الجمعة 3 مايو 2024

المُناخ وعلاقته بالإبداع

مقالات17-10-2022 | 22:58

بحَسب تعريف العلماء فإن المناخ يعني متوسط حالات الطقس على المدى الطويل (ثلاثون عامًا)، من هنا يمكننا التحدث عن المؤثرات الطبيعية والاصطناعية التي تسهم في التغيرات المناخية.

بلا شك نجد ـــ في هذا الصدد ـــ الشمس بدرجة ميلها أو عموديتها على مساحةٍ دون أخرى من كوكبنا الأرضي، وهو ما يسبب تفاوتًا في درجات الحرارة من مكان إلى آخر.

ولا يمكن لنا تَجَاهُل البراكين بما تُحْدِثه من حرارة رهيبة وغبار كثيف يؤثر على المناخ ويضر بالصحة، وكذلك العواصف والأمطار والفيضانات، وتكاثر السُّحب التي تحجب أشعة الشمس لساعاتٍ طويلة خلال بعض الشهور من السنة في بلادٍ شتَّى.

لكن المؤثرات الاصطناعية على المناخ هي الأكثر خطورة والأشد ضراوة، ومعظمها آتٍ من سوء إدارة البشر لمقومات حياتهم، وتأتي التجارب النووية في مقدمة هذه العوامل ذات التأثير البالغ على المناخ؛ فكما يقول العالِم البريطاني جيليس هاريسون: إن الآثار العالمية للنشاط الإشعاعي الذي تطلقه الأسلحة النووية أمر مذهل تمامًا بالنسبة للجيل القادم من العلماء، خاصةً أن لدينا الآن وعيًا متزايدًا بما يعنيه الضرر البيئي لهذه الأسلحة الفتاكة، حتى في سياق هذه التأثيرات العالمية الهائلة، لا يزال من المفاجئ رؤية تأثيرها على الطقس.

ويقول أيضًا: إن الفحم والنفط والغاز من أكثر الأشياء المساهِمة سلبًا في تغير المناخ، وهي تسهم في حبس حرارة الشمس.

وفي دراسة لجامعة "ريدنج" بالمملكة المتحدة تشير إلى أن زيادة النشاط الإشعاعي تزامنت مع حدوث زيادة مماثلة في زيادة السحب؛ فكان هطول الأمطار أكبر في الأيام ذات النشاط الإشعاعي الكبير.

والحقيقة المؤكَدَة أن التسابق الصناعي بين الدول كان له اليد الطولي في تغيُّر المناخ، فالصناعات الكبرى تحتاج إلى درجات حرارة هائلة، وقد تسبب ذلك في ما يسمى بالاحتباس الحراري الذي أثَّر بدوره على طبقة الأوزون التي تُعَد الفلتر الواقي للأرض من الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس بما لها من آثار تدميرية.

ونعتقد أن صامويل هنتجنتون لو كان بيننا الآن لسارع إلى تأليف كتابٍ وسَمَه بــ "صراع الاقتصاديات" بدلًا من صراع الحضارات أو صدامها.

لقد أخفقت الدول الصناعية الكبرى في وضع ميثاق شرف ـــ مُلْزِم للجميع ـــ ينظم عمليات الإنتاج الصناعي بما يضمن الحفاظ على المناخ والبيئة.

لكن الأطماع البشرية حالت ومازالت تحول دون تحقيق ذلك، فانعدام الثقة والنظرة العدائية المتبادلة بين البشر ـــ بتنوعهم الثقافي ـــ جعلت الأمر وكأنه حرب ضروس يجب الانتصار فيها.

على أيةِ حال فإن هذا المُناخ بمؤثراته لم يغب عن البوتقة الإبداعية لدى الأدباء، فقد رأينا الكثير من النصوص ـــ عربيًا وعالميًا ـــ تحفل بمشاهد الشمس منذ ميلادها حتى لحظات غروبها، فلدينا رواية إحسان عبدالقدوس "لا تطفئ الشمس"، وقد اتخذها رمزًا للأحلام والطموحات لأفراد أسرة فقدت أباهم وعَمِلَت والدتهم على رعايتهم وحدها.

ومسرحية "شمس وقمر" لتوفيق الحكيم، ورصدها للسلطة الذكورية حين تتحكم في وضع المرأة، ونجاح المرأة في تغيير هذا النظام لصالح العدل.

ورواية "شمس منتصف النهار" لنبيل فاروق، ومسرحية "قولوا لعين الشمس" لنجيب سرور، ورواية "رجال في الشمس" للفلسطيني غسان كنفاني، و "عين الشمس" للروائية السورية ابتسام تريسي، ولأحمد خالد توفيق "الشمس الأورجوانية، وللياباني أوسامو دازاي "شمس غاربة".

إن معظم هذه الأعمال الأدبية وغيرها استدعت الشمس إلى أجوائها كدلالة أو كرمز بغية تعميق رؤى الكاتب، وابتعاده عن المُباشَرة ونأيه عن التقريرية.

ومن طبيعة الفن أنه يحتمل الكثير والكثير في هذا الخصوص، ويبقى الفضاء ـــ دومًا ـــ رحبًا أمام كل الاستدعاءات والاستلهامات المناخية وغير المناخية.

ونذكر أيضًا أن الكثير من القصائد الشعرية التي عانقت ـــ أيضًا ـــ مفردات مناخية بهدف التعبير ـــ بشكل فني ـــ عن الأفكار والرؤى.

ومادمنا نتحدث عن هذه المفردات فيحق لنا أن نذكر "الحب تحت المطر" و "السمان والخريف" لنجيب محفوظ، و "بعد الغروب" لمحمد عبدالحليم عبدالله، و "القيظ والعنفوان" لأحمد حميدة، و "باب الليل" لوحيد الطويلة، ورواية "عواصف" ليوسف عزالدين عيسى.

ولدينا رصيد كبير من هذا النتاج الإنساني الذي يتناول ـــ أيضًا ـــ أثر الحرب النووية المحتملة على البشرية، والتلوث الهوائي الناتج عن الصناعات وغيرها؛ هذا التلوث الذي تشير الدراسات إلى أنه يؤثر ـــ سلبًا ـــ على القدرات المعرفية، ويسبب الاضطرابات النفسية، ويرفع من معدلات الجريمة.

وجدير بالذكر أن ثمَّة رواياتٍ عالمية تُنبِّه وتُحذِّر وتنذر بما يمكن أن يؤول إليه مناخنا من تغيرات ليست في صالح المحافظة على جنسنا البشري، وقد حثت ـــ بطرق إبداعية ــ على إيجاد حلول لمثل هذه المتغيرات مع أخذ الحذر والحيطة تجاه ما يمكن أن يحدث من كوارث قد نعجز جميعًا عن مجابهتها والانتصار عليها، فعلى سبيل المثال نجد رواية "ريح من لا مكان" للأديب البريطاني جي بالارد، و "البحر والصيف" للأسترالي جورج تيرنر، وللفرنسي جول فيرن رواية "رأسًا على عَقِب"، وللكندية ماجريت آتوود "عام الفيطان".

وكلها تدق ناقوسَ خطرٍ، وتمثل جرسَ إنذارٍ لعل العالم يفيق من غفلته الطويلة.

إننا إزاء علاقة حميمة بين المناخ والإبداع تلك العلاقة التي تستعين بعناصر مناخية بطرائق فنية متباينة، وهي في ذلك تتكئ على الصورة أو الأسطورة، والحقيقة أو الخيال.

والكاتب الحقيقي حين يسير في هذا الطريق غير المُعَبَّد، فإنه يبحث وينقب عن جدية التناول وجديده، وهو ـــ في كل الأحوال ـــ معنيٌ بتقديم فنٍ راقٍ وإبداعٍ جميل، وكذلك منوطٌ به العمل على إماطة اللثام عن وجه الزيف المتخفي خلف قناع التقدم والحضارة، لذا فهو يحث المتلقي على السعي الدؤوب إلى محو الطمع والجشع عن قلوب البشر غير المخلصين لبني جلدتهم.

ولا يخفى على أحدٍ أن للساسة دورٌ في هذا الشأن، ولن يتم تفعيل دورهم بغير ميثاق شرف ورؤية توافقية بين كافة البلدان الكبرى العامرة بالمصانع والصناعات، لوضع حدٍ لهذا التسابق الرهيب الذي  يضع المادة همَّه الأول وملاذه الأخير، دون اهتمام حقيقي بمقومات الحياة الرئيسة على هذا الكوكب المُهَدد بالمخاطِر والفَنَاء.

Dr.Randa
Dr.Radwa