الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

ويسألونك عن ملهمتك

  • 8-9-2022 | 12:16
طباعة

ويسألونك عن ملهمتك، من تكون؟! قل لهم هي من سطّرت أبجديات الأنوثة، هي روح من حب، هي من أتدثّر بغرامها وأنا مهموم أبحث عن وطن يحتوي أفراحي وأحزاني، هي امرأة من زمن أسطوري، لم تكن يوما إلا وطنًا يسكنني وأسكنه، هي قصيدة شعر لم يكتبها شاعر منذ أزمان بعيدة، هي من علمتني أن الحب عطاء فصارت رمزًا له، ودستورًا للحياة. 

تتضاءل أحزاني، وتلمع مقلاتي، حينما تلتقي عينيها، كأن العالم يرتدي عباءة من لؤلؤ منير، ونظرتها نهرٌ من حب، يغمرني بحياة لم أعِشها من قبل، يخترق صوتها آذاني فهو صوت من جنة عدن.

 
كانت تجلس أمامي على تلك الطاولة القابعة خلف الزجاج المواجه لمياه النهر، وبالرغم من ازدحام المكان بالمحيطين إلا أن كلانا لم يشعر بأحدهم، لم نفكر سوى في عالمنا الساحر الحالم، لم نشعر بوجود النادل الذي أخذ برهة من الوقت ليست بقصيرة وهو يرمق نظرة كلانا للآخر كأنه ينتظر أن يسمع تلك الجمل الصامتة بيننا، حتى انتبه كلانا لوجوده، كانت تعلم أي نوع من القهوة أحب، فكلانا يعشق أن يشارك الآخر تفاصيل حياته اليومية بشغف شديد، وتبادل الرأي حول مختلف الموضوعات حتى ما قد يظنه البعض لا يستحق النقاش، فهي تعلم جيدا أني أقدر وجهة نظرها حتي لو اختلفت معها، فكلانا ليس نسخة كربونية من الآخر. 


ربما كان اختلاف وجهات النظر بيننا سر جاذبية كلانا للآخر، لكننا متشابهان إلى حد ما في الميول، كلانا يحب القراءة وإن اختلف كتابنا المفضلين، نعشق صوت أم كلثوم ولكلانا أغنيته المفضلة، لكننا في النهاية نفضل البقاء معا ونحن نستمع لصوت كوكب الشرق.

 
وفي بعض الأحيان يقطع سمرنا هذا نقاش حول أمر ما أو دعابة، ربما ألقي بها أنا على مسامعها كي أرى هذه الابتسامة الرائعة وتلك اللمعة في مقلتيها وهي تتابعني بشغف أعشق رؤيته، أما في تلك الليلة كانت هي صاحبة الدعابة التي تبحث من خلفها عن إجابة من رجل تستودعه قلبها وعقلها معا.

 
كانت تعلم أنني لست من محبي طرح وجهات نظرهم عبر العالم الافتراضي، لست من عشاق إثارة الجدل لمجرد أن أكون حديث الآخرين، لكنها كانت ترغب في معرفة وجهة نظري فيما يتردد على صفحات ذلك العالم الافتراضي، من جدل حول التزام المرأة بواجباتها المنزلية، بالرغم من توقعتها لوجهة نظري، حتى مداعباتي لها بشأن الحياة اليومية.

 
سألتني بشغف المنتظر لإجابة لا يتوقعها : ماذا لو عدت يوما إلى منزلنا ولم تجد به ما تنتظر من غداء أو لم تجده كما تعودت أنيقا ومرتبا كما تحب دائما؟! 
خلعت نظارتي الطبية وأجبتها بهدوء تعهده دائما، السؤال الذي يشغلني ماذا لو عدت إلى منزلنا وغابت عنه تلك الابتسامة والسعادة التي تصنعها عبارتك الجميلة، ماذا لو غاب سؤالك عن تفاصيل اليوم، أما الطعام المصنوع بالحب لا يمكنني الاستغناء عنه لأنك من صنعتِهِ، أتركي أوهام الآخرين لهم.

 
اقتربت أنامل كلانا من الآخر ونحن نستعد لمغادرة تلك الطاولة ومشهد النهر الذي اعتدنا عليه وأصبح شاهدا على قصتنا معا، كنت أرى في عينيها ذلك الوهج الذي يضيء عيون طفلة بريئة تسكن جسد امرأة ناضجة، في كل لحظة تبحث عن الأمان مع رجل يسكنها وتسكنه، كلانا يبحث عن طفولته رغم النضج في الآخر، أدركت في تلك اللحظة أننا شركاء في مستقبل نصنعه معا، حصنه الأول غرام كلانا بالآخر. 


تشابكت أناملنا ونحن نتهادى على ضفاف النهر، نتجاذب أطراف الحديث بأبجدية خاصة لم تعرفها لغات المحبين من قبل، سلاما على امرأة هي قبس من روح الحب، هي أول من كتب دستور المحبين، سلاما على امرأة بدأ بها تاريخ الأنوثة لتسكن محراب فؤادي، سلاما على ملهمتي.
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة