تحقيق: إيمان النجار
«بريجابالين» المصطلح الأكثر تداولا بين الصيادلة على موقع التواصل الاجتماعى “فيس بوك “، التداول ليس لسعره الذى ارتفع أو لعدم توفره كما هو معتاد فيما بينهم عند الحديث عن أدوية بعينها، ولكن هذه المرة تكرر الاسم بسبب كثرة الطلب على هذا الصنف الدوائى من قبل عدد كبير من الشباب ليس بهدف العلاج، لكن بهدف الإدمان، فقد وجد المدمنون طريقهم لهذا العقار، باعتباره اكتشافاً جديداً أو صيحة جديدة فى الكيف وسارعو إلى شرائه لإشباع رغباتهم الإدمانية رغم ارتفاع سعره، الأمر الذىلفت انتباه إدارة مراقبة المخدرات بوزارة الصحة منذ ثمانية أشهر تقريبا وطالبت اللجنة الثلاثية بالوزارة بإدراجه ضمن أدوية الجداول لكن لم تستجيب لطلبها حتى الآن رغم أنه وكما لاحظت الإدارة فنسبة الإقبال الأكبر عى هذا المستحضر الطبى كما يبدو هدفها التعاطى وليس العلاج .. فغالبية المقبلين عليه من متعاطى المخدرات الترفيهية، وبعضهم بدأ يحصل عليه من خلال الإنترنت أو من يطلقون عليهم تجار الشوارع ، بل وزاد الخطر أن شدة الإقبال أدت من بعض تجار الصنف إلى بيع أقراص مغشوشة للمدمنين.
إدارة مراقبة المخدرات بوزارة الصحة أرسلت إلى اللجنة الثلاثية لدراسة إدراج الـ «بريجابالين» ضمن أدوية الجداول التى لا تصرف إلا بموجب روشتة مختومة، وأكدت في تقريرها أن البريجابالين أصبح خطراً على الشباب فلم يعد البحث عنه في الصيدليات من أجل العلاج ، وإنما الإدمان والأخطر أن هذه المادة تتواجد في حوالى ١١ مثيلا محلى الصنع تحولت كلها إلى سلعة مدمنين بسبب حالة البهجة والراحة النفسية المؤقتة التي يحققها لمن يتناولها ، حسب مسئول بالإدارة المركزية للشئون الصيدلية فإن إدراج مادة البريجابالين المصرى ستحقق فائدة على مستويين، المستوى الأول الداخلى بمعنى حماية المواطن من سهولة الحصول عليه وسوء الاستخدام بتشديد ضوابط الصرف وبالتالى حمايته من إدمانه، المستوى الثانى هو الخارجى لأن مادة البريجابالين فى عدد من الدول العربية ودول الخليج وأمريكا ودول أخرى مدرجة ضمن أدوية الجداول، فأى أى مواطن مصرى لديه الأدوية حتى لو بحسن نية سيواجه بتهمة جلب المخدرات حسب قوانين هذه الدول وحدثت أمثلة لذلك فى دول مثل السعودية والإمارات وغيرها، موضحا أنه بدأت تكثر الشكاوى لدى إدارة التفتيش الصيدلى بشأن الأدوية المتوفر بها هذه المادة، وهذا معناه ان زيادة الإقبال على هذا الدواء من أجل الإدمان تستوجب التحرك لإدراجه ضمن أدوية الجداول، المصادر تؤكد أن إدراج مادة ضمن جدول المخدرات ليس أمرا سهلاً لأنها تستلزم دراسات من الأمانة العامة للصحة النفسية وهل تقدم لها مرضى للعلاج بعد إدمانهم لهذه المادة؟، وكذلك من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وهل تكرر لها واحجامها؟ وكذلك إدارة التفتيش وإدارة مراقبة المخدرات بوزارة الصحة وكل هذه الدراسات تستغرق وقتا، فالأمر ليس عشوائيا، فالمطالبة بإدراج الترامادول عل الجدول بدأت منذ ٢٠٠٢ وظلت حتى تم إدراجه عام ٢٠١٢، حجم سوق البريجابالين ليس كالترامادول لأن سعره كدواء غالى الثمن وتأثيره أقل، وهذا هو ما يعطل إدراج البريجابالين من الجدول.
الدكتور أشرف مكاوى عضو مجلس نقابة الصيادلة كشف ان السنة الأخيرة شهدت إقبالا ملحوظا، بل وغير عادى على شراء الأدوية التى تحتوى على مادة بيرجابالين، فالمادة موجودة فى نحو ١١ مثيلا محلي الصنع بمسميات مختلفة منها ليرولين وهو الأكثر طلبا وبجانب ليريكا وبانيكا وكيميركا وبيرجافليكس وغيرها وكلها، أسعارها متفاوتة كانت تبدأ من ٢٣ جنيها و حتى ٧٤ جنيها وبعد زيادة الأسعار فى يناير الماضى تبدأ أسعار هذه المثائل من ٤٥ جنيها للعبوة لتصل لنحو ١٧٤ جنيها، وما يحدث حاليا هو استمرار لتوجه سلكه المدمنون منذ عشر سنوات تقريبا بالتوجه للصيدليات للحصول على الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية من مهدئات ومسكنات وغيرها، البداية كانت بأدوية الكحة مرورا بأدوية صرع وانتهاء بالنوع الأشهر وهو الترامادول، وللأسف مازال تعامل وزارة الصحة مع هذا الملف يقتصر على إدراج الدواء فى أدوية الجداول، وهذا للأسف كما يقول مكاوى يخلق سوقا سوداء للدواء فمثلا الترامادول كان الشريط ما بين ١٠ و١٥ جنيها وبعد دخوله الجدول ظهر المستورد والمهرب ومصانع بير السلم وبدأ يتواجد عند القهوجى وسائق التوك توك وحتى لدى بعض الباعة ومن يفتحون دواليب ووصل سعر الحبة لـ٢٠ جنيها ليصبح الشريط بـ ٢٠٠ جنيه وكان توزيع الشركة سنويا ٩ ملايين جنيه وصل هذا الرقم فى السوق الموازى لنحو مليار جنيه، وبحجب المنتج يبدأ تجار المخدرات فى التعامل مع بعض الصيادلة وبعض صناع بير السلم أو حتى مع بعض الشركات الموزعة ويحققون مكاسب خيالية من هذه التجارة، وما حدث مع الترامادول يتكرر الآن مع مادة البريجابالين الذى يحقق “كيف” كثير من المدمنين حاليا، حيث بدأ الطلب عليها بشكل واضح وزادت مبيعاتها بنسبة ٤٠٠ ٪ منذ مارس ٢٠١٦ حتى الآن، وتزيد هذه النسبة فى أحد الأصناف تحديدا وهو « الليرولين» ، حيث يقوم المدمن بحالة فرز بين هذه المثائل ليصل للتأثير الذى اعتاد عليه من صنف معين ولا يريد تغييره أو استبداله.
يقول مكاوى كنا كصيادلة نرجح التركيز على صنف معين وهو الليرولين لأنه الأرخص بين المثائل، لكن بعد قرار تحريك الأسعار أصبح سعره مرتفعا وحتى أعلى من مثائل أخرى ومازال السحب عليه مستمرا، ويرفض الزبون استبداله، الأمر الذى يحتاج إلى تفسير واضح وأعتقد أن تحليلا له سيفصح عن الإجابة وهذا الوضع تتحمل مسئوليته وزارة الصحة ونقابة الصيادلة.
صيت هذه المادة يتزايد حتى أن استيراد الدول لها يتزايد، وكان الصيادلة من قبل يشكون من قلة توزيعها وتظل لديهم لتنتهى صلاحيتها، لكن الوضع أصبح مقلقا والإقبال أصبح عاليا جدا، لدرجة أنه بمجرد حديث صيدلى عنها يدخل مئات من الصيادلة يسجلون نفس الملاحظة».
الحزام النارى
الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة القاهرة يشرح مواصفات وخصائص هذه المادة «البريجابالين من المركبات التى تؤثر على كهرباء المخ وتقلل من القلق والتوتر وتقلل الألم وتعالج ما يسمى بألم الحزام النارى وهو التهاب فى الأعصاب يحدث ألما شديدا والبعض ممن يعانون من القلق وتعطى لهم أدوية للقلق وبإضافة البريجابالين لهم تتحسن النتيجة كنوع من تعزيز علاج القلق، واكتشف أن الفئات التى لديها استعداد للإدمان يتناولونها ويصلون لمرحلة الإدمان، وهذا التأثير لا يحدث لدى كل الناس، لكن البعض ممن لديهم استعداد للإدمان ومن يتناولونه بدون وصفة طبية وبكميات كبيرة، أيضا تحولت لدى البعض إلى مادة إدمانية وظهر بأسماء تجارية مختلفة، ومن خلال متابعتى للمرضى المدمنين فوجئنا بتناولهم لها كمادة إدمانية منذ أكثر من عامين، المشكلة أن هذه المادة كمسكن ليست مدرجة ضمن أدوية جداول المخدرات بوزارة الصحة.
الدكتور سعيد يكشف عن دراسة أجريت فى انجلترا وجد أن نسبة ٥٪ من المرضى الذين يتعاطون أدوية المهدئات والمنومات كعلاج يتحولون إلى مدمنين وهذا يؤثر فيه عدة عوامل منها العامل الأسرى ووجود تاريخ للإدمان أو المرض النفسى فى العائلة فالإدمان أحد أوجه المرض النفسى وهذه نقطة تستوجب أن يكون تناول المسكنات والمهدئات والأدوية المؤثرة على الحالة النفسية عموما تحت إشراف الطبيب ، لكن النقطة الأكثر قلقا هى إقبال فئة من الشباب على إدمان هذه الأدوية كمادة إدمانية وليس بهدف العلاج، وعادة المدمن يكون مدمنا لأكثر من نوع فمثلا يتعاطى ترامادول، هيروين، بريجابالين و حتى شراب الكحة الذى به مادة الكودايين، وفى مثل هذه الحالات احتياج المدمن لها يتزايد مع الوقت فيأخذ عدد أقراص كثير أو يشرب أكثر من زجاجة فالمخ يستوعب كميات كبيرة متزايدة، المهم أن يصل لمرحلة يريدها «عمل دماغ، و«مبسوط ومنتشى»، وفى مرحلة نصف صحيان ونصف عدم صحيان وحالة نشوة»، كلها تشبيهات للحالة التى يريدها المدمن، وعندما يصل لها تبدأ تظهر عليه أعراض انسحابية وألم ويشعر أن شيئا ينقصه ولا يستطيع النوم ويتحول إلى مرحلة عدم القدرة على الاستغناء عن تعاطى أى من هذه المواد».
وطالب الدكتور عبد العظيم بإدراج مادة البريجابالين ضمن أدوية الجداول ولا يصرف إلا بروشتة طبية، استخدامها ولتأثيرها المؤدى إلى الإدمان، فمثلا عندما تبين لسوء استخدام الترامادول تم إدراجه لأنهم وجدوا الناس تدمنه، وبالتالى أى نوع من الأدوية نرصده كأطباء نفسيين وكجهات بحثية وأخرى رسمية يجب التحرك والتوصية بإدراجها، والفئة التى تحتاجه للعلاج الفعلى يكون بروشتة مختومة من الطبيب المعالج».
الدكتورة أمل السفطى أستاذ الأمراض المهنية والبيئية، مدير وحدة السموم والطب المهنى والرياضى بقصر العينى التعليمى الجديد تؤكد أنه وفقا لتقرير لجنة الصحة، تبين أن ارتفاع معدلات الإدمان عموما يرجع جزئيا إلى انتشار المفاهيم الخاطئة بين الشباب بأن المخدرات تزيد من القدرات البدنية والقدرة على مواجهة المحن وحالات الاكتئاب، كما أظهر تقرير أصدرته وزارة الصحة عام ٢٠١٢ أن من ٥ إلى ٦ ٪ من سكان القاهرة مدمنون لنوع من أنواع المخدرات، ويعتبر البانجو هو الأكثر انتشارا يليه الكوكايين والهيروين ثم المخدرات الكيميائية والمسكنات بما فيها البريجابالين، ورغم أن الكشف عن مادة البريجابالين فى تحليلات البول الروتينية لم يكن متاحا لكن حاليا يمكن تحليلها بطرق حديثة.
«البريجابالين أو ليريكا كما تقول السفطى يستخدم لعلاج الألم الناتج عن تلف الأعصاب بسبب مرض السكرى أو «الهربس النطاقى»، أيضا يستخدم فى علاج الألم الناتج عن إصابة الحبل الشوكى وضبط بعض أنواع الصرع، وبالرغم من إمكانية استخدام ليريكا فى التهاب الأعصاب المصاحب لمرضى السكرى يرتبط مع ظهور قرح وتغير لون الجلد، ولا ينبغى أن يتناوله الذين يعانون من أمراض الكلى واضطرابات النزيف أو من لديهم تاريخ إدمان المخدرات أو الكحول، كما أنه لا يستخدم إذا كان هناك حساسية لأدوية مماثلة، ومادة البريجابالين هى المادة الفعالة فى عقار ليريكا ضمن فئة أدوية تسمى مضادات الاختلاج وهى تبطئ النبضات فى الدماغ وتؤثر على المواد الكيميائية التى ترسل إشارات الألم عبر الجهاز العصبي، ووجد البعض أن تعاطى الليريكا يعطى إحساسا مثل الفاليوم وشعورا بالبهجة والراحة النفسية فى نسبة تتراوح بين ٤ إلى ١٢ ٪ من الأشخاص الذين يستخدمونه، وتم تصنيف الليريكا كمواد مخدرة فى الجدول الخامس أو مادة تسبب الإدمان ولكن لديها بعض الاستخدامات الطبية وهى متاحة قانونيا فقط من خلال وصفة طبية.
الأخطر كما تقول د. أمل أن الجرعات الزائدة من هذا الدواء يحدث تغييرات فى المزاج والشعور بالإرهاق والارتباك والأرق والاكتئاب والإثارة والحل الوحيد لعلاج هذه الحالة بغسيل المعدة واستخدام الفحم النشط والتأكد من سلامة التنفس.