السبت 8 يونيو 2024

بالصور.. البلطجية يحتلون عيني «حلوان والصيرة».. ومياه الصرف تفسد علاج السياح

4-8-2017 | 22:54

خلود الشعار

 

تتمتع مصر بجميع الإمكانيات التي تأهلها للمنافسة بقوة بين الدول التي توفر السياحة العلاجية، فهي تشتهر منذ قديم الأزل بالأماكن الحيوية التي توفر العلاج الطبيعي للإنسان، ورغم ذلك كله لم تنافس القاهرة بشراسة بين عواصم العالم التي تشتهر بالسياحة العلاجية.

مصر تحتوي على العديد من المناطق التي تتوفر بها العناصر الطبية مثل "المياه الجوفية والكبريتية والرمال" والتي تعالج الأمراض المتخلفة مثل "أمراض العظام والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والأمراض الجلدية".

 

وتعد السياحة العلاجية مصدرًا للدخل القومي للبلاد وعاملًا أساسيًا لجذب السياحة لمصر، ولكن الحكومة تهتم بمناطق معينة وتغفل أخرى رغم أهميتها الكبرى، حيث تهتم بـ"واحة سيوه" باعتبارها أكثر مكان شهرة للسائحين دون الالتفات لمناطق مثل عين حلوان وعين الصيرة، الذين تحولا إلى أماكن مهجورة دون تحديد سببًا واضحًا لهذا الإهمال الصارخ.

"الهلال اليوم" خاض جولة ميدانية في منطقتي "عين حلوان وعين الصيرة" للتعرف على مظاهر إهمال السياحة العلاجية هناك وأسباب ذلك والإطلاع على الوضع الحالي.

 

عين حلوان

تعد عين حلوان من أشهر العيون التي تحتوي على المياه الكبريتية، ويلجأ إليها المواطنين للعلاج من العديد من الأمراض التي كانت تصيبهم قديمًا.

 

في عام 1939م انفجرت عين ماء معدني طبيعية من باطن الأرض، وفي عهد الخديوي عباس عام 1849م كان الجيش يعسكر بالقرب من "حلوان" وتصادف أن أصيب العديد من الجنود بـ"الجرب"، وكان أحد هؤلاء الجنود يتجول في الصحراء ناحية التلال فاكتشف مياه غريبة تحتوي على "كبريت" وما أن اغتسل فيها حتى تناقصت حكة الجلد وشفي منها، فأخبر رفاقه بالأمر وشفوا مما أصابهم، ووصلت أخبار هؤلاء العسكر للخديوي فأرسل الجنود المصابين بالأمراض الجلدية والروماتيزمية إلى عيون حلوان وكان يتبعهم كذلك العديد من المدنيين، ويقيمون في خيام ويحفروا حفرًا صغيرة، ليخرج منها الماء الشافي.

 

وفي عام 1868م، أرسل الخديوي إسماعيل، لجنة لدراسة هذه العيون وأصدر بعدها فرمانًا ببناء منتجع حراري، وتم الانتهاء منه عام 1871م وبني فندقًا بالقرب منها، وقد عهد بإدارة المنتجع عام 1872م إلى أحد الباحثين الذين درسوا تأثيرات مياه حمامات حلوان الطبية.

 

التدفق السياحي

وفى عام 1899م، افتتح "عباس حلمي الثاني" عيون حلوان الكبريتية بعد تشييد مجموعة الحمامات الحالية واندفع السائحون إليها من مختلف البلدان وهنا بدأت حلوان تصبح منتجعًا سياحيًا، وخاصة بعد تخصيص فندق للحمامات في شارع "منصور".

 

وأسس مركز حلوان الكبريتي للروماتيزم والطب الطبيعي والذي يضم 38 حجرة للعلاج بالمياه الكبريتية وغرفًا للاستراحة، وشاليهات لإقامة المرضى على بعد خطوات من أماكن العلاج وجميعها محاط بحدائق جميلة، لتوفير مكان رفيع لإقامة المرضى.

 

وكر للبلطجية

وبدون مقدمات بدأت عمليات الاهتمام تقل والترويج لها يتوقف بل وصل الأمر مؤخرًا إلى أن يضربها الإهمال ويحتلها البلطجية تجار المخدرات، فأحمد رمضان، أحد المواطنين يقول إن المركز أصبح مهجورًا وتحول لـ"وكر" لتعاطي المخدرات ليلًا، فقد كان هذا المركز يذهب إليه المواطنين من كافة انحاء البلاد للعلاج من الأمراض الجلدية، مضيفًا أنه يجب على الدولة إعادة تطوير المركز وتنشيط فكرة تلقي العلاج به، لأنه من الممكن أن يعود بالنفع والعائد المادي الكبير للبلاد، بل إنه سيساعد في حل جزء من أزمة البطالة.

 

 

مياه الصرف تغزوا «عين الصيرة»

لا تختلف كثيرًا حكاية بحيرة أو بركة "عين الصيرة" عن "عين حلوان"، فكانت تحتوي أيضًا على مياه كبريتية لعلاج أمراض الجلد المختلفة، وكان يذهب إليها المواطنين من كافة أنحاء الجمهورية، ولكنها تحولت الآن لبركة أو مصرف لمياه الصرف الصحي المتصلة بالمنطقة السكانية الواقعة في محيطها، خاصة بعد تعديلات المحافظ الأخيرة عقب خروج مياه البحيرة للطريق المروري الموجود هناك.

 

ولذا تدخلت المحافظة لحل الأزمة، لترتكب جرمًا أكبر ألا وهى توصيل الصرف الصحي للمنطقة بالمياه مما أدي إلى خلط المياه الكبريتية بمياه الصرف، ويقول المواطن جمال حسين، أحد قاطني المنطقة السكانية الموجودة بجوار البحيرة، إن هذه المياه الكبريتية كانت محل إقبال المواطنين قديمًا منذ حوالي 20 عامًا، لتلقي العلاج والشفاء من الأمراض المزمنة، ولكن الآن الوضع اختلف كثيرًا بل تم تدمير البحيرة، لأنه هناك البعض يلقون الخيول الميتة والحيوانات النافقة فيها، مما أدي إلى تلوثها فضلًا عن خلطها بمواسير مياه الصرف الصحي.

 

وتابع:" أن الشارع قديمًا عن عبارة عن قضيب قطار لنقل البضائع بجوار البحيرة، ولكن بعد الكثير من التطوير والتعديل في المنطقة أصبحت بهذا الشكل الذي أدي إلى تدمير ها وفقد الاستفادة منها في العلاج.

 

طرح الاستثمار كنافذة لحل الأزمة

محمد الصياد، عضو هيئة تنشيط السياحة، قال إن الهيئة تهتم بمنطقتي عين الصيرة وعين حلوان، وتم النزول أليهما ميدانيًا لعمل مسح ميداني، مشيرًا إلي وجود إهمال كبير للغاية في هذه المناطق التي يمكن الاستفادة منها في السياحة العلاجية وخاصة السياح. 

 

وتساءل الصياد، عن أسباب عدم اهتمام الدولة بهذه المناطق تحديدًا؟، مشيرًا إلى أن التطوير يحتاج إلى دراسات استشارية وبحث عن استثمارات أجنبية حتى يعاد تأهيلها.

 

وطالب بضرورة الاستعانة بالبيوت الاستشارية الخارجية والخبرات العالمية، وتكليفها بمسئولية تطويرها وتفعيل السياحة العلاجية بها كما كانت من قبل، ولكن لا يمكن أن يستمر وضعها الحالي أكثر من ذلك. 

 

وتابع:" أن عودة السياحة العلاجية لهذه المناطق سيكلف الدولة مليارات الجنيهات، وبالتالي فمن الصعب أن تتولى مسئولية عودتها وتطويرها على أكمل وجه، ولكن المستثمر الأجنبي سينتفع منها، مؤكدًا أن وضع هذه المناطق حاليًا أمر محزن خاصة بعد تلوث المياه الكبريتية وخلطها بمياه الصرف الصحي، حيث أن فكرة تلويت هذه المناطق أمر غريب للغاية. 

 

وزارة البيئة تُخلي مسئوليتها

ونفت آمال طه، مسئول العلاقات العامة والإعلام بوزارة البيئة، تبعية المنطقتين للوزارة، قائلة إن وزارتي الإسكان والصحة هما المختصان بمنطقتي عين الصيرة وعين حلوان، ولكن وزارة البيئة تقوم بالإشراف على واحة سيوه والمحميات الطبيعية فقط، مؤكدة أن السياحة العلاجية تحقق دخل كبير للغاية، حيث كانت قديمًا منطقة عين حلوان تسمى "مشفى حلوان"، ولكن لم تخضع لإشراف ورقابة الوزارة.

 

وأضافت طه، أن المحافظة ووزارة الإسكان ووزارة الصحة هم المسئولين عن هاتين المنطقتين، مشيرة إلى أن عودة السياحة العلاجية سيعود بالدخل الكبير لمصر، كما تفعل وزارة البيئة في واحة سيوه من تفعيل السياحة والعلاج بالرمال والشمس وغيرها، ويأتي إليها السائحين من مختلف الدول خصيصًا لتلقي السياحة العلاجية في سيوه وسفاجا، حيث تعمل على إدخال عائد مادي كبير للبلاد.

 

وأكدت دعم وزارة البيئة لعودة السياحة العلاجية مرة أخرى، حيث أن الوزارة مسئولة عن إزالة المخلفات في كل الأماكن العشوائية الموجودة في حلوان مثل "عرب عزبة الوالدة_ عزبة راشد" وغيرها، ولكن لابد من الاتحاد بين الوزارات لتطوير  قطاع السياحة العلاجية.

 

وطالبت الوزارات المختلفة بالقيام بدورها، قائلة إن وزارة الصحة عليها بإعادة فلترة المياه الكبريتية وتنظيفها من الصرف الصحي، حتى يمكن الوصول لنتيجة سليمة. 

 

رقابة برلمانية

النائب أحمد خليل، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، قال إن وجود السياحة العلاجية في مناطق "عين حلوان وعين الصيرة وسيوه" أمر مفيد جدًا، حيث أن هذه الأماكن من أشهر المناطق لتلقي السياحة العلاجية قديمًا، فقد كانت المياه الكبريتية تستخدم لعلاج الأمراض الجلدية، مؤكدًا أن هذه القضية هامة ولابد من إثارتها داخل البرلمان في دور الانعقاد القادم. 

 

وأشار "خليل" إلى ضرورة إعادة تطوير هذه المناطق بالإضافة إلى واحة سيوه، لدعم السياحة العلاجية في مصر، لأنها ستوفر دخل كبير جدًا للبلاد سواء سياحة داخلية أو خارجية، مؤكدًا أهمية دور البرلمان في الضغط على الحكومة لأخذ خطوة إيجابية نحو تطوير هذه المناطق وعدم تركها كما هي. 

 

وتابع:" أنه سيتقدم بطلب إحاطة حول هذا الأمر، حيث أن وزارة الصحة والسكان والبيئة والإدارة المحلية منوطين بهذا الأمر، وسيتم التواصل معهم للوصول إلى حلول فعلية"، مشيرًا إلى أن مجلس النواب هو من يضع سياسة العمل وعلى الحكومة التنفيذ، حيث يمكن تطبيق الاستثمار المحلي من خلال الدولة بدلًا من اللجوء للمسنثمر الأجنبي أو الاستعانة بالمستثمرين المصريين.