السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

أكتوبر المجيد في ذكرى خير الخلق

  • 8-10-2022 | 21:34
طباعة

دقت ساعة أكتوبر إلى جانب ساعة مولد خير الأنام بفارق يوم واحد، ويا لها من كرامة نفسية ومعنوية في نفوس المصريين بتزامن المناسبتين الأقرب إلى قلبهم.
فلطالما أقرته الدولة ضمن باقي المناسبات الدينية التي يُمنح فيها الجميع إجازة رسمية، كما اعتاد فيه المصريون الاحتفال بكل مباهج حلول ذكرى المولد النبوي، وقدموا تلك المناسبة على كل مناسباتهم وأقاموا لها الاحتفالات والابتهالات وكل مظاهر البهجة، حتى بعكس البلد الذي ولد فيه خير الخلق نفسها والتي حرمت الاحتفال به لسنوات.

وسبق هذا الاحتفال مظاهر الفرحة بقدوم الذكرى الـ49 لحرب أكتوبر المجيدة، الحرب التي أقرت واقع الكرامة بمفهوم القوة التي يعقبها سلام المنتصر، والتي ستظل رمزاً للعزة والإباء لسنين طويلة، ووجب معها إدماج كل الأجيال الحديثة من النشء في عملية تناقل وتوريث حكايات وبطولات تلك الحرب، التي أعادت رسم خريطة المنطقة الجيوسياسية بكل تأكيد، وحطمت معها أساطير السطوة وبسط النفوذ للكيان المحتل، بل وجعلت من البيجاما الكستور رمزاً ستظل صوره تجسد وتوثق الثأر المصري الذي كسر الغطرسة الصهيونية للأبد.

فهي الحرب التي أوقفت الزحف الاستعماري للكيان الصهيوني الذي لم يكن ليكتفي بسيناء غرباً على أيه حال، وهو الطامح إلى دولة من الفرات إلى النيل.
فجاء مشروع الشرق الأوسط الكبير كنتيجة منطقية لما حققته حرب أكتوبر المجيدة بعبقرية الجندي المصري، وسلاح البترول الخليجي الذي أكمل طريق مكتسبات الحرب، وجعل من رابط الاتحاد العربي جذعاً قوياً لا يقوى عليه الكيان الصهيوني ولا الأمريكي.

فعمل مشروع الشرق الأوسط الكبير على سد ثغرات وأخطاء الماضي ليصنع ما لم تصنعه آلة الحرب، بتقسيم الوطن العربي (المسمى بالشرق الأوسط حتى يذوب مسمى الوطن العربي ويُستَبدَل بالشرق الأوسط الذي يضم إيران الشيعية وتركيا العلمانية، وكلاهما غير ناطقتين بالعربية)، فينفصل إلى دويلات صغيرة متعددة قائمة على التحزبات والأعراق والأديان والتوجهات، ما بين مسلم سني وشيعي ودرزي وعلوي، ومسيحي أرثوذوكسي وإنجيلي وكاثوليكي وبروتوستانتي وماروني، وعربي وكردي وأمازيغي ونوبي وبدوي وغجري وبربري... إلى آخره.

لك أن تعلم عزيزي المواطن المصري أن مصر بمفردها كان مقدراً لها أن تنقسم بفعل ثورات الخراب إلى عدة دويلات داخل القُطر المصري الواحد، أولها دولة مسيحية عاصمتها الإسكندرية، ومسلمة سنية عاصمتها القاهرة، ونوبية عاصمتها أسوان، وسيناء إمارة إسلامية يتم إعلان إنفصالها عن مصر لتكون الوطن البديل لأبناء غزة، ثم شيئاً فشيئاً تصير الوطن الكامل لكل الفلسطينيين، ومن ثم تُحل القضية الفلسطينية بقطعة أرض مصرية خالصة، وبهذا تحصل دولة الاحتلال على كامل أرض فلسطين بدون إسالة نقطة دم إسرائيلية واحدة، بل على الأرجح ما سال وكان ليسيل إلى ما لا نهاية هي دماء مصرية خالصة، وبعضاً من الدماء الخبيثة لجنود المرتزقة من مختلف الجنسيات.

وحتى بعد رحيل مهندس ومصمم هذا المخطط اللعين المؤرخ اليهودي البريطاني/ برنارد لويس، الذي شهد بنفسه انهيار نظريته ومخططه الذي أفشله المصريون بقوة صنع الثلاثون من يونيو، وهي في تصوري بمثابة الانتصار الثاني لأسطورة العبور، إلا أن الآمال الصهيونية برعاية إنجليزية أمريكية ظلت ولم تزل معقودة على إنجاح هذا المخطط، سواء في الجوار العربي أو لا قدر الله بتكرار محاولة إسقاط الدولة المصرية، ولكن هيهات، فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ولا يُهزَم المصري في أرضه مرتين.

فهذا المُخَطِط/ برنارد لويس، هو يهودي بريطاني ولد في لندن وحصل على الجنسية الأمريكية وحظى بتكريم إسرائيل وتركيا وأمريكا له، أراده والداه أن يكون محامياً فأصبح مؤرخاً ومتخصصاً في شؤون الشرق الأوسط، نال درجة الماجيستير بامتياز عام 1936 عن دراسته في قسم التاريخ بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، مع تركيز على الشرق الأوسط والأدنى، ثم واصل دراسته في دراسات الشرق الأوسط واللغات في ذات الكلية حتى حصل على الدكتوراه عام 1939 عن مصادرة الإسماعيلية (وهي طائفة شيعية ذات ميول صوفية، وتعلم خلالها اللغات العربية والفارسية والتركية. 

وقد حصل على وسام الشرف من وزارة الثقافة التركية عام 1973، والعضوية الشرفية من أكاديمية أتاتورك للتاريخ واللغات والثقافة في تركيا عام 1984، وجائزة التعليم التركية عام 1985، والعضوية التركية الفخرية من أكاديمية العلوم التركية عام 1997، وجائزة السلام من جامعة أتاتورك عام 1998، وغير ذلك من الجوائز والألقاب الشرفية، وفي عام 1982 حصل على الجنسية الأمريكية، وبدأ تأثيره في السياسة الخارجية الأمريكية، ودعا إلى توطيد وتقوية أواصر علاقات العالم الغربي مع تركيا، ما جعل البعض يوصفه بأنه مستشرق من الطراز القديم ليست لديه مشاعر تجاه دول المنطقة باستثناء تركيا.

ومن أشهر ما قدمه لويس هي أطروحة الصراع الحتمي بين العالم الإسلامي والغربي، حيث أعاد إحياء مصطلحه "صراع الحضارات" عام 1990، وبدأ لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الدول العربية والإسلامية، خاصة العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وشمال أفريقيا، والسعودية ودول الخليج، إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات، وقد أرفق بمشروعه المفضل مجموعة من الخرائط المرسومة توضح تصوره لمواقع التقسيم لخطته الشيطانية، ويقول البعض أن ما يحدث في المنطقة العربية والشرق الأوسط ما هو إلا تطبيق لتصورات برنارد لويس، الذي رحل وبقيت مخططاته وخرائطه.

وبقي لنا لزاماً أن نحمد الله على ما حققناه من مكتسبات وانتصارات أكتوبرية، وأكد خطاها الثلاثون من يونيو العظيمة، في قطع حاسم لطريق إعادة رسم المنطقة بقلم مسموم للعقلية الصهيونية.

فتحية من القلب لأبطال أكتوبر، الذين سطروا بأياديهم ملحمة الانتصار الخالدة، وتركوا لنا ميراثاً عامراً من الفخر والعزة والإباء والرأس مرفوعة الهامة.
فما فعله أكتوبر كان نهاية المعركة الحربية وبداية المعركة من خلف الكواليس.

فلننتبه ونعي وندرك ... أن المعركة لم تنتهي بعد، فمعركة الوعي باقية ومرهونة بحجم رؤيتنا وتقييمنا وإرادتنا للبناء والعمل والعمل والعمل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة