السبت 18 مايو 2024

درس في حب الوطن!

31-7-2017 | 13:49

بقلم : نبيلة حافظ

  استطاعت مريم فتح الباب الأولى بالثانوية العامة لمنطقة شرق القاهرة وابنة حارس العقار أن تلقن الشباب المصري دروسا عظيمة لن يستطيع جهابزة التعليم من المدرسين أن يلقنوها للشباب مهما حاولوا على مر السنين، تفوق مريم في حد ذاته ليس هو المقصود ولكن المقصود قناعتها وأفكارها وأسلوبها في الحياة التي تعيشها، تلك الحياة التي تعيشها داخل حجرة متواضعة بإحدي عمارات مدينة نصر ووسط أسرة مصرية بسيطة يجمعها الحب والمودة وإنكار الذات، وأب يواصل الليل بالنهار كحارس عقار من أجل كسب لقمة عيش شريفة يطعم بها زوجته وبناته الخمس.

لقد أذهلتني تلك الفتاة - صاحبة الابتسامة الجميلة والوجه البشوش الذي يؤكد على براءتها ونقاء سريرتها - بما قالته في لقائها مع معتز الدمرداش ببرنامجه 90 دقيقة، فهي على الرغم من تواضع مستواها الاجتماعي إلا أنها رفضت بعزة وكبرياء كل الهدايا والمنح التي عرضت عليها بعد تفوقها، وعلى الرغم من تواضع مهنة أبيها ـ أيضا ـ إلا أنها كانت دائمة التأكيد على أنها فخورة به وبأسرتها التي كانت السبب الأول في تفوقها الدراسي، لم تحاول أن تتجاهل دور كل فرد منهم وفضله عليها حتى أخواتها الصغار لم تنس ذكر أفضالهن عليها والعون النفسي الذي تلقته منهن والجهد الذي بذل معها لكي تحقق هذا التفوق، والغريب في أمر مريم حالة الرضا والقناعة التي ظهرت عليها والتي جعلتها تدين بالفضل الأكبر لبلدها التي منحتها الحياة على أرضها الطيبة، ووفرت لها مدرسة حكومية لتتعلم بها ووفرت لها جامعة تكمل فيها مستقبلها التعليمي.

حالة رضا غريبة ظهرت بها مريم طوال حديثها، فلم تحاول تلك الزهرة الجميلة - التي لم تتفتح بعد - أن تلعن الدولة بكل ما فيها من مشكلات وأزمات، ولم تشتك ظروفها المعيشية وضيق الحال ولم تسرد المحن والصعاب التي تمر بها البلاد والتي تجعل شباب اليوم ينقمون على الحياة بمصر ويحلمون بالحياة بعيدا عن أراضيها، كما لو أن هذه الحياة التي يحلمون بها هي جنة الله الموعودة، لم تفعلها بل ظلت تردد وتؤكد خلال حوارها على رغبتها في استكمال تعليمها الجامعي بكلية الطب وأن يقدرها الله على أن ترد الجميل لبلدها ويوفقها لخدمة أهل وطنها، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن هذه النبتة الجميلة وجدت من يرعاها ويحسن تربيتها وينشأها على تقوى الله والرضا بما قسمه لها.

حالة رضا مريم جعلتني أتساءل عن من وراء حالة التمرد التي أصابت أبناءنا وجعلتهم ناقمين علينا وعلى المجتمع المحيط بهم؟ أبناء يفتقدون الرضا وعدم القناعة بما لديهم، على الرغم من تمتعهم بنعم ومميزات كثيرة استطعنا أن نوفرها لهم بكد وتعب سنوات عمل طويلة، سنوات جعلتنا نحرم أنفسنا من متع الحياة لأجلهم، ظنا منا أننا بذلك نربيهم أفضل تربية ونعلمهم أفضل تعليم، ولكن كنا للأسف الشديد على خطأ، فليس التربية السليمة في توفير المال والعيش في حياة بها رفاهية كبيرة بل التربية السليمة في تنشئة جيل يتحمل المسئولية يستطيع الاعتماد على ذاته يرضا بالقليل ولديه حب وانتماء للوطن!