بعد شهرين على بدء الأزمة الخليجية مع قطر، ليس هناك في الأفق ما يوحي بتغيير قطر لتوجهها، وتراجعها عن نهج التعنت والعزلة، بل على العكس أثبتت الدوحة حذوها نحو التشبه بسياسة إيران الفاشلة، لتوظيف الشعائر الدينية لتحقيق مكاسب سياسية.
وبدأت الأزمة الدبلوماسية الخليجية مع قطر، في 24 مايو من العام الحالي، عندما بثت وسائل الإعلام القطرية تصريحات لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، لخصت الخطوط العامة للسياسة القطرية التي لا تتسق وكونها عضواً في مجلس التعاون الخليجي.
وأثارت تصريحات تميم بن حمد آل ثاني جدلاً كبيراً لما تضمنته من تحامل على دول عربية، ودفاع عن إيران وحزب الله وحماس.
وفي اليوم التالي أعلنت قطر أن موقع وكالة الأنباء تم اختراقه وليس هناك تصريحات للأمير، وبعد أيام قليلة من تصريحات تميم، بثت وسائل الإعلام الإيرانية تفاصيل مكالمة بين أمير قطر والرئيس الإيراني تضمنت التزاماً بتعزيز العلاقات بين البلدين وتقويتها رغم العقبات.
قطع العلاقات
في الخامس من يونيو، أعلنت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر قطع العلاقات مع قطر، وإغلاق الحدود معها، بسبب دعمها للجماعات الإرهابية والمشروع الإيراني في المنطقة، في أسوأ أزمة دبلوماسية تعصف بمنطقة الخليج منذ سنوات.
وفي 8 يونيو، أصدرت الدول الأربع، لائحة تضم أسماء 59 شخصاً و12 كياناً في قوائم الإرهاب المحظورة لديها، وبينها جمعيات خيرية ذات تمويل قطري.
وفي اليوم التالي، رفضت الحكومة القطرية لائحة الإرهاب مشددة على أنه "لا أساس لها" من الصحة، مدعيةً أنها الدولة الأنشط في المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب.
وفي 22 يونيو، قدمت الدول الأربع إلى قطر قائمة من 13 مطلباً، وأمهلتها 10 أيام لتنفيذها، وسلمتها الكويت التي اضطلعت بدور الوساطة لإنهاء الأزمة، إلى قطر، وتضمنت المطالب إغلاق قناة "الجزيرة"، وخفض العلاقات مع طهران، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في الإمارة.
رفض قطر للمطالب
وفي 31 يونيو، أعلنت قطر رفضها المطالب العربية، وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن "مجموعة المطالب العربية وضعت لكي ترفض"، وأضاف الوزير القطري، أن "الدوحة مستعدة للحوار بالشروط المناسبة".
وبعدها لم تصدر أي بوادر أو إشارات عن قطر تجاه فك ارتباطها مع التنظيمات والجماعات الإرهابية التي توفر لها غطاء مالياً وقانونياً في العديد من الدول العربية.
وعوضاً عن الرضوخ لمطالب الدول الأربع والرجوع إلى المحيط الخليجي، استمرت الدوحة في الترويج لادعاءات زائفة طيلة الشهرين الماضيين، رغم أنها متورطة وبشكل فاضح في دعم تنظيمات إرهابية عدة.
وأكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، أن عدم قبول قطر للمطالب يعني "الفراق"، وشدد على أن "نهج التعنت والعزلة" لا يؤدي إلى نتائج إيجابية، وأن الرأي العاقل المدروس أكثر تأثيراً.
ويرى مراقبون، أن الدوحة لم تفلح في التعامل مع الأزمة بالشكل المثالي، إذ مارست "عنترية وعناداً" أوديا بها إلى الهاوية، ابتداء من تصريحات وزير الخارجية القطري محمد بتهور، مروراً بخطاب أمير قطر التصعيدي، الذي لم يبِد فيه حسن النوايا، وانتهاء بتصريحات وزير الدفاع القطري خالد العطية آل ثاني، المتضاربة في أكثر من محفل دولي، وتلميحه إلى استعداد بلاده لأي تطورات عسكرية جراء الأزمة الراهنة.
عودة مخيبة لتميم
وبعد غياب مُثير عن الواجهة السياسية والإعلامية، عاد أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، إلى الواجهة في بلاده في أول ظهور إعلامي رسمي له، وبكلمة ألقاها أخيراً، بعد تأجيل لا يقل إثارة طال شهراً.
ولم يخرج خطاب تميم بن حمد، عما توقعه المراقبون في استمرار النظام القطري في "المكابرة والتعنت"، إذ حاول جاهداً لبس ثوب المظلومية. ورفض "التفريط في السيادة أو التنازل عنها، شرطاً لاستئناف الحوار مع الدول المجاورة".
وفي 23 يوليو، بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة تستغرق يومين إلى كل من السعودية والكويت وقطر، بعد أن عرضت تركيا دعمها في التوسط بحل الأزمة الخليجية.
وهناك علاقات وثيقة بين أنقرة والدوحة ويرجع ذلك جزئياً إلى دعمهما السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وجماعات متطرفة مماثلة، حتى أن المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى استشهدت بهذا ضمن شكاواها ضد قطر.
فشل الوساطة التركية
وفشلت الوساطة التركية بإنهاء الأزمة، بعد أن تم رفضها من الرياض وأبو ظبي، حينما طالبت أنقرة العواصم تلك بدلائل على صلة الدوحة بالإرهاب.
وفي أواخر يوليو، أغلقت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية التسجيل للحج لهذا العام 2017، مؤكدةً منع المواطنين والمقيمين في قطر من التقديم إلكترونياً لأداء الفريضة مع الحجاج من جميع دول العالم.
ولم توضح الوزارة أسباب إغلاقها للتسجيل ومنع مواطنيها من الحج، في الوقت الذي رحبت فيه السعودية بالحجاج القطريين أسوة بغيرهم، إذ أكدت أنه بإمكانهم القدوم جواً إلى السعودية مباشرة وعبر أي خطوط باستثناء "القطرية".
قطر.. و"تدويل الحج"
غير أن قطر زعمت أن هناك مضايقات وعراقيل مستمرة في إجراءات الحج أمام القطريين، مطالبة بحقها في اللجوء إلى الآليات الدولية لضمان حق القطريين والمقيمين لممارسة حقهم في الحج، وهو مطلب اعتبرته السعودية محاولة لـ "تسييس الحج"، مشددة على أنه موقف عدواني و"إعلان حرب" ضدها.
وفي 30 يوليو، ناقش وزراء خارجية الإمارات والسعودية والبحرين ومصر فرض عقوبات اقتصادية جديدة على قطر، وذلك خلال اجتماعهم في المنامة عاصمة البحرين.
وقالت مصادر خليجية، إن "الاجتماع يبحث في اتخاذ مزيد من العقوبات ضد قطر، ومن المتوقع فرض عقوبات تطاول الاقتصاد القطري في شكل تدريجي".
ووفقاً لصحيفة الوطن السعودية، الخميس، تسبب عناد دولة قطر المستمر على قرارات الدول الداعية لمكافحة الإرهاب بمقاطعة قطر بسبب سياستها المتطرفة، وتورطها في دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية، إلى اختناقها مالياً، إذ أن بيانات مصرف قطر المركزي، كشفت أن صافي احتياط النقد الأجنبي تراجع بمقدار 10.4 مليارات دولار في يونيو الماضي، ليصل إلى 24.4 مليار دولار، أي بنحو 30%.