الأحد 29 يونيو 2025

ثقافة

نجوم المسرح المصري| عبد البديع العربي «ذاكرة من ذهب».. رائدٌ فني من الظل إلى الخلود

  • 27-6-2025 | 03:27

الفنان القدير عبد البديع العربي

طباعة
  • همت مصطفى

يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم و مواهبهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، واسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسماءهم في عالم الإبداع بما قدموه بعروض مسرحنا المصري.

ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار، ومن المؤلفين والمخرجين، والمشاركين في خلق العرض، و لنسافر معه من خلال سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».

و اللقاء اليوم مع الفنان القدير..  عبد البديع العربي

النشأة وبداية الرحلة الفنية

ولد الفنان القدير عبد البديع العربي، في 10 أكتوبر عام 1913م لأسرة ريفية متوسطة بقرية الزعفران بمركز الحامول بمحافظة كفر الشيخ، واسمه بالكامل عبد البديع محمد علي العربي.

وأتم حفظ القرآن الكريم بكتاب القرية وذلك قبل أن ينتقل للدراسة بمدرسة الأقباط الابتدائية بمدينة المحلة الكبرى.

بدأت رحلته مع التمثيل بالمرحلة الثانوية، وذلك عندما اكتشف موهبته الممثل الكبير حسن البارودي (مدرب فريق التمثيل حينذاك)، واستطاع اجتذابه من فريق «كرة القدم» ليتحول مساره إلى التمثيل، وخلال فترة دراسته الثانوية شارك بالتلقين والإخراج بجانب التمثيل، ومن المسرحيات التي شارك في بطولتها حينذاك «الهاوية» لمحمد تيمور، و«الذبائح» لأنطون يزبك، و« نهر الجنون» لتوفيق الحكيم.

حصل «عبد البديع» على شهادة البكالوريا من مدرسة الخديوي إسماعيل عام 1938م، وعمل في مصلحة الطب الشرعي، ثم عمل مدربا للتمثيل ومخرجًا بالمسرح المدرسي في وزارة المعارف خلال الفترة من عام 1939م إلى عام 1956م، وذلك عندما اختاره لهذه المهمة الرائد زكي طليمات الذي كان يعمل وقتذاك مفتشا للنشاط المسرحي بوزارة المعارف.

العمل بالمسرح المدرسي ورقيبًا للفنون

 استطاع «عبد البديع» من خلال عمله بالمسرح المدرسي، كشف وصقل موهبة عدد كبير من الموهوبين الذين أصبحوا فنانين كبار بعد ذلك ومن بينهم: محمد الطوخي، توفيق الدقن، صلاح قابيل، حسن يوسف.
 وخلال مسيرته الوظيفية تم انتدابه للعمل بمصلحة الفنون رقيبًا على سيناريو الأفلام والمسرح خلال الفترة 1954م - 1959م، وقد انتهت هذه الفترة وتم إلغاء انتدابه بعدما اصطدم بنفوذ الكاتب يوسف السباعي، وذلك حينما رفض عبد البديع إجازة سيناريو فيلم «شارع الحب» الذي كتبه «السباعي»، وأصر على ضرورة حذف بعض الجمل الحوارية مع إجراء بعض التعديلات وإعادة الصياغة لبعض المشاهد.

لم يستطع عبد البديع العربي الالتحاق بالمعهد «العالي للتمثيل» الذي تم تأسيسه وإنشاؤه عام 1943، فبمجرد سماعه بفتح باب القبول للدفعة الأولى قرر على الفور التقدم له، ولكن للأسف كان هناك عدد محدد للدارسين واكتمل وهي الدفعة التي ضمت مجموعة من أصدقائه من بينهم: عبد الرحيم الزرقاني، صلاح منصور، فريد شوقي، شكري سرحان، عبد المنعم إبراهيم، وعُرض عليه الالتحاق بقسم النقد والبحوث حينذاك ، ولكنه رفض ذلك الاقتراح لأنه لن يشبع عشقه وهوايته للتمثيل.

شخصية رئيسية و إشادة من النقاد

 شارك ببطولة عرض «الاستعباد»، وبرع في الأداء بموهبته في فن التمثيل، وهو العرض الذي قررت نقابة «شياخة الحارات» تقديمه تخليدا لذكرى الأمير عبد الكريم الخطابي وكفاحه ضد الاستعمار، والنص من تأليف يوسف وهبي وسبق منع تقديمه بفرقة «رمسيس»، وتم تكوين فريق العمل من مجموعة من الهواة والمحترفين وعلى الرغم من أن الفنان عبد البديع العربي كان ما زال ممثلا غير معروف ومغمورًا، فإنه  اختير لتجسيد شخصية رئيسية وهي شخصية «كورادو»، وشاركه البطولة كل من الفنانين القديرين فاخر فاخر وسراج منير، فأشادت الأقلام النقدية بتميزه بجانبهما واعتبرتهم جميعا على قدر من المساواة.

البداية نحو الاحتراف إذاعية 

وبدأ«عبد البديع» خطواته الأولى في مجال الاحتراف من خلال ميكروفون الإذاعة عام 1936، حيث توثقت علاقته أثناء فترة عمله بمصلحة «الطب البيطري» بكل من زميليه أحمد سامي عاشور ـ زوج الفنانة الكبيرة زوزو نبيل، ومحمد علوان، واللذان من خلالهما تعرف على بعض كبار الفنانين وفي مقدمتهم: زوزو نبيل وصلاح منصور، فشاركهم بأداء بعض الأدوار الرئيسية، خاصة وقد ساعده في ذلك صوته الرخيم المتميز وإجادته للتمثيل باللغة العربية الفصحى.

المسرح بالخطوة الثانية

كانت الخطوة التالية في الاحتراف هي العمل ببعض الفرق المسرحية ، حيث عمل لبداية بفرقة «أوبرا ملك»، ثم فرقة «فاطمة رشدي»، ثم فرقة «المسرح العسكري» بعد قيام ثورة 1952م، وليستقر به المقام أخيرا بفرقة «رمسيس» مع فنان الشعب يوسف وهبي، وذلك بالإضافة إلى مشاركاته ببعض عروض فرق الدولة،  وشارك  «عبد البديع» في عدد من المسرحيات المهمة منها: «راسبوتين»، «كرسي الاعتراف»، «بنات الريف»، «بيومي أفندي»، «حسن ونعيمة»

مشارك في تأسيس الفرق المسرحية

وشارك «عبد البديع»  في تأسيس كل من فرقة «المسرح العسكري»، التي أطلق عليها عدة مسميات من بينها فرقة «العروبة» وفرقة «مسرح التحرير»، وهي الفرقة التي ضمت العديد من الموهوبين وأصبحوا نجوما بعد ذلك ، وفي مقدمتهم: إبراهيم الشامي، رشدي المهدي، حسن حسني، حسن عابدين، كامل أنور، و استضافت الفرقة في عروضها العديد من النجمات منهن علوية جميل، نعيمة وصفي، سناء جميل، إحسان القلعاوي، آمال زايد، كذلك يعود إلى 

«عبد البديع»الفضل أيضا في تأسيس فرقة «المسرح الحر» بالجماهيرية الليبية عام 1969.

جهود فنية بالوطن العربي 
لم تقتصر الإسهامات الفنية لعبد البديع  العربي على «مصر» فقط، والفن المصري،  بل امتدت جهوده وإسهاماته الفنية لخارج «مصر» أيضًا، حيث شارك  في  الجولات الفنية مع فرقة «رمسيس».

وأقام في ليبيا لعدة سنوات، عمل خلالها أستاذًا لمادتي اللغة العربية والإلقاء في معهد «جمال الدين الميلادي للموسيقى والمسرح»، وهناك كون من مجموعة متميزة من تلاميذه فرقة «المسرح الحر»، التي ضمت الفنانين: خدوجة صبري، يوسف خشيم، إبراهيم اليعقوبي، مختار الأسود.. وآخرين)، وجميعهم تألقوا بعد ذلك وأصبحوا من نجوم المسرح الليبي لسنوات طويلة.

وبعد قيام ثورة «الفاتح من سبتمبر» تم انتدابه مرة ثانية للعمل بمدينة «مصراته» لتقديم عرض مسرحي كبير باسم المدينة، ولعطائه الكبير بالمسرح الليبي كرمته الجماهيرية الليبية في سبتمبر 1995.

ويتميز أداء الفنان عبد البديع العربي بالإحساس الصادق و بتلقائية وبساطة الأداء مع لمسة خفيفة من الأداء المسرحي الرصين، وكذلك بمهاراته في التلوين الصوتي بصوته الرخيم وتمثيله السليم والمتميز باللغة العربية الفصحى نطقًا  وتشكيلًا .
و استطاع فنانا القدير أن يلفت إليه الأنظار في كل شخصية منها وسط عدد كبير من النجوم وعلى الرغم من المساحة المحدودة بموهبته المتميزة وخبراته الأدائية.

و شارك فيها عبد البديع العربي في مختلف الوسائط الفنية في الإذاعة، المسرح، السينما، التلفزيون نحاول أن نرصدها في السطور التالية:

 المشاركات  المسرحية 
كان المسرح هو العالم الرحب الذي أتاح للفنان عبد البديع العربي المشاركة بالبطولة و تجسيد بعض الأدوار الرئيسية، وأتاح له عمله بفرقة «رمسيس» فرصة التجوال بجميع أقاليم «مصر»، وأيضا بعدد كبير من العواصم والمدن العربية الشقيقة، ومن بينها دول المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب، ودول الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن) والسودان.
وتتمثل مشاركاته المسرحية  المتعددة والمتنوعة والمتميزة كما يلي:

 فرقة «أوبرا ملك» ..(من 1940م إلى 1946م: «الطابور الأول، عروس النيل، بنت بغداد، مايسة، بترفلاي، سعدي، طباخة بريمو، العقد الفضي، جواهر، سفينة الغجر، أول حب، بنت السلطان، روميو وجوليت، شيرين، نصره، بنت الحطاب، فتاة من بورسعيد، نور العيون، زينة، الأميرة والمملوك، الطابور الخامس، بيت الشيطان، درية، سهام، عشاق بالجملة، عمرو بن العاص، فاوست، كليوباترة، كيد النسا».
 وشاركه في بطولة تلك المسرحيات نخبة من كبار المسرحيين من بينهم الأساتذة: ملك، حسين صدقي، إحسان الجزايرلي، إبراهيم حمودة، عباس البليدي، منسى فهمي، السيد بدير، محسن   سرحان، محمد الطوخي، صلاح نظمي، محمد توفيق، يحيى شاهين، محمد علوان، صلاح منصور.

فرقة «المسرح العسكري» ( 1954 - 1957): أحمد عرابي، نهضة المشلول، خلود، الهلال والصليب، عروسة رشيد، شمس الخريف، مفيش تفاهم».
فرقة «رمسيس» (من 1959 إلى 1966): «بيومي أفندي، كرسي الاعتراف، راسبوتين، الأخرس، بيت الطاعة، جوهرة، بنات الريف، عنترة، أيام زمان، الاستعراض العظيم، يا تلحقوني يا متلحقونيش، أعظم امرأة، الحلق اللولي، المائدة الخضراء، شجرة الظلم، سبعين سنة».
وقد شارك في بطولة تلك المسرحيات نخبة من كبار المسرحيين من بينهم الأساتذة: يوسف وهبي، أمينة رزق، علوية جميل، عبد الوارث عسر، سراج منير، فاخر فاخر، عبد العليم خطاب، عايدة كامل، نظيم شعراوي، صلاح نظمي، رشدي المهدي، محسن سرحان، زوزو ماضي، عدلي كاسب، أنور إسماعيل، فيفي يوسف، قسمت شيرين.

 فرق «مسارح الدولة»

المسرح الحديث ..  ثورة قرى  1962م،  أدهم الشرقاوي، لا حدود 1964م ، بمسرح الجيب .. حسن ونعيمة 1965م لمسرح الكوميدي.. أوكازيون 1977م.
وتعاون من خلال المسرحيات السابقة مع نخبة من كبار المخرجين من بينهم : زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، منسي فهمي، فؤاد الجزايرلي، السيد بدير، حسن حلمي، حسن إسماعيل، نور الدمرداش، كرم مطاوع، حسين كمال، كامل يوسف، فوزي درويش، صلاح المصري، ليلى أبو سيف. 

 المشاركات الإذاعية

شارك الفنان عبد البديع العربي في بطولة وأداء بعض الأدوار الأولى بعدد كبير من المسلسلات والصور الغنائية والسهرات الإذاعية، وساهم  في  إثراء الإذاعة المصرية بكثير من البرامج والأعمال الدرامية،  على مدار ما يزيد على أربعين عامًا ومنها :« لن ننسى، نفوسة، أيام زمان، رجالة بلدنا، نحن لا نرى بعيون الآخرين، أين تذهب أمي، بنت الدلال، رزق الهبل، ثقوب في الثوب الأسود، بنت مدارس، رحلة الليل، قيراط حورية، مايسة، علي بابا والأربعين حرامي، معروف الإسكافي، الدندورما، القيثارة الحزينة».
 المشاركات السينمائية

تمثلت رحلة عبد البديع العربي  مع السينما، ماتزيد  على ثلاثين عامًا من 1949م إلى 1982م ، و شارك فيها  في أداء بعض الأدوار الرئيسية والثانوية في ثلاثين فيلمًا فقط، و رغم موهبته الكبيرة وتميزه وخبراته الكبيرة فإنه لم تتح له فرصة القيام بالأدوار الأولى أو الأدوار المؤثرة دراميا، التي كان من الممكن توظيف خبراته من خلالها، حيث قام المنتجون والمخرجون بحبسه في إطار بعض الأنماط والشخصيات النمطية ومن بينها شخصيات: «ضابط الشرطة ووكيل النيابة والطبيب».

و الأفلام السينمائية التي شارك فيها عبد البديع العربي تتمثل فيما يلي :

«حبيب العمر 1947م، رجل لا ينام 1948م، ساعة لقلبك، أمير الانتقام، ياسمين 1950م، ورد الغرام، في الهوا سوا، حبيب الروح، ليلة غرام 1951م، غلطة أب، مسمار جحا، قدم الخير 1952م، ظلموني الحبايب، بين قلبين، بائعة الخبز، حكم الزمان 1953م، حياة أو موت 1954م، حب ودموع 1955م، وهبتك حياتي 1956م، مجرم في أجازة، أيامي السعيدة، شاطئ الأسرار، خالد بن الوليد 1958م، في بيتنا رجل»

الضوء الخافت 1961م، ألمظ وعبده الحامولي، حيرة وشباب، اللص والكلاب 1962م، بطل للنهاية 1963م، السيد البلطي 1967م، من عظماء الإسلام 1970م، ولد وبنت وشيطان 1971م، الغضب 1972م، الرسالة 1976م، كفاني يا قلب 1977م، العار 1982م».

ويعد فيلم «العار» من أبرز المشاركات السينمائية لعبد البديع العربي، حيث لعب خلاله دور تاجر المخدرات (والد الفنانين: نور الشريف، حسين فهمي، محمود عبد العزيز، إلهام شاهين)، وكذلك الفيلم العالمي «الرسالة»  من إخراج مصطفى العقاد، الذي جسد من خلاله شخصية «عتبة المبارز».

 الدراما التلفزيونية

وشارك الفنان عبد البديع العربي بأداء بعض الأدوار الرئيسية والثانوية بعدد من المسلسلات والتمثيليات والسهرات الدرامية المهمة.

 المسلسلات: «ثم تشرق الشمس، القضية 512، فديتك يا ليلى، عيد يا عم عيد، المعدية، الخماسين، هروب، رداء لرجل آخر، أديب، النديم، الليل والقمر، جراح الماضي، غوايش، اسم العائلة، وحش البراري، من الليل شروق، الفتوحات الإسلامية، فرسان الله، محمد رسول الله (ج4)».

 وفي  التمثيليات والسهرات التلفزيونية ومنها : الأيام الخضراء، نصف شقة، رسالة إلى أبي

للمبدع تكريم .. الجوائز والأوسمة
وتوجت مسيرة الفنان القدير عبد البديع العربي بالتكريم وحصوله على بعض الجوائز والأوسمة، ومنها: تم اختياره  بعضوية لجنة تنظيم الاحتفالات بأعياد الثورة.
 وحصل على شهادة تقدير من مصلحة الاستعلامات، وأيضا درع التميز من وزارة الإعلام، ودرع محافظة الغربية (التي نشأ فيها وعاش بها فترة صباه) كأحد الأعلام الذين تفخر المحافظة بانتمائهم لها.
 وحاز على شهادة تكريم ودرع من «الجماهيرية الليبية» في احتفالات سبتمبر 1995م و سجل بالموسوعة القومية الصادرة عن هيئة الاستعلامات عام 1992م ضمن أسماء الشخصيات المصرية البارزة التي أخلصت العطاء لمصر.

بعيدًا عن  الخشبة والكاميرا .. الحياة الشخصية

كانت الحياة العائلية للفنان القدير عبد البديع العربي ك مستقرة على الرغم من تحمله مسئولية رعاية والديه وشقيقاته، وتزوج وأنجب خمس بنات وابنين، وقد ورث عنه أبناؤه بصفة عامة عشقه للثقافة والفنون، واحترف بعضهم التمثيل والإعلام، فهو والد الفنانين محمد العربي ووجدي العربي، والإعلاميتين ألفت العربي وكاميليا العربي.

رحيل وأثر باق

ورحل المبدع  والفنان القدير عبد البديع العربي عن عالمنا بعدما أثرى الحياة الفنية، بمصر والوطن العربي بمساهماته البارزة  في يوم 15 يناير عام 1996م، مودعا جمهور الفن  بحب وتقدير كبير من مختلف الأجيال وماحيينا أبدًا.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة