السبت 27 يوليو 2024

قالوا عن النبي الخاتَم

الخالدون المائة

ثقافة14-10-2022 | 13:51

محمود قنديل

ستظل حياة النبي محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ــ وسيرته العطرة نبراسًا يُهتدى به، وعلامة فارقة في تاريخنا البشري؛ منذ آدم ـــ عليه السلام ـــ حتى بعثه بآخر رسالات السماء لهدي الأرض، وذلك لأمانته التي عُرِف بها منذ بدايات عمره، واستقامته التي تميز بها طيلة حياته، وما اتصف به من حِلْمٍ وصَفْحٍ وتسامحٍ، الأمر الذي جعله ينصرف عن لَهْو الدنيا طمعًا في الفوز برضا الله ونعيم الآخرة، فاستحق شهادة الخالق له (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). 

وقد اتسمت رسالته العصماء (الإسلام) بالوسطية والاعتدال، واحترام غير المسلمين وحُسْن معاملتهم (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، كما حثَّتْ على عدم قهرهم بغية اتباع الإسلام، وقد تمثل هذا في آياتٍ نورانية كريمة: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ). 

ولم نجد قائدًا عبر التاريخ يعفو ويصفح عن أسراه الذين حاربوه وآذوه وتربصوا به ليقتلوه، لكن محمدًا فعلها حين فتَحَ مكة: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال صلى الله عليه وسلم: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.

إن شخصية النبي قد شهد لها القاصي والداني؛ بتحليها بالرفق واللين (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).

وعنه تقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه.

ولقد كان التيسير منهاج حياة أمر به وحث عليه (بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا). 

 كان صلى الله عليه وسلم حكمًا عدلًا، وسراجًا منيرًا، وشاهدًا على أمته ومبشرًا بالجنة لمن اتبع رسالته، ومنذرًا بالنار لكل من نأى عن منهجه.

اعتمد الشورى سبيلًا لمعاملاته (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ)، واحترم الرأي الآخر (أنتم أعلم بشؤون دنياكم)، ونزل على رغبة الحباب بن المنذر في غزوة بدر يا رسول الله، أرأيتَ هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله...).

وفي الهجرة يترك الأمانات ـــ التي كان بعض كفار قريش قد أودعوها إياه ـــ  لعلي بن أبي طالب ليردها إليهم.

وقد صدقت السيدة خديجة (رضي الله عنها) حين قالت له عندما أخبرها بنزول الوحي لأول مرة: إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

ولقد شهد له الكثير من غير معتنقي دينه عبر كل الأزمان والعصور، ولعلنا هنا نستأنس ببعض ما قاله عددٌ من قامات الفكر والأدب في عالمنا الحديث، فنجد الشاعر العربي جبران خليل جبران يقول: أنا مسيحي ولي الفخر بذلك، لكني أهوى النبي العربي، وأُكَبِّر اسمه، وأُحِب مجدَ الإسلامِ وأخشى زواله.

ويعلن الأمريكي ويل ديورانت (صاحب موسوعة قصة الحضارات) أن محمدًا أعظم عظماء التاريخ.

وقد اتفق معه المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون حين قال: محمدٌ أعظم رجال التاريخ.

ويذكر تولستوي بواعث انبهاره بمحمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في سِفْره الخالد "حُكْم النبي محمد": أنا من المبهورين بمحمد، فهو الذي اختاره الله لتكون آخر رسالات السماء على يديه، ويكون هو آخر الأنبياء، فيكفيه فخرًا وشرفًا أنه خلَّص أمة ذليلة همجية دموية من مخالب شيطان العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم.ولا يغيب عن الأديب البريطاني جورج ويلز وصف النبي (محمدٌ أقوى من أقام دولة للعدل والتسامح).

ويرى الزعيم الهندي غاندي في الرسول شخصًا متفردًا استحق حب البشر (محمدٌ يملك بلا منازع قلوب ملايين البشر).


أما مايكل هارت (مؤلف كتاب الخالدون مائة) فيجزم بأن الرسول هو "الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي".

وها هو الأديب البريطاني جورج برنارد شو ينحاز إلى شخصية النبي كقائد عظيم، فيقول: إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد بحيث لو تولى أمر العالم اليوم لوُفِق في حل مشكلاتنا بما يُؤَمِّن السلام والسعادة.

وفي كتابه "حياة محمد" يسجل المفكر الفرنسي ألفونس دي لامارتين رأيه الموضوعي (محمدٌ هو النبي الفيلسوف الخطيب المُشَرِّع المُحارِب قاهر الأهواء).

وكلها شهادات حق لم تخاصم الموضوعية، أو تسجن نفسها داخل المعتقد والأيديولوجيا، ذلك أن النظرة الحرة الفطنة تستطيع ـــ وبسهولة ـــ أن تُبْصِر كل جنبات الحقيقة، بعيدًا عن الحقد والكراهية والتعصب الضرير.

لكن المتطرفين المنتسبين للإسلام هم أكثر من أساؤوا إلى شخص الرسول، بفتاواهم المحرضة على القتل تحت شعار الجهاد، وتطويع آي الذكر الحكيم لأهوائهم الضالة والمُضَلِلَة، ولَيِّهم لعنق الأحاديث الشريفة وفق ما يخدم فساد توجههم، واعتمادهم لأفكار الخوارج القدامى والمحدثين سبيلًا مُعْتِمًا  يسيرون فيه، وهم بذلك قد استباحوا دماء كل من يخالفهم سواءً كان معتنقًا للإسلام أو غير معتنقٍ له.

وقد عمدوا طيلة الوقت على تكفير الحاكم والمجتمع وكل أصحاب الرأي الحر.

ومن العجيب أن هؤلاء المتطرفين تم استقطابهم من قِبَل الأعداء ليكونوا أداة طيِّعة تُسْتَخدَم لتحقيق سياستهم العدوانية، فإذا ما انتهى دورهم سعت هذه القوى ـــ التي استقطبتهم ـــ إلى التخلص منهم.

وقد بدا هذا واضحًا في الآونة الأخيرة من خلال تنظيمات إرهابية تأسست بدعمٍ من القوى الشريرة التي أشرنا إليها آنفًا في بلاد عربية شقيقة خاصة بعد ماسُمي بــ "ثورات الربيع العربي" تمثلت في تنظيم داعش في العراق والشام، وامتد إلى ليبيا واليمن، ومن قبل كانت "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن الذي تمت تصفيته من قِبَل الولايات المتحدة بعملية خاصة بباكستان.

ولا يفوتنا ـــ هنا ـــ أن ننوه إلى أن هناك قوىً معادية للعرب والمسلمين لا تريد لهم نهضة وقيامًا، ويحرصون على وصم الإسلام بما ليس فيه، والإساءة إلى الرسول وأفعاله، ولعلنا نذكر ما قاله جيمس وولسي رئيس وكالة المخابرات الأمريكية السابق عام 2006 ما نصه: سنضع لهم إسلاماً يناسبنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات وإذا نجحنا في إقناع المسلمين في العالم (والذين هم تحت العبودية كما هو ظاهر في كثير من هذه الدول) أننا إلى جانبهم سوف ننجح في النهاية.

إن هؤلاء المتربصون يرون أن الإسلام ـــ بوسطيته واعتداله ـــ إن قَوِيَ فسوف يمثل تهديدًا وجوديًا لهم، وأن شخصية رسول الإسلام ما زالت قادرة على التفاف المزيد من الملايين حولها، لذا فهم يعملون في كل الأوقات والأزمان على جعل الإسلام لا يقوم من عثرته، ويدفعون في كل عصر بأن محمدًا ليس أهلًا للاتباع، ولكن ـــ حتمًا ـــ سوف تبوء كل محاولاتهم بالفشل إن نحن فطنا إلى مؤامراتهم الخسيسة، فتمسكنا بأوطاننا والتففنا حول قياداتنا، واحترمنا تنوعنا الثقافي وتعددنا العقائدي، ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة وقدوة نقتدي بها.