الجمعة 26 ابريل 2024

الهيئة العامة للكتاب.. الثقافة والمعرفة للجميع

مقالات6-9-2022 | 13:20

   تحدثنا في مقال سابق تحت عنوان "ما.. الثقافة في ابسط صورة"، نُشِرَ بجريدة القاهرة التابعة للهيئة العامة للكتاب، عن الدور المحوري والهام الذي تلعبه الهيئة العامة للكتاب، في نشر الثقافة والمعرفة، متخذتًا مشروعًا يكون وسيلة لتحقيق هدفها. وكانت سلسلة "ما" هي تلك الوسيلة لهذا المشروع الثقافي العملاق، املاً منها في تحقيق الاستفادة المعرفية والثقافية القصوى. لذلك أردنا في مقالنا "ما.. الثقافة في ابسط صورة" أن يُسلط الضوء على هذه السلسلة، وجعلنا مقالنا يدور حول عرض كتاب واحد فقط من هذه السلسلة. وما أن نُشِرَ المقال لقي إعجاب كثير من القارئ الكرام، إلا أنه في نفس الوقت توجه لنا مجموعة من التساؤلات حول الموضوع المُثار، وجميع هذه التساؤلات تدور حول نقطة واحدة ألا وهي، هل هذه السلسلة مناسبة لجميع الأعمار؟ هل يمكن لشخص متخصص في مجال معين أن يُكون فكرة أو إطار معرفي عن تخصص غير تخصصه من هذه السلسلة؟ أما عن التساؤل الأخير الذي وجه لنا ويكاد أن يكون مشابه لما قبله، هل هذه السلسلة تستطيع أن تُقدم لنا رصيد معرفي وثقافي لمختلف التخصصات والفروع المعرفية، أم أنها مُجرد كلمة موجزة عن موضوع معين فحسب؟

ردًا على هذه التساؤلات السابقة، رأينا أن نكتب مقالاً يكون بمثابة عرض توضيحي يشمل بعض نماذج من إصدارات هذه السلسلة، حيث يكون عرضًا لمحتويات كل نموذج من النماذج المختارة، وكذلك كلمة موجزة عن أهمية هذا الإصدار في الحقل الثقافي والمعرفي.

ولا بأس هنا من أن نَذْكر ونُذكَّر القارئ الكريم، بعبارات ذكرتها في مقال "ما.. الثقافة في ابسط صورة"، والجدير بالذكر أنه صدر عن سلسلة "ما" حتى عامنا هذا – 2022م، اثنان وثلاثون عنوناً، وهم على النحو التالي: ما الفلسفة؟، ما التاريخ؟، ما علم الاجتماع؟، ما الشعر؟، ما الموسيقى؟، ما السينما؟، ما العروض؟، ما التربية؟، ما الابداع؟، ما الهرم؟، ما الفن التشكيلي؟، ما المسرح؟، ما الفقه؟، ما علم الاحياء البيولوجيا؟، ما الجغرافيا؟، ما النقد الادبي؟، ما الخطابة؟، ما النقد الأدبي؟، ما الخطابة؟، ما الإعلام؟، ما الفضاء الرقمي؟، ما الكيمياء؟، ما الإعلام؟، ما البيئة؟، ما الفيزياء، ما الانثروبولوجيا؟، ما الكون؟، ما الآثار؟، ما الهندسة؟، ما العلم؟، ما الاقتصاد؟

ولنبدأ حديثنا بالكتاب الأول وهو كتاب (ما الفلسفة) للدكتور "عزت قرني" – رحمة الله عليه – يستهدف هذا الكتاب بالتعريف العام المُيسر بأهم فرع من فروع الفكر عامة والعلوم الإنسانية على وجه الخصوص وهو الفلسفة، ويتناول الكتاب في فصله الأول التعريف بكلمة فلسفة، والفصل الثاني من الكتاب يشتمل على التعرف بسمات الفلسفة والتفكير الفلسفي وهي منقسمة إلى قسمان، القسم الأول: هو السمات العامة للفلسفة والتفكير الفلسفي (التفلسف)، والقسم الثاني هو سمات خاصة للفلسفة والتفكير التأصيلي. أما الفصل الثالث وموضوعه الفلسفة وموضوعاتها، ويتناول، منطلقات البحث الفلسفي والأسئلة الكبرى، ونظرة تاريخية يعرض من خلالها هذا النمط الفكري منذُ بدأ حضارة مصر القديمة، والحضارة اليونانية، ويتحدث أيضاً عن الوضع الفلسفي في مصر في الفترة السابقة وفي المستقبل. وينتقل الفصل الرابع إلى الحديث عن التفكير الفلسفي ببيان مُمهداته وشروطه وعملياته. أما الفصل الخامس، يتناول الفيلسوف بوصفه فرداً وعضواً وإنساناً مسؤولا في المجتمع، كما يعرض هذا الفصل سؤالاً هاماً في موضوعه وهو لِمَ يختلف الفلاسفة؟ وذلك ببيان النمط الفكر والثقافي للفيلسوف. وينتهي هذا الكتاب بالفصل السادس والأخير، ويحمل عنواناً خلاصات (أفكار للتأمل وقضايا للتدبر) وهذا الفصل في تقديري تغذية مرتدة لما ورد في هذا الكتاب فهو بمثابة مراجعة سريعة عما وردة في هذا المُؤلف الجدير بالقراءة.

 أضف إلى ذلك عزيز القارئ، أن هذا الكُتيب يُعد بمثابة ردًا على دعاوي القائلين بعدم فائدة الفلسفة؛ بأنها نظريات جامدة بلا تطبيق عملي، كما انه يصعب على القارئ العام قراءتها، وإن قرئها يصعب فهمها وهضم الأفكار الفلسفية المختلفة. فجاء هذا الكتاب في أسلوبه المبسط يعيد للفلسفة روقنها الذي كادت ان تفقده في القرن الواحد والعشرون.

والكتاب الثاني (ما علم الاجتماع) للدكتور "أحمد زايد"، ويعرض هذا الكتاب عرضاً مبسطاً لنشأة علم الاجتماع ورواد هذا العلم مثل أوجست كونت، واميل دوركايم، ثم ينتقل بتعريف دقيق لهذا العلم، ويتناول الفصل الثاني البعد التاريخي في الفكر الاجتماعي، وذلك بتناول الفكر الاجتماعي في العصور القديمة، منذُ حضارات الشرق القديم، وعند اليونان، وفي العصر الوسيط، والفكر الاجتماعي عند المفكر الإسلامي ابن خلدون، والفكر الاجتماعي في عصر التنوير وذلك من منظور توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو.

ويعرض الفصل الثالث بشكل مختصر أهم المجالات التي يدرسها علم الاجتماع، وهذه المجالات تدور جميعها حول دراسة المجتمع دراسة علمية منظمة، ولذلك فإنها تبدأ بالمجتمع. ويختتم الكتاب بفصل عن التغير الاجتماعي والمفاهيم المرتبطة به، وذلك بعرض خلفية تاريخية عن التغير الاجتماعي، ومحاولة لتعريف التغير الاجتماعي. وينتهي الفصل ببيان المفاهيم المرتبطة بالتغير الاجتماعي، مثل: مفهوم التقدم، ومفهوم التطور، ومفهوم النمو، ومفهوم التنمية، وغيرها من المفاهيم. الامر الذي يستلزم تحديداً دقيقاً لها وتحديد علاقتها بمفهوم التغير الاجتماعي.

أما الكتاب الثالث هو (ما التاريخ) للدكتور "أحمد زكريا الشّلق" ويتكون هذا الكتاب من أربعة فصول، يتناول الفصل الأول معنى التاريخ وأهميته، وعمليته، أما الفصل الثاني، يعرض المنهج التاريخي ومراحل البحث وذلك بعرض ضوابط صناعة التأريخ. اما الفصل الثالث، فيتناول العلوم المساعدة ومصادر كتابة التاريخ الحديث والمعاصر ودور الوثائق والارشيفات التاريخية. وينتهي الكتاب بالفصل الرابع متناولاً اتجاهات مدارس تفسير التاريخ، وهم التفسير الديني – اللاهوتي، والتفسير التقدمي للحضارة عند فلاسفة التنوير (نظرية التقدم)، والتفسير الوضعي للتاريخ، والتفسير المثالي (العقلي والروحي)، والتفسير الاقتصادي أو المادي للتاريخ، والتفسير البيولوجي عند شبنجلر، والتحدي والاستجابة عند توينبي، والتفسير البطولي للتاريخ، والتفسير الإسلامي للتاريخ. وينتهي الفصل بتساؤل أرى في تقديري من اهم التساؤلات التي لابد أن يعيها ويضعها نصب عينه باحثي ودارسي التاريخ، وهو ما واجب المؤرخ؟ وهو ما يُذكرني بقول المؤرخ قاسم عبده قاسم – رحمة الله عليه – في مقدمة ترجمته لكتاب "ما التاريخ الآن" لديفيد كانادين- "إن التاريخ لا يٌكتب وفق القول الدارج عن كتابة التاريخ، لكنه "يحدث"، ثم تتم قراءة احداثه من خلال البحث التاريخي مرات ومرات، وذلك أننا حين نتوّهم أننا نكتب التاريخ، نكون في الحقيقة عاكفين.

عزيزي القارئ، جميعنا نسمع كلمات، أقرأ التاريخ، ففي التاريخ عبرة اليوم ومستقبل الغد. هذه العبارات وأكثر منها تَصَدَّق في حالة واحدة، إذا كانت القراءة من مصدر موثوق به لا يشوبه أي شك او خلل معرفي، وفي كلمة واحدة، أي من مُتَخَصِّصٌ في هذا الشأن. وهذا يقودنا لتساؤل هام، هل كل الْمُؤْلِفَات التي كُتِبَت حول التاريخ جديرة بالقراءة والاطلاع؟ مفتاح هذه الإجابة سنجده في الكتاب السابق عرضه.

كنتٌ أتمنى أن اتحدث عن مزيد من الاصدارات لهذه السلسلة الرائعة والعميقة شكلاً وموضوعاً، إلا انني اترك لك أيها القارئ هذه المهمة لتكتشف بنفسِك باقي موضوعات واصدارات هذه السلسلة، التي ستكون مصباحًا يضئ لك الجوانب العلمية المختلفة، وأيضًا نافذة معرفية تنظر منها على شاطئ العلم إلى ما مد بصرك، وتتذوق منها كل ما لذ وطاب من ثمرات مؤلفيها، فلهم منا كل الشكر والتقدير.

وختاماً، نجد أن هذه السلسلة مكسب ثقافي ومعرفي بكل ما تحمله الكلمة من معنى موجه للقارئ العام، واخص بالذكر الشباب، من اجل تكوينهم علميًا وثقافيًا، حتى يتثنى لهم قراءة وفهم الواقع بشكل أفضل، وبناء عقلية واعية ومتزينة، تستطيع ان تصمد أمام الفكر المُتطرف. كما أتمنى من جميع المؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات، وايضًا النوادي الثقافية أن تضع أهمية القراءة والبحث العلمي على رأس أولويتها، بل ونصب اعينها، وذلك لكي نزرع حب القراءة في قلوب أطفالنا وشبابنا. علينا أن نُحيي هذا الحب بأجمل ما نملك. يحضُرني مقولة رائعة نسمعها ونقرأها دائمًا (أمة تقرأ.. أمة تنهض). هذه هي الحقيقة الغائبة عنا، فإذا أردنا أن نُبني ونستشرف للمستقبل فعلينا بالقراءة، ثم القراءة، ثم القراءة. حان الآن وقف الأجهزة المحمولة التي تسرق من أطفالنا وشبابنا وقتهم وجهدهم دون أدنى فائدة وحمل الكتاب، فمن أرداد ان يحيا حياة سعيدة وان يتخلص من ضغوط الحياة ويفهما فهمًا سليمًا، فما عليك سوى القراءة. ولنتذكر جميعًا أن اول سرة نزلت في القرآن الكريم على رسولنا الكريم سيد المرسلين وخاتم النبيين أعظم خلق الله – صلى الله عليه وسلم – هي سورة اقرأ، يقول الحق تبارك تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق 1 – 5).

Dr.Randa
Dr.Radwa