قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن كلمة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى قادة وممثلي دول الاتحاد الإفريقي عبر الفيديو كونفرانس، في 20 يونيو الماضي، إلى قادة وممثلي الاتحاد الأفريقي لدعم المجهود الحربي الأوكراني، ومواجهة التهديدات المتعلقة بنقص القمح والقارة السمراء، لم تلق اهتماما من رؤساء الدول الأفريقية حيث شارك أربعة قادة أفارقة فقط في هذا الاجتماع، فيما أناب آخرون سفراء أو وزراء خارجية للمشاركة.
وبحسب تقرير للمجلة فإن قارة أفريقيا يمكن أن تكون حليفا قيما لأوكرانيا، إلا أن هذا الأمر يتطلب جهدا كبيرا من كييف لمواجهة النفوذ الروسي في القارة وقد لا يتحقق.
واستشهدت فورين بوليسي على ذلك بما قاله بول ميلي، من معهد /تشاتام هاوس/، من أن أوكرانيا لا تستطيع حتى الآن منافسة النفوذ المادي والسياسي لروسيا في قارة أفريقيا؛ لاسيما وأن روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين تعد موردا مهما للحبوب والأسلحة فضلا عن دعمها المالي للدول الأفريقية، ولا ينافسها في ذلك إلا الصين. في حين أن أوكرانيا لن تكون قادرة على أن تكون منافسا ماليا لروسيا، إلا أنها يمكن أن تستفيد من تاريخها في استضافة الطلاب والمتدربين الأفارقة وتوفير صادرات الحبوب والأسمدة الرئيسية إلى القارة لمنافسة روسيا في أفريقيا.
وعقب كلمة زيلينسكي، أعرب رئيس الاتحاد الإفريقي الرئيس السنغالي ماكي سال عن شكره للرئيس الأوكراني على خطابه عبر تغريدة على موقع "تويتر".
وأكد احترام الاتحاد الإفريقي للقانون الدولي ومعربا عن أمله في حل سلمي للنزاعات.
وأشارت فورين بوليسي إلى أنه بعد أسابيع قليلة من خطاب زيلينسكي، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جولة إفريقية شملت مصر وأوغندا وإثيوبيا والكونغو الديمقراطية، موضحة أن الجولة تضمنت لقاءات مع قادة الدول الأربع وأن لافروف استقبل بحفاوة.
وترى المجلة الأمريكية أنه على الرغم من أن مناشدات زيلينسكي لم تؤت ثمارها على ما يبدو، إلا أن الاستراتيجية الصحيحة لأوكرانيا هي التعامل مع الاتحاد الأفريقي والأفارقة كأنداد وعلى قدم المساواة؛ لافتة إلى أن هذا النهج يسمح لأوكرانيا بمواجهة نفوذ روسيا في القارة السمراء ويعزز صورتها كدولة أوروبية ومناهضة أيضا للاستعمار.
وتحتاج أوكرانيا، بحسب فورين بوليسي إلى حلفاء في الاتحاد الأفريقي؛ ويرجع ذلك بصورة أساسية إلى حاجتها إلى الدعم الأفريقي في الأمم المتحدة.
وفي بداية العملية العسكرية الروسية، أدلى سفير كينيا لدى الأمم المتحدة، مارتن كيماني، ببيان قوي أدان فيه سلوك روسيا، واضعا محنة أوكرانيا جنبا إلى جنب مع كفاح إفريقيا لإنهاء الاستعمار.
لكن بالرغم من خطاب السفير الكيني، إلا أن القادة الأفارقة ظلوا إما على الحياد أو أظهروا دعمهم لروسيا ، فعلى سبيل المثال، في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أبريل الماضي، صوتت 24 دولة فقط ضد القرار بينها تسع دول أفريقية ومن بين 58 دولة امتنعت عن التصويت، كان هناك 20 دولة أفريقية، بما في ذلك كينيا.
ورأت المجلة الأمريكية أن هذه النتائج تُعد تتويجا لنجاح موسكو في الحفاظ على مستوى العلاقات التي أقامها الاتحاد السوفييتي السابق مع العديد من الدول الأفريقية. فالاتحاد السوفييتي قدم نفسه، طوال الحرب الباردة، كداعم لحركات إنهاء الاستعمار المختلفة في جميع أنحاء إفريقيا. ودعم السوفييت للحكومات الراغبة في الاستقلال.
مع ذلك، كانت أوكرانيا أيضا جزءا لا يتجزأ من الجهود السوفييتية لكسب النفوذ في إفريقيا ، فقد درس الآلاف من الطلاب الأفارقة في جميع أنحاء جمهورية أوكرانيا إبان الحقبة السوفييتية، واستمر هذا الإرث في أوكرانيا حتى العملية العسكرية الروسية في فبراير الماضي. لكن على الرغم من النجاح الروسي، يتعين على أوكرانيا، وفقا لـ"فورين بوليسي"، أن تستمر في التركيز على التعامل مع الاتحاد الأفريقي ومواجهة فرضية أن موسكو هي وريثة الاتحاد السوفيتي في الحرب على الاستعمار ومساندة الاستقلال في القارة.
ونبهت المجلة الأمريكية إلى ضرورة معالجة أوكرانيا أيضا لحالات العنصرية ضد الطلاب الأفارقة خصوصا في بداية العملية العسكرية الروسية، مشيرة إلى أنه في أوائل مارس الماضي انتشرت مقاطع فيديو عبر الإنترنت لطلاب أفارقة ينتظرون لساعات من أجل عبور الحدود أو إخراجهم من القطارات.
وأوضحت أن رد فعل أوكرانيا إزاء مقاطع الفيديو هذه كان باهتا في البداية؛ مما أضر بسمعة وأوكرانيا، وأدى إلى انتشار وسم "الأفارقة في أوكرانيا" (#AfricansInUkraine) على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي، وكان مصحوبا بتعليقات قالت إن ادعاءات روسيا بأن أوكرانيا "دولة نازية" صحيحة.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، أقر بتلك المشكلات وأن العديد من حالات رفض عبور الأفارقة للحدود كانت بسبب مسائل دبلوماسية تتعلق باتفاقيات الاتحاد الأوروبي بشأن دخول مواطني دولة ثالثة إلى أراضيه، إلا أن الغضب العام الذي أعقب ذلك أضر بموقف أوكرانيا لدى إفريقيا.
وترى/فورين بوليسي/ أن أوكرانيا يتعين عليها بناء علاقات مع الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء فيه؛ فأوكرانيا، على عكس دول مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، لم تكن يوما ما قوة إمبريالية باستثناء دورها كجزء من الاتحاد السوفييتي السابق، مشيرة إلى أنه على الرغم من صعوبة الحفاظ على وجود دبلوماسي في دول بعيدة في ظل الحرب، إلا أن أوكرانيا تحتاج في مرحلة ما إلى زيادة عدد سفاراتها وموظفيها الدبلوماسيين في القارة السمراء؛ حيث ستصبح هذه السفارات فرصة لا تقدر بثمن للطلاب الأفارقة الراغبين في العودة لأوكرانيا من أجل استكمال دراستهم أو بدء الدراسة هناك.
وعلاوة على ذلك، ينبغي على أوكرانيا الاستمرار في زيادة صادراتها إلى إفريقيا، التي تشهد أزمة في الغذاء بسبب العملية العسكرية الروسية، لافتة إلى أن تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) لعام 2022، أظهر أن 12% من واردات القمح إلى أفريقيا خلال الفترة من عام 2018 حتى عام 2020 جاءت من أوكرانيا، مقابل 32% من روسيا.
وبحسب المجلة الأمريكية لم يكن خطاب الرئيس الأوكراني أمام الاتحاد الإفريقي كافيا لمجابهة جولة وزير الخارجية الروسي لأفريقيا، والتي عززت الرواية الروسية بأن واردات الغذاء لم تصل إلى إفريقيا بسبب خطأ من أوكرانيا.
واختتمت المجلة بالقول إنه حاليا وبعد مضي ستة أشهر على العملية العسكرية الروسية، تظهر آثار عجز أوكرانيا عن إقامة علاقات أقوى مع دول القارة في ظل الصعوبات التي تواجهها، وعلى رأسها النفوذ الروسي في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وحشد الدعم من الدول الأفريقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي السابق إبان الحرب الباردة.