني بقسم الأشعة بالعمليات، فوجدنا العاملين يجلسون في غرفة مخصصة للاستراحة لهم يتناولون بها الإفطار وذات منافس للتهوية، ولكن لا تبعد عن غرفة أجهزة الأشعة كثيرا بل بحوالي متر واحد فقط، ويرتدون المريلة المرصصة و"البادج فيلم".

 

ولكن  الغريب هو ملاحظتك للمرضة "علا" تتحرك ببطء شديد وتشعر بإرهاق وعندما سألتها قالت " كفاية تقل المريلة على ظهري تعبتني ومقدرش أشلها علشان الأشعة داخل غرف العمليات".

 

 

جهاز قياس المخاطر "المفقود"

وفي قسم الأشعة النووية بالقصر العيني، قال الدكتور أحمد غراب، نائب بالقسم، إن الأطباء لا تتعرض لمخاطر الإشعاع مثل الفنيين فهم أكثر عرضة للخطر ولكن في قسم الإشعاع هنا نحن نتعامل مع المرضى من خلف جدار مرصص وباب مغلق.

 

وأكد ضرورة حصول الفنيين على جهاز "البادج فيلم" قبل تاملهم مع أجهزة الأشعة، ولكنه لا يتوافر نهائيًا بالقسم، علما بأنه من أخطر الأقسام والأكثر عرضة للإصابة مخاطر كارثية.

 

الموت بثمن بخس

 أما مستشفى شبرا العام، قالت "إيمان" 53 عامًا، فني أشعة، إن "البادج فيلم" لا يتوافر لديهم منذ عامين، وهو ما أكده مشير فاروق، رئيس قسم الأشعة بالإدارة العامة للأشعة التابعة لوزارة الصحة، أن البادجات لا تتوفر لديهم بسبب ارتفاع أسعارها في السوق، فمن المفترض أن يكون لكل فني بادج يتم تعليقه أعلى منطقة الصدر لقياس معدل الأشعة المعرض لها الفني هل هو المعدل الطبيعي أم تجاوز الوضع الآمن وقد يعرض الفني لمخاطر صحية.

وأوضح أن الجهاز يتم قياسه كل ستة أشهر و"ثمن البادج" الواحد 100جنيه ، وهو مؤشر إنذار لكي ينتبه الفني لصحته لكن للأسف لا يتوفر لا يعطى النتيجة الحقيقة، كما أن هناك بعض المسئولين في إدارات المستشفيات لا يتعاونون ويوفرون سبل الوقاية للفنيين من أجل تحقيق مكاسب شخصية ومادية.

 

وأشار مشير فاروق، إلى أن بعض المستشفيات تعطي الفنيين 1.5 جنيه شهريا، وأخرى تعطي 5جنيه، وهذا يرجع لإدارة المستشفى التي يعمل بها الفني فبعض المستشفيات تنظر إلى أن هذا واجب فني وليست خدمة إضافية.