الخميس 16 مايو 2024

جمعتهم الصداقة والسينما والمنافسة الشريفة ملك الترسو .. والدنجوان لقاء بعد الموت

4-8-2017 | 14:20

 

بقلم – سامح فتحى

يحمل يوم ٢٧ من يوليو كل عام من بعد عام ١٩٨٠ ذكرى مؤلمة للسينما المصرية، وعلامة فارقة فى تاريخها ومجدها، فقد صادف ذلك اليوم رحيل ثلاثة من أعلامها وهم «الدنجوان رشدى أباظة الذى رحل فى ٢٧ يوليو عام ١٩٨٠، و الملك فريد شوقى والذى رحل فى ٢٧ يوليو عام ١٩٩٨، والمخرج العالمى الذى لقب بالأستاذ يوسف شاهين فى ٢٧ يوليو ٢٠٠٨»، العمالقة الثلاثة لهم بصماتهم الواضحة على السينما المصرية والعربية، تلك البصمات التى شكلت تاريخها، وأقامت مجدها، وجعلتها المتفردة بالتميز على مدار سنوات ليست بالقليلة، وعلى الرغم من تدفق إنتاجهم إلا أنه لم يوجد العمل الذى جمع ثلاثتهم فيه حتى احتواهم ذلك اليوم، وجمعهم معا فى رحلتهم الأبدية إلى عالم الخلود، وقد شارك فريد شوقى مع يوسف شاهين فى خمسة أفلام هى « بابا أمين» و « صراع فى الوادي» و» باب الحديد» و « نداء العشاق، و«إسكندريه ليه»، بينما شارك رشدى أباظة مع شاهين فى عمل واحد فقط هو « جميلة بو حريد» .

وعند النظر إلى العلاقة الفنية الخاصة التى جمعت بين النجمين المميزين فريد شوقى ورشدى أباظة سنجد أنهما بدايةً قد جمعتهما صداقة عميقة، وصلة قوية، وود حقيقى جعلهما لا يفترقان فى فترة من حياتهما، يتبادلان الأسرار، ويتناجيان بالهموم الحياتية، وتجمعهما العلاقة الإنسانية، ووشائج المحبة، لكن كل ذلك لم يحل دون المنافسة الشريفة والغيرة الفنية الضخمة العميقة التى تدل على طبيعة كل منهما، وأنهما فنانان من طراز نادر، يريد كل منهما أن يقدم موهبته ويغار من القدرة التمثيلية للآخر، فإذا أبدع فريد شوقى فى عمل أراد رشدى أباظة أن يقوم هو بدور يبدع فيه ويثبت موهبته وكذا العكس، فقد كانت غيرة فنية لصالح الفن وليست غيرة نفسية تحمل الضغائن والحقد والحسد.

اللافت أن بداية العملاقين كانت مع سيدة الشاشة فاتن حمامة، حيث كان أول فيلم لفريد شوقى هو «ملاك الرحمة» عام ١٩٤٦ ليوسف وهبى وفاتن حمامة، وقد ظهر فيه فريد شوقى بدور محقق، وكان دورا صغيرا فى بداياته . وجاءت بداية رشدى أباظة فى دور بطولة عام ١٩٤٨ فى فيلم «المليونيرة الصغيرة» من بطولة فاتن حمامة، وقام فيه الدنجوان بدور طيار . وحقق هذا الدور نجاحا كبيرا؛ مما جعله يقرر السفر للخارج والعمل فى الأفلام العالمية لكنه لم يحقق النجاح فى الخارج، فعاد ليسند له المخرجون أدوارا صغيرة عكس بدايته، لكن المخرج حسين فوزي، المقتنع بإمكانياته تماما، أسند إليه دور البطولة فى فيلم « بحر الغرام» ١٩٥٥ أمام النجمة نعيمة عاكف، فحقق نجاحا جعل المخرج يسند له دور البطولة فى فيلم « تمر حنة» ١٩٥٧ أمام نعيمة عاكف أيضا، فصار بهذا الدور البطل الشعبى الذى يتعلق به جمهور السينما، فاختاره المخرج عز الدين ذو الفقار بسبب تلك المواصفات الشعبية التى أبدع فى أدائها ليقوم بدور بطولة فى فيلم «امرأة فى الطريق» ١٩٥٨، فصار رشدى أباظة نجما محبوبا من الجماهير، يستطيع أداء دور الرجل الشعبى ابن البلد بقوة وتفهم تجذبان الطبقة الشعبية، فأسند إليه المخرج عاطف سالم دور البطولة فى فيلم « صراع فى النيل» ١٩٥٩؛ ليطل رشدى أباظة على الجمهور فى دور الرجل الصعيدى الذكى القوى المدافع عن حقوق أبناء قريته الذى ينجح فى المهمة الموكل بها . ثم يغير المخرج عز الدين ذو الفقار من تلك التيمة التى أداها رشدى أباظة بنجاح، أو تيمة أبناء البلد؛ ليقدمه فى فيلم « الرجل الثانى» ١٩٥٩ الذى ارتفع برشدى أباظة وجعله نجم الشباك الذى يتهافت عليه المنتجون والجمهور من أجل مشاهدته والاستمتاع بأدائه المتنوع .

وقد حرص رشدى أباظة من بعد نجاحه فى فيلم «امرأة فى الطريق» الذى أداه دون ماكياج أن يقوم بمعظم أدواره دون ماكياج، واستعاض عن الماكياج الخارجى بالماكياج النفسى إن جاز التعبير، حيث كان يهمه فى المقام الأول اقتحام العالم النفسى للشخصية وتفهمها تماما من ناحية البيئة والسلوك، ثم من ناحية الملابس التى تعكس ظروف الشخصية وطبيعة حياتها، فكان ينطلق إلى العالم الحقيقى الذى سيتقمص شخصيته، فيذهب للأماكن الشعبية ليعايش أبناءها إن كان سيقوم بدور شعبي، وكذا يذهب للمدن أو السواحل أو الشركات الخ، إن تطلب دوره ذلك ليتعرف على طبيعة هذه البيئات التى تعيش فيها الشخصية، ثم يلتقط ملابسها فيصممها بنفسه، أو يطلب من المصممين أن يصمموها بحيث توافق ملابس الشخصية الحقيقية ولا تخرج عنها كما حدث فيلم « صراع فى النيل»، حيث استعان بأحد عمال المراكب لتفصيل ملابسه، فجاءت عبارة عن سروال طويل، وفانلة ذات أزرار، وطاقية. وفى فيلم « بحر الغرام» طلب توافر بنطلون قديم جدا، وصديرى متهالك، وطاقية قديمة. وفى فيلم «ملاك وشيطان» اختار القميص التقليدى والبنطلون الكاكى القديم لشخصية عزت.

ونجد أن أول بطولة حقيقية لفريد شوقى كانت فى فيلم « خارج على القانون»١٩٥١ من إخراج محمد عبد الجواد، وقد قام فريد شوقى فى هذا الفيلم بدور «خط الصعيد» أو المجرم العنيف المسيطر على منطقة ضخمة من الصعيد، ويدين له أفراد عصابته بالولاء، كما يرهبه الناس ويخشونه، شارك فى هذا العمل شكرى سرحان، ورغم اجتهاد فريد شوقى فى الأداء إلا أن النتيجة كانت مخيبة للآمال، حيث فشل ذلك العمل فشلا كبيرا جعل فريد شوقى بعدها يحاول أن ينساه ولا يذكره - متعمدا - فى أحاديثه عن أعماله . وقرر فريد شوقى أن يعيد اكتشاف نفسه فى عمل من قصته وإنتاجه، فقام بتقديم فيلم « الأسطى حسن» ١٩٥٢ الذى أدخل معه فى الإنتاج شركة الهلال للإنتاج، فلقى العمل نجاحا ضخما، وحضورا جماهيريا كبيرا، أعطى لفريد شوقى الثقة التامة فى قدراته وأدائه المبهر؛ ليقوم بدور مميز جدا فى تاريخه فى فيلم « حميدو» ١٩٥٣ الذى لقب من بعده بوحش الشاشة، وملك الأكشن، وصار نجم الشباك الأول فى حينها . أما لقب الملك الذى كان يحبه فريد شوقى فقد لقب به بعد فيلم «شياطين الليل» ١٩٦٦ للمخرج نيازى مصطفى الذى أخرج معظم أفلام فريد شوقي، واقترن نجاح فريد شوقى بنيازى مصطفى، كما اقترن نجاح نيازى بفريد شوقى .

وقد أثر فريد شوقى فى المجتمع والتشريعات القضائية، حيث استطاع بأدائه البارع أن ينقل بعض القضايا التى كانت تؤرق عددا ضخما من أفراد المجتمع، وتقف حجر عثرة فى سبيل حياتهم، ومن ذلك أداؤه فى فيلم « حميدو» الذى تسبب فى تشديد العقوبة على تجار المخدرات لتصل إلى حدها الأقصى وهو الحكم بالمؤبد . ومن خلال أدائه فى فيلم « جعلونى مجرما « استطاع أن يقنع رجال التشريع والقانون بإلغاء السابقة الأولى فى سجل المجرم الذى يقرر أن يتوب ويعيش حياة شريفة كريمة، بعد أن تسببت هذه السابقة فى تدمير حياة المجرم التائب فى الفيلم. كما انتزع أداء فريد شوقى فى فيلم « كلمة شرف» تشريعا باستطاعة المحكوم عليه بالسجن الخروج لحضور مناسبات قوية تخصه مثل زواج أحد أبنائه، أو زيارة مريض له من الدرجة الأولى . ومن خلال فيلم « رصيف نمره ٥» تم استصدار تشريعات بتغليظ عقوبة الراشى والمرتشى لتصل إلى خمس سنوات وفق الجريمة . وكل ذلك يثبت عبقرية فريد شوقى وأداءه المميز الذى أثر فى المشاهدين والمسئولين، وغير من واقع الحياة حوله، بما يدل على أهمية الفن كقوة ناعمة فى المجتمع لها تأثيرها الضخم .

وقد دلل الفنان فريد شوقى على عمق علاقته برشدى أباظة وسموها ورقيها الإنساني، فعندما أصيب رشدى أباظة بمرضه الخطير الذى مات به، وكان يعالج فى المستشفى رفض تماما تصويره أو عمل أى حديث صحفى حتى لا يراه جمهوره فى ضعفه ومرضه بعد أن شاهده فى قوته وعنفوانه، ولكن حدث أن تمكنت صحفية من التنكر فى ملابس ممرضة، وانتهزت فرصة غيبوبته وراحت تصوره على هذه الحالة، وبلغ ذلك الأمر فريد شوقى الذى انزعج مما سيشعر به صديقه عندما تنشر هذه الصور، فاتصل بالصحفية واستطاع أن يقنعها بعدم النشر، بل ويأخذ منها أصول هذه الصور، وهددها باللجوء للقانون إن هى خالفت ذلك فامتثلت، وأنقذ صديقه فى مرض موته مما كان سيؤثر عليه ويعجل بلحظاته الأخيرة .

وقد التقى العملاقان معا فى أفلام متنوعة وهى «رجل لا ينام» ١٩٤٨ ، و«أولاد الشوارع» ١٩٥٠ ، و» الأسطى حسن» ١٩٥٢، و«جعلونى مجرما » ١٩٥٤، و«بور سعيد» ١٩٥٧، و «تجار الموت» ١٩٥٧ ، و«سلطان» ١٩٥٨، و«واإسلاماه» ١٩٦١ ، و«طريق الشيطان» ١٩٦٤، و «كلمة شرف» ١٩٧١، و « وكر الأشرار» ١٩٧٢ ، و» توحيدة « ١٩٧٦ و«القضية المشهورة» ١٩٧٨. وكان التقاؤهما فى هذه الأعمال بمثابة مباراة فنية عالية وحامية الوطيس، وعلى مستوى راقٍ من الأداء بما انعكس على جودة الأعمال ونجاحها، ففى فيلم « رجل لا ينام» من إخراج وتمثيل يوسف وهبي، قام فريد شوقى بدور مجرم مهرب، وكان هذا الدور بمثابة فتح كبير، بدأ فى إثبات موهبته، وكان هذا الفيلم هو الأول الذى يُرسم فيه فريد شوقى على أفيش الفيلم، ، وللغرابة فقد جاء أفيش الفيلم خاليا من رشدى أباظة، كما لم يُوضع اسمه على تتر الفيلم بالرغم من أن رشدى أباظة قبل هذا العمل قام ببطولة فيلم « المليونيرة الصغيرة» .

وقد تمكن فريد شوقى من أداء دور المهرب المجرم الذى تقوم عليه حوادث العمل، فهو يدفع عشيقته ( مديحة يسري) لاستغلال سذاجة الطبيب الثرى كبير السن ( يوسف وهبي)، وإيهامه بحبها له، فينساق خلفها تاركا أسرته، وينفق عليها أمواله حتى يكتشف تلاعبها به، فيقرر قتلها ويخنقها ويتركها ويظن أنه قتلها، ثم يتم القبض على فريد شوقى بتهمة قتلها، فيؤنب الضميرُ الطبيبَ الذى يظن أن هناك من سيُعدم ظلماً فى جريمة هو الذى ارتكبها، لكن الحوادث تتكشف، ويتبين أنه عندما ظن أنه قتل العشيقة لم تكن ماتت بالفعل، وحضر من بعده عشيقها فأجهز عليها، ويوضح هذه الحقائق ويقدمها الضابط ( رشدى أباظة ) الذى يلقى القبض على المجرم، ويُحكم عليه بالإعدام شنقا . وهذا العمل لم يُظهر قدرات رشدى أباظة الذى ظهر فى نمط تقليدى لضابط المباحث المجتهد، بينما أظهر قدرات فريد شوقى التمثيلية المميزة بالفعل .

وفى فيلم « أولاد الشوارع» من إخراج وتمثيل يوسف وهبى ومديحة يسري، وفاخر فاخر، وعمر الحريري، كانت مساحة دور رشدى أباظة أكبر من مساحة دور فريد شوقي، لكنهما لم يكونا بطلين أو مؤثرين فى الحوادث، ولم تظهر قدراتهما التمثيلية الهائلة، فقد كان فريد شوقى هو المجرم البلطجى الذى يظهر فى مشهد واحد داخل ملهى ليلى يضرب أحد الشباب الذى يجالس عشيقته، فينبرى البلطجى الآخر ( فاخر فاخر ) ليؤدب فريد شوقى ويقتله ويهرب، ويكون دور رشدى أباظة الضابط الذى يبحث عن المجرم ( فاخر فاخر ) حتى يلقى القبض عليه .

وفى فيلم « الأسطى حسن» للمخرج صلاح أبو سيف، وإنتاج فريد شوقي، يتمكن فريد شوقى بحرفيته وطبيعة دوره أن يتفوق ويقدم دورا نموذجيا للعامل البسيط الذى يعمل فى ورشة خراطة وحدادة، ويتمرد على حياة الفقر مع أسرته؛ ليعيش حياة الثراء مع عشيقة تمتص شبابه ثم تتركه لآخر( رشدى أباظة )، ثم يفيق من غفلته ليجد نفسه متهما بقتلها حتى يعترف القاتل الحقيقى فيعود للرضاء بحياته القديمة . ولم يكن دور رشدى أباظة بالدور العريض فى المساحة أو الدراما، فلم يخرج عن كونه عشيق السيدة الثرية الذى يصطدم أحيانا بعشيقها المنافس فريد شوقي، ويتغلب عليه بعد امتصاص العشيقة لقوة فريد شوقى .

وفى فيلم « جعلونى مجرما» للمخرج عاطف سالم، ومن إنتاج فريد شوقى يناضل سلطان ( فريد شوقى ) فى الحياة ويقاسى من تحجر قلب عمه الغنى الذى أدخله الإصلاحية وتنكر له، ثم حوّل حياته لجحيم بعد أن غادر الإصلاحية، خاصة عندما أحبت سلطان «ياسمينة» تلك السيدة التى عشقها العم ولم تبادله الحب، ويدبر لسلطان جريمة، فعندما يذهب سلطان ليشاهد ياسمينة فى الملهى الليلى يتمكن صاحب الملهى «رشدى أباظة» بإيعاز من العم بإلصاق جريمة قتل به، ويشهد عليه شهود الزور الذين اتفق معهم العم، بل يشهد العم كذلك عليه، ويحكم عليه بالسجن المؤبد فيقرر الهرب . ويمضى فى رحلته حتى يقتل العم، ولا ينفعه إثبات براءته من تهمة القتل التى دبرها عمه. وفى هذا العمل كانت مساحة الدور ونوعية الدراما خادمة لفريد شوقي، حيث الدراما كلها قائمة عليه، بينما رشدى أباظة كان دوره هامشيا ثانويا لم يظهر أى مقدرة فنية له .

ويتكرر أمر الدور الضخم لفريد شوقى فى مقابل الدور الصغير لرشدى أباظة فى فيلم «بور سعيد» للمخرج عز الدين ذو الفقار، وإنتاج فريد شوقي، والذى يتناول مؤامرات الإنجليز على مصر عام ١٩٥٦، ومحاولاتهم احتلال القناة ومصر مرة أخرى، ففى بور سعيد يعيش الصديقان الجاويش طلبة «فريد شوقي» والضابط البحرى فتحى «شكرى سرحان»، وتمضى الحياة فى الحارة سعيدة، وهناك فايز «رشدى أباظة» المرشد بالبحرية وصديق فتحي، وتتداخل الحوادث ليتم الكشف عن الجاسوسة الإنجليزية مس بات «ليلى فوزي» التى تحاول إيقاع الفتن بين فتحى وطلبة، واستغلال طلبة فى جلب المعلومات لكنها تفشل، ويتمكن طلبة من إفشال خطة ضابط المخابرات الإنجليزى جيمس فى تعطيل القناة، ثم يبدأ العدوان الثلاثى فيُستشهد فتحي، وترتكب القوات الإنجليزية فظائع فى بورسعيد، ويقوم طلبة بخدعة من خلالها ينقذ حبيبته، ويدمر الأهالى المعسكر الإنجليزى .

وفى فيلم « تجار الموت «للمخرج كمال الشيخ تظهر المساحة المتسعة قدرات فريد شوقى فى أداء دور مراد حسنى الذى يعمل صرافا بإحدى الشركات، ويخسر أمواله فى القمار لصالح الدكتور عباس ( محمود المليجى )، فيهاجم عباس الذى يقنعه بالاشتراك فى جريمة من جرائم عباس حيث يدير عصابة تخصصت فى صرف أموال التأمين بقتل أحد المستفيدين لصالح مستفيد آخر، مع خصم نسبة العصابة من هذه الأموال، ويعمل مع عباس مساعده (رشدى أباظة) الذى يعاونه فى هذه الجرائم، وأحيانا يقوم بالقتل، وفى النهاية يتم القبض على عباس وعصابته . ولم يتمكن رشدى أباظة من تحقيق ذاته فى هذا العمل وإظهار تألقه التمثيلي، لكنه بكل تأكيد تمكن من أداء دور المجرم المحترف بكل اقتدار وفنية عالية ظهرت بوضوح فى فيلمه «الرجل الثاني» .

وزادت مساحة دور رشدى أباظة فى فيلم « سلطان» للمخرج نيازى مصطفى، وإن لم تدان مساحة دور فريد شوقى الذى قام عليه العمل وحوادثه، فسلطان يعانى من ظلم المجتمع له واستباحة آدميته، فكان وهو طفل يخدم مع أسرته لدى ضابط الجيش « عدلى كاسب» وزوجته وطفله عصام « رشدى أباظة « الذى يدبر لسلطان بعض المواقف مثل اتهامه بالسرقة، فيظل زوج أمه يضربه ويجلده، فيرسخ فى ذهن سلطان معنى الامتهان والعذاب والألم مقترنا بالأزرار الصفراء التى توجد فى ثياب الخفير زوج والدته والذى يجلده وهو مرتديها. وعندما يكبر سلطان ويلتحق بالجيش جندياً يجعله ضابط الجيش يعمل معه مراسلة له ولأسرته، وتوهمه الخادمة بحبها، وتتفق مع عشيقها على سرقة بعض الذهب من منزل الضابط واتهام سلطان . ويلقى البوليس القبض عليه بتهمتى الهروب من الخدمة، وسرقة ذهب من منزل الضابط ، ويحكم عليه بالجلد والسجن، ويتشاجر مع عشيق الخادمة ويظن أنه قتله، ويهرب للجبل ليتحول لمجرم خطير، ويحاول البوليس ممثلا فى عصام أن يلقى القبض عليه، حتى يُقتل برصاص الشرطة فى نهاية العمل.

وفى فيلم « واإسلاماه»قام فريد شوقى بدور الجاسوس الخائن المتعاون مع التتار «بلطاى»، بينما قام رشدى أباظة بدور المملوك بيبرس المحب لمصر والمدافع عنها، وقد كانت المنافسة التمثيلية بينهما هائلة كل فى دوره، فتمكنا من أداء الشخصيتين بمهارة وقوة، خاصة فى المشاهد التى جمعتهما بعضهما ببعض؛ مما جعل نجاح العمل محققا، وترك بصمة واضحة فى ذهن المشاهدين الذين يتذكرون دور بلطاى جيدا، ومحاولة بيبرس عندما كان يختبره أن يخدعه، لكن بلطاى أثبت مهارته فى الفنون القتالية، وتنبه لمهارة بيبرس وأوقفها، فكان الاثنان فى قمة التناغم والمهارة، لا يتقدم أحدهما على الآخر فى الإجادة .

وينتج رشدى أباظة فيلم « طريق الشيطان» للمخرج كمال عطية، فيأتى دوره مساويا تماما لدور فريد شوقي، ويُعد الفيلم هو أكبر الأفلام التى احتوت على مساحة ضخمة لدوريهما أمام بعضهما، حيث تقوم دراما العمل عليهما سويا، فلم يخل مشهد من وجودهما معا، فهما فى العمل صديقان جمعهما ممارسة القمار، ويتنافسان على حب الراقصة (سامية جمال) التى تحب رشدى أباظة ويبادلها الحب، ويتعرف فريد شوقى على شويكار من خلال ممارسة القمار فينجذبان لبعضهما، ويحدث أن يكتشف الناس غش فريد شوقى ورشدى أباظة فى اللعب فيطاردوهما فيهربا حيث يختبئان لدى بائعة عاجزة، ويطلبان الطعام والسجائر، وبعد ذلك يرفضان دفع الحساب، ويدفعها فريد شوقى لتسقط أرضا ثم يشفقان عليها، ويقرران تغيير حياتهما للأفضل، ويستأجران منزلا ليعيشا فيه مع شويكار وسامية جمال، ويقرران افتتاح مشروع خاص لكن ينقصهما المال، فتأتى شويكار ببعض المال من الدعارة فيغضب فريد شوقى ويطردها، ويعمل عامل توصيل للمنازل، لكنه يُتهم فى جريمة قتل بعد أن أحب ابنة صاحبة مقهى ( مديحه سالم)، ويستطيع صديقه رشدى أباظة إثبات براءته ليعودا سعيدين .

وفى فيلم « كلمة شرف» للمخرج حسام الدين مصطفى، ومن إنتاج فريد شوقي، وعلى الرغم من مساحة دور رشدى أباظة الصغيرة، والمتمثلة فى الضابط الكبير الذى يأتى ليقوم بجولة تفتيشية على السجن الذى به السجين سالم «فريد شوقى» المشهور بتكرار محاولاته الهرب؛ ليثبت لزوجته براءته قبل موتها، فتتراكم عليه الأحكام، وقد قبل المأمور « أحمد مظهر» أن يذهب سالم خلسة ليرى زوجته قبل موتها ثم العودة للسجن سريعا بعد أن أعطاه سالم كلمة شرف بالعودة مسرعا، لكن يحضر الضابط الكبير ويسأل عن سالم، فيرتبك المأمور ويذهب معه لزنزانته وهو متأكد أن سالم لم يحضر، ويرى أن مستقبله قد انتهى حتى يفاجأ بوجود سالم فى الزنزانة الذى التزم بكلمته وأنقذ المأمور من مصير مأساوى . فرغم هذا إلا أن ذلك الدور الصغير لرشدى أباظة صار علامة فى تاريخه السينمائى الحافل، فقد تمكن بصورة غير قابلة التكرار من أداء دور الضابط الكبير، وكانت نظراته النارية كفيلة ببث الرعب فى المشاهدين خوفا على مصير المأمور المحترم، فصار الجمهور يتذكر هذا العمل بنظرات رشدى أباظة وإتقانه دوره، مع البراعة منقطعة النظير لفريد شوقي، والقدرة التمثيلية الهائلة والدور الرائع .

وفى فيلم « وكر الأشرار» من إخراج حسن الصيفي، يؤدى رشدى أباظة دور طبيب ثرى جدا، يحضر من الخارج بسيارته، فتستغل عصابة كبيرة لتهريب المخدرات تلك السيارة وتضع بها مخدرات دون علم الطبيب، ثم ترسل له فتاة ليل ( هند رستم ) لتتلاعب به بحجة الحب، ويقع بالفعل فى حبها، ويكون الضابط المسئول هو فريد شوقى الذى يعرف ببراءة الطبيب، ويفهم ما تقوم به هند رستم، ويحذره منها ومن العصابة، لكنه يرفض أن يترك حبيبته حتى يتم القبض على العصابة، ويظهر أن هند رستم من المتعاونات مع البوليس فى الخفاء . وقد تمكن الاثنان من إجادة دوريهما، لكن الفيلم لم يكن له بصمة واضحة فى السينما المصرية .

وفى فيلم « توحيدة» للمخرج حسام الدين مصطفى، المأخوذ عن عمل أجنبي، تجمع المشاهد الكثيرة بين رشدى أباظة وفريد شوقى بصفتيهما صديقين يعيشان بالإسكندرية، حيث يمتلك فريد شوقى مقهى يجلس عليه مع صديقه رشدى أباظة الثرى جدا، والذى يجالس فريد شوقى فى جلسات مختلفة سواء فى المنزل أو فى المقهى أو لاحتساء الخمر، ولفريد شوقى ابن هو نور الشريف، يحلم بالسفر والعمل بالخارج لجمع المال الوفير، وهو يحب توحيدة (ماجدة الخطيب) ابنة صاحبة المخبز (سناء جميل)، ويلتقى نور الشريف وتوحيدة لقاء جنسيا تحمل على أثره منه، ويسافر للعمل للخارج دون إخبار والده الذى يغضب جدا، وكان رشدى أباظة يحب توحيدة؛ فيتقدم لخطبتها ويعلم منها كل شيء، وأنها حامل فيصر على استكمال الزواج إنقاذا للموقف، وتنجب توحيدة طفلا جميلا يتبناه رشدى أباظة ويعطيه اسمه، ويعود نور الشريف من السفر ويطلب عودة توحيدة وابنه إليه، ويعرض كل أمواله على رشدى أباظة الذى يرفض ذلك، كما ترفض توحيدة، لكنها تحن إليه بعد ذلك، فيضحى رشدى أباظة بحبه ويعيدها مع ابنها إليه، مع توصيته بهما .

ونجد فيلم « القضية المشهورة» للمخرج حسن الإمام، مأخوذ من فيلم لحسن الإمام كذلك هو « الملاك الظالم»، المأخوذ عن قصة عالمية، ويتناول قصة ذلك الرجل الأمين ( فريد شوقى )، الذى يعمل لدى رجل غنى يطمع فيه مجرم هو جسور ( كمال الشناوى )، فيقتل جسور ذلك الرجل الثري، وتراه زوجة فريد شوقى فيقتلها، وتكون ابنة فريد شوقى الطفلة حبيسة فى غرفتها، فتظن أن الذى قتل والدتها هو والدها، ويُوجه لفريد شوقى الاتهام بقتل الثرى وزوجته، وتشهد ابنته عليه فيسجن، ويعهد بابنته لصديقه المحامى رشدى أباظة الذى يربى الابنة ويعطيها اسمه، وتكبر لتتزوج من ضابط ( سمير صبرى ) يعمل بالسجن الذى به والدها، وبعد ذلك يعود جسور إلى والدة الرجل الثرى الذى قتله ليأخذ أوراقا هامة منها، ويجدها عمياء ويدعى أنه ابنها، لكن ينكشف أمره ويسجن وتظهر براءة فريد شوقى الذى يعود لابنته .