الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

التربية قبل القانون

  • 2-10-2022 | 21:34
طباعة

يقينًا.. قوانين الأحوال الشخصية لن تحل المشكلة ولكنها تتعامل مع تداعيات ونتائج وممارسات غير إنسانية بعد الانفصال.. لذلك علينا أن نفكر ونعيد النظر فى العودة إلى الأساس.. وهو التربية والتنشئة الصحيحة للأبناء.. وتنمية القدرة لديهم على إدارة الحياة الزوجية التى تسودها المودة والسكينة والتفاهم والاحتواء والاحترام المتبادل.. والشراكة فى تحمل المسئولية.. فلسنا فى معركة أو حرب ضروس..لذلك فإن محاولات غرس الندية بين الرجل والمرأة وإعلاء مبدأ السيطرة والجلوس على عجلة قيادة الأسرة أو التدخل السافر وغير الحكيم بين الآباء والأمهات.. كل ذلك يؤدى إلى الشقاق والخلاف.. أما الاحتواء وأن نغفر لبعضنا البعض زلات اللسان فى لحظات الغضب والانفعال والتقدير والتفاهم.. والحكمة والعمل على إعلاء الإيجابيات ومعالجة السلبيات.. السبيل إلى حياة زوجية مثالية.. وطريقنا إليها هو التربية والتنشئة الصحيحة منذ الصغر.. لذلك فالأسرة والدين والتعليم والثقافة ومنع الأفكار المستوردة التى تخالف عاداتنا وتقاليدنا.. والتناول الإعلامى والدرامى لنماذج الحياة الزوجية الناجحة.

الحكمة والمودة ليست فقط خلال فترة الزواج.. لكن أيضًا ما بعد الانفصال.. لابد أن يكون هناك احترام متبادل وحقوق يعترف بها الطرفان عن رضا وقناعة.. ساعتها لن نحتاج إلى قوانين للأحوال الشخصية

إذا كانت قوانين الأحوال الشخصية وتطويرها بما يواكب التحديات ويعالج التغييرات ويريح جميع الأطراف لإعطاء كل ذى حق حقه، تمثل أهمية كبيرة إلا أن الأهم هو الخطوات الاستباقية التى تمنع حدوث الشروخات الأسرية وتؤدى إلى الانفصال أو الطلاق أو على الأقل التوترات والخلافات الأسرية، والتى تبدأ منذ التنشئة، من الصغر بغرس المبادئ، وأرى أن الأسرة والمجتمع لهما دور كبير سواء فى علاج الشروخات والظواهر الأسرية السلبية وكذلك فى ضمان استقرار الأسر وأن تسود فيها المودة والسكينة، ونفس الأمر ينطبق على المجتمع بكل مكوناته وما لديه من وسائل ومؤسسات وتمثل هذه القضية فكرة البناء من الأساس، ولكن بعد حدوث الكوارث، أن تكون طريقة التعاطى المثالية للزوج مع الزوجة، أو العكس تمثل أسلوب حياة.

الخطأ الحقيقي، فى هذه الخلافات الزوجية وعدم الاستقرار الأسرى لدى البعض يعود فى الأساس إلى خلل فى تربية الأبناء والبنات، وترسيخ ثقافات غربية ومستوردة فى عقولهم، وبالتالى فإن النمط الأسرى الذى ظل سائداً فى مصر على مدار عقود طويلة وربما قرون تعرض لهزة عنيفة بسبب التنشئة والأفكار القادمة من الخارج والتى لا تناسب المجتمع المصرى وهنا وجدت حالة من الاحتقان والنزاع والخلاف واختلاف الطبائع، ومعركة حامية الوطيس مصطنعة من أجل الجلوس على عجلة القيادة الأسرية وربما تنتهى بخسائر فادحة أكثرها عنفاً هو الانفصال والطلاق.

الأمر ليس فى قوانين الأحوال الشخصية ومهما أوتى خبراء القانون من علم وخبرات فلن يستطيعوا علاج الظاهرة أو المشاكل الأسرية أو ترسيخ الاستقرار الأسري، لكن دور قوانين الأحوال الشخصية يأتى لمعالجة الآثار السلبية لمرحلة ما بعد الانفصال، سواء فى إرساء الحقوق والواجبات، وموقع الأطفال أو الأبناء من الزوجين، ومسئولية كل طرف عنهم.. لذلك هى تمثل مرحلة ما بعد المرض، لكن نحتاج لعلاج جذرى من خلال بناء صحيح لشخصية الزوج أو الزوجة.
فى الماضى كانت الأمور أكثر استقراراً وربما فى بداية القرن العشرين، أو تحديداً الثلث الأول منه لم تكن هناك حالات انفصال أو طلاق إلا تحت وطأة ظروف قاسية وحاجة ملحة استحالت معها العشرة، كانت الأم مدرسة تعلم أبناءها وبناتها فنون الحياة الزوجية، وتطلق الوصايا المهمة والملهمة للحفاظ على التماسك الأسرى والحفاظ على الحياه الزوجية وأن تمضى بسلام دون تداعيات.. إذا دخلت البنت أو الزوجة إلى بيت أسرتها غاضبة بسبب خلاف مع زوجها.. لا تشجعها الأسرة على الخلاف والشقاق، الأم أو الجدة كانت تقول للأبنة أو الحفيدة التى أصبحت زوجة تتحمل مسئولية أسرة «بيت زوجك هو قبرك»، أو أنها ضيفة فقط فى بيت أبويها، وكانت الحكمة ورجاحة العقل هى التى تسود وتؤدى إلى وأد الشقاق والخلاف قبل أن يستفحل.

الآن لم تعد الزوجة فى بعض الحالات تخفض جناح الرحمة والاحترام والسيادة للزوج، بل بسبب الثقافة المجتمعية والأفكار التحررية الغربية، وعدم وجود الحكمة فى أسرة الزوجة، ونشر مفاهيم مغلوطة فى الإعلام والدراما.

كل ذلك خلق حالة ندية لدى الزوجات والرجل لا يحب أن يكون مجرد برواز فى بيته أو كمالة عدد بل هو صاحب القرار والسيادة ليس من باب السلطة والتسلط والجبروت ولكن طبقًا للعادات والتقاليد والأصول وهذا لا يمس جوهر وقيمة ومكانة المرأة بل هى أساس وعصب الحياة، ويعتمد عليها فى بناء الأمم.
لست ذكوريًا أو متعصبًا للرجل على حساب المرأة بالعكس أننى أنقل صورة وواقعًا موجودًا، وأرصد الفارق بين ما كان وما يحدث الآن، فالمرأة هى المدرسة والأساس وعمود الأسرة.. والنموذج الذى يقوم بأدوار ويتحمل مسئوليات تفوق الرجل بمراحل كثيرة، وإن كنت أفضل الحوار والاحتواء والتفاهم والنقاش وليست الندية غير المرغوب فيها، وحب السيطرة، فالمرأة ليست رجلاً، ولا الرجل امرأة، كل خلق لأداء دوره ومهمته.

المرأة لها احترام ومكانة، وأصبحت رقمًا مهمًا فى الحياة بعد أن تولت المناصب القيادية وأصبحت من العلماء والوزراء والمحافظين.. لكن المرأة الذكية الناجحة هى من تدرك أنها لابد أن تتأخر خطوة ولو بسيطة وتعطى للرجل قيمته وقدرته، والرجل لابد أن يسعد بنجاح زوجته، ويعتبره نجاحًا للأسرة لكننى أرى أن هذا المبدأ مرهون ببداية الزواج نفسه هل جاء نتيجة حب وقناعة كل طرف بالطرف الآخر، فالإجبار على الزواج هو بداية الفشل والشقاق، وإذا لم يوجد الحب والتفاهم والقناعة فإن الاتجاه الوحيد سيكون النزاع والخلاف والمشاكل التى تحدث فى دهاليز المحاكم.

الحقيقة أن تعاطى الأم مع ابنتها أو ابنها أساس متين لنجاح الحياة الزوجية، فيجب أن تكون فى منتهى الحكمة فيعتبر زوج ابنتها هو أحد أبنائها، أو أيضًا تعتبر الزوجة إحدى بناتها ..ولكن كثرة التدخلات والتحريض وأحيانًا الغيرة والتربص والوقيعة بين الزوجين وهو أمر غير محمود ويسبب كوارث أسرية، هناك أيضًا طريقة التربية أو التنشئة للزوجة أو الزوج، فإذا كان ابن أمه شديد الارتباط بها فإنه يثير حفيظة الزوجة، ولم تنجح أسرة الزوج فى تربيته على قيادة أسرة أو تحمل مسئولياتها وهو دائم الاحتياج حتى فى اتخاذ القرارات الأسرية وإدارة البيت، حتى فى عواطفه إلى الأسرة وخاصة الأم، والنجاح الحقيقى هو القدرة على تحقيق التوازن بين علاقة الزوج بأمه، وعلاقته بزوجته، فلا يجوز أن تجور علاقة على أخري.. لأن كل علاقة لها طبيعتها ومحدداتها.. لذلك القدرة على عدم خسارة أى من الطرفين والتوفيق والتفاهم بينهما ويا حبذا لو وضع خطوطًا حمراء لاحترام الأم وعدم الإساءة إليها والتفانى فى إكرامها، فى نفس الوقت، وعدم السماح لظلم الزوجة أو الجور عليها بإيجاد خط فاصل بين العلاقة مع الأم أو مع الزوجة.

الزوجة أيضًا تبحث عن الحب والاحتواء وليس القسوة والعنف والصوت الهادئ وإكرامها هو من مبادئ الأديان السماوية، ولابد أن تتحلى بالذكاء فى إدارة علاقتها مع الزوج.

المجتمع أيضًا تسبب فى خلق فجوة فى علاقة الأزواج من خلال التمادى فى تشجيع الأفكار السلبية، والابتعاد عن الواقعية والسماح للتحليق بالآمال والأحلام وفق دافع صعب أن يتحقق، وهكذا تفعل الدراما خلال العقود الماضية فى تدمير عقول الشباب والشابات فلا يمكن النظر إلى جميع الناس أنهم أثرياء وأغنياء ولكن هناك من يكافح ولديه الطموح، ويحاول أن يحقق تطلعات الأسرة ويوفر لها العيش الكريم وهناك أسر من الطبقة المتوسطة تماسكها وأبناؤها هم رأسمالها وثروتها الحقيقية، وهؤلاء من يتفانون فى تعليم أبنائهم، والسعى لتغيير واقعهم إلى الأفضل، وهم يمثلون أغلبية المجتمع المصري.

أصل المشكلة لبعض حالات الانفصال والخلافات الزوجية ليس فى قوانين الأحوال الشخصية على الإطلاق، ولكنها فى طريق التربية والتنشئة، وما تقدمه مؤسسات الوعى والتثقيف والتنوير سواء المؤسسات الدينية أو الثقافية والتعليمية والإعلامية ومدى قدرتها على ترسيخ الرضا والقناعة، وكذلك غرس الأصول والعادات والتقاليد، وإدراك طبيعة المجتمع وخصوصياته، ومتطلبات كل طرف من طرفى الحياة الزوجية، قد لا نحتاج إلى قوانين أحوال شخصية، إذا نجحنا فى بناء وتنشئة وتربية أبنائنا، وتعظيم قدرتهم على الحوار والتفاهم والقيادة والاعتماد على الذات، والإيمان بالمرأة واحترامها وكذلك احترام الرجل ودوره، وان العنف وسيلة غير آدمية وهو فعل مرضى لا يقدم عليه عاقل أو إنسان سوي.

الأمر المهم أيضًا، وارتكازًا على قاعدة الود والمحبة والسكينة التى تسود الأسرة يجب ألا يسمح للخلافات الزوجية، أو اختلاف الطبائع، ان يتفاقم ويستشرى ومن المهم امتلاك الذكاء والفطنة، والقدرة على الاحتواء المبكر، فالمرأة لديها طيبة وتستطيع أن تكسبها بكلمة طيبة، والرجل السوى لا يمكن أن يتفنن فى تعذيب أو تعكير صفو الحياة الزوجية.

قوانين الأحوال الشخصية لا تعالج الخلاف من أساسه، ولكنها تتعامل مع نتائجه، حتى فى هذا الأمر طريقة التربية والتنشئة هى الأساس فى معالجة نتائج وتداعيات الخلاف أو أجواء وتداعيات ما بعد الانفصال، فلا يمكن أن تقدم سيدة أو زوجة تلقت تربية وتنشئة رفيعة وإنسانية على أن تحرم الزوج أو الطليق من أبنائه، ولا يوجد رجل شهم وفارس وعلى خلق وتربية يمتنع عن الانفاق على أبنائه أو الانتقام من زوجته السابقة، وتعذيب أبنائه، هذه ليست من صفات الرجال، فالرجل الحقيقى هو من يتحلى بالمسئولية والمبادرة بالخير والاحتواء والتنازل عن بعض المواقف الصعبة، يمد يد العون والود والاحترام والمسئولية، ولا يقدم على السلوكيات والتعاملات التى تسيء إلى تربيته.

مطلوب منا جميعًا قبل التغيير فى الاستخدام للقوانين الشخصية أو تطويرها وسد الثغرات فيها وإنهاء رحلة المعاناة بعد الانفصال أن نبدأ فى التفكير فى البناء منذ الصغر من خلال تربية وتنشئة صحيحة تعتمد على غرس القيم والمبادئ والأصول والاعتزاز بالرجولة، والأنوثة، وألا يأخذ طرف دور الآخر ولا يرتدى ثوب الآخر، فهنا يحدث الخلل، والفساد والتعالى والرغبة فى السيطرة آفات تصيب الحياة الزوجية بالشقاق والخلافات.. يجب أن يعود الآباء إلى الحكمة وعدم تشجيع الأبناء على العناد أو السيطرة، ولابد من غرس التسامح والتفاهم والتعايش وعدم التدخل بين الزوجين وإحاطتهم بالحب وليس بالوقيعة، فكيف لأم أن تأتى إليها ابنتها غاضبة من بيت زوجها وقبل أن تسمع الرواية والقصة تبادرها بالقول هعملك فيه وأسوى وأشرده وأخليه عبرة لمن يعتبر.

وكيف لأم الزوج أن تحرض الابن على العناد وتطليق الزوجة دون مراعاة لمصلحة الأسرة والأبناء، الحقيقة أن مبدأ «ان يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما» يجب أن يكون حاكما.. فعلى الأسرتين سواء أسرة الزوج أو الزوجة أن يتحليا بالحكمة وإصلاح ذات البين، وعدم التحريض على العناد أو الإساءة لأى طرف، ولكن التذكير بالحب والمودة والأيام الجميلة ومحاسن الزوجة، ومواقف الزوج، والتغاضى عن بعض أخطاء الزوج أو الزوجة أو ما يصدر منهما من إساءات فى حق أى من الأسرتين لأن فتحة الصدر و«حودة كرامة» على أمور تافهة هى سبب البلاوى الأسرية.

المجتمع أيضًا قبل مؤسساته مطالب أن يغرس فى عقول ووجدان ووعى الأبناء والبنات مبادئ الزواج الناجح، والتعريف بطبيعة الزوجة ودورها ومسئولياتها وكيف تتعامل مع زوجها، وكيف تحترم مكانته وقدره، وتجعله يشعر بأنه أفضل الرجال فى الكون، وكيف يستطيع الرجل أن يحترم زوجته.. ويجعلها تشعر بأنها جميلة الجميلات ودائمًا يشجعها ويحترمها ويساعدها ولا يسيء إليها ولا يقلل من قدرها أو شأنها أو يستمع للتحريض ضدها.

أيضًا على الدراما والإعلام أن يظهرا أسباب الزواج الناجح، والخلطة السحرية والمثالية لترسيخ الحب والاحترام والتفاهم بين الزوجين ورصد أخطاء يقعان فيها تؤدى إلى الخلاف والشقاق، وعدم ترسيخ الندية بين الزوجين، ولكن ترسيخ الاحترام وأن يؤدى كل منهما دوره.

المؤسسات الدينية أيضًا مطالبة ببعض الوعى بتعاليم الأديان، وبيان فلسفة وأهداف الزواج الذى يعتمد على المودة والسكينة، وحقوق الرجل، وحقوق المرأة والمعاملة الطيبة والرقيقة وتقديم العون والدعم، فلسنا فى معركة أو مناكفة أو تحد.

رسالة نبيلة وأن ندرك ما قاله ربنا «وخلق منها زوجها» لذلك فالرجل عليه دور لأنه الكبير فى قدرته على الاحتواء والتكفل، والمرأة كائن رقيق لا يمكن أن يخرج عن طبيعته من قسوة وندية وتراشق واساءات وتجبر وانتقام.

علموا أولادكم كيف يتحملون مسئولية حياة زوجية ناجحة تسودها المحبة والمودة والسكينة، وعلموا بناتكم الاحترام والتأدب والرقة وتقدير الرجل الذى يجب أن يدرك أن الزوجة هى أمانة وضعها المولى عز وجل بين يديه.. على المرأة أن تدرك أن انفعال الزوج أو اساءته فى لحظة غضب لا يعبر عن مكنون حبه وتقديره لها، فلابد أن نغفر لبعضنا البعض زلات اللسان فى لحظات الغضب، وعلى الأسر أن تتحلى بالحكمة ليس فى حالة الزواج فقط ولكن أيضًا فى حال الانفصال والطلاق لا قدر الله.

قوانين الأحوال الشخصية لن تربي، ولا تخلق تنشئة صحيحة لكنها تعالج نتائج وتداعيات وتتصدى لممارسات خرجت عن نطاقها الإنساني، لكن الأفضل أن تكون لدينا رؤى للتربية والتنشئة الصحيحة، وأيضًا «كتالوج» عبقرى لإدارة العلاقات الزوجية، بإيجاد مجموعة من المبادئ والفنون التى تعطى دفعة قوية لاستمرار الحياة الزوجية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة