الثلاثاء 14 مايو 2024

التغلغل الإيراني في إفريقيا

مقالات18-10-2022 | 16:21

تسعى إيران بشكل ملحوظ إلى مد نفوذها في عدد من دول القارة الإفريقية، خاصة دول غرب إفريقيا، وذلك لعدة أسباب؛ أولها ارتفاع نسبة المسلمين في هذه الدول؛ فعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة المسلمين في السنغال حوالي 94% من مجموع السكان البالغ عددهم حوالي 14 مليون نسمة، والسبب الثاني هو انتشار الفقر بين كثير من مواطني هذه الدول، ففي دولة مثل نيجيريا مثلاً، لا يتجاوز مستوى الدخل لنحو 70% من السكان دولارًا واحدًا يوميَّا. أما السبب الثالث فهو حاجة مواطنيها إلى المساعدات الخارجية، الأمر الذي يمثل مدخلاً مناسبًا للتغلغل في تلك الدول.

انطلاقًا من تلك الأسباب؛ سعت إيران إلى مد نفوذها في غرب إفريقيا من خلال عدة وسائل؛ ثقافية، وتعليمية، وإنسانية، هذا بالإضافة إلى الدعم العسكري لبعض الميليشيات والجماعات المسلحة (الحركات الانفصالية).

كان للحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990) دورًا كبيرًا في المد الإيراني في تلك الدول؛ إذ شهدت تلك الفترة، وتحديدًا في الخمس سنوات الأولى من الحرب (1975- 1980) هجرة واسعة للشباب اللبناني الشيعي إلى إفريقيا بلغت حوالي خمسين ألف نسمة سنويًا

تطور الدعم الإيراني في هذه الدول؛ حيث لم يقتصر فقط على الدعم الشعبي فقط بل نجحت إيران - على مدار سنوات طويلة - في إقامة علاقات دبلوماسية متينة مع العديد من تلك الدول، تأتي على رأسها السنغال - ذات الأغلبية المسلمة - التي احتفت بها إيران العام الماضي بمناسبة مرور نصف قرن على إقامة العلاقات الدبلوماسية معها (1971 – 2021)، وهو ما ستركز عليه السطور القادمة.

 

 

إطلالة تاريخية:

تعود جذور العلاقات بين إيران والسنغال إلى فترة ما قبل اندلاع الثورة الإيرانية، أي فترة حكم الشاه، وتحديدًا في العام 1971 الذي شهد عدة أحداث كانت بمثابة الإرهاصات الأولى لنشأة العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي:

•     زيارة وزير الخارجية الإيراني وقتها «اردشير زاهدي» للسنغال التي حظيت بترحيب كبير من قبل المسئولين السنغاليين.

•     مشاركة رئيس الجمهورية السنغالية آنذاك «ليوبولد سيدار سنغور» في احتفالات إيران بذكرى مرور 2500 عامًا على إنشاء مملكة فارس.

•     تأسيس السفارة الإيرانية في العاصمة السنغالية «داكار» ووصول السفير الإيراني إلى السنغال

في عام 1972 قررت الحكومة السنغالية فتح سفارتها في «طهران»، واستمرت العلاقات بين البلدين بشكل طبيعي حتى قيام الثورة الإيرانية عام 1979، حيث بدأت العلاقات تواجه بعض التوترات؛ بسبب الميول الغربية لحكومة السنغال واتجاهها بشكل كبير نحو فرنسا، فضلاً عن الدعاية الهائلة للإعلام الغربي ضد الحكومة الإيرانية الجديدة.

الثورة الإيرانية والحذر السنغالي:

عقب قيام الثورة الإيرانية، احتلت السنغال مكانة متميزة لدى صانع القرار الإيراني، وحرصت إيران بشكل أساسي على وضع الخطط، والبرامج لتحقيق أهداف سياسية، وأيديولوجية تصب في خدمة المشروع الإيراني التوسعي، والحصول على مكاسب اقتصادية ومالية ضخمة.

خلال الفترة ما بين نهاية التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، شهدت العلاقات نشاطًا ملموسًا؛ حيث جرت وقتها عدة لقاءات بين المسئولين، منها اللقاء الذي جمع بين رئيس السلطة القضائية الإيرانية آنذاك «هاشمي شاهرودي»، ورئيس وزراء السنغال آنذاك «شيخ حاجي بوسو» الذي رحَّب باقتراحات إيران حول القضاء وتطويره في العالم الإسلامي، الأمر الذي ساعد على فتح الآفاق أمام بداية جديدة للعلاقات بين البلدين.

 زار بعد ذلك رئيس الوزراء السنغالي إيران والتقى بالرئيس الأسبق «محمود أحمدي نجاد»، وتم توقيع عدد من مذكرات التفاهم، ورَحَّب خلال لقائه بمشروع إيران للتعاون مع إفريقيا، وأعقب هذه الزيارة زيارة أخرى للرئيس السنغالي السابق «عبد الله واد» لإيران.

في تلك الأثناء كانت إيران تعمل على توسيع تغلغلها في غرب إفريقيا لبناء أكبر قدر من المنافذ والعلاقات؛ بهدف مواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليها، مستغلة بذلك أيضًا تراجع التواجد الخليجي، وذلك في الفترة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001، وهي فترة استفادت منها إيران كثيرًا في توسيع نفوذها داخل القارة السمراء.

على مدار تاريخها، مرت العلاقات بين البلدين بمنحنيات صعود وهبوط بسبب التجاوزات الإيرانية والتدخل في الشأن السنغالي، الأمر الذي دفع السنغال إلى قطع علاقتها مع إيران مرتين:

•     المرة الأولى عام 1983، حينما طردت السلطات السنغالية دبلوماسيين إيرانيين وأغلقت السفارة الإيرانية في «داكار»، وذلك بسبب دخول هؤلاء الدبلوماسيين إلى السنغال بطريقة غير مشروعة، الأمر الذي أدى إلى قطع العلاقات بشكل كامل بين البلدين لمدة خمس سنوات.

•     المرة الثانية عام 2010، وذلك بسبب قيام إيران بدعم الانفصاليين ضدها، وإرسال أسلحة إلى هؤلاء المتمردين في جنوب السنغال. واستمرت المقاطعة لمدة عامين؛ ففي عام 2012 وعلى هامش قمة «منظمة التعاون الإسلامي» المنعقدة في مصر، اجتمع الرئيس الإيراني ونظيره السنغالي معًا، واتخذا قرارًا باستئناف العلاقات بين البلدين.

في كل مرة، كانت إيران تحيل أسباب قطع السنغال علاقاتها معها إلى ضغوط من قبل دول أجنبية تمت ممارستها على الحكومة السنغالية.

الدبلوماسية الإيرانية واستقرار العلاقات:

شهدت العلاقات نوعًا من الاستقرار مع تولي الرئيس الإيراني السابق «حسن روحاني» (2013 – 2021) الذي هنأ في شهر يونيو من العام الماضي الرئيس السنغالي «ماكي سال» بمناسبة مرور خمسين عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قائلاً:

«إن البلدين الصديقين والشقيقين، اتخذا على مدى نصف قرن، خطوات كبيرة لتطوير العلاقات والتعاون بينهما في ظل العلاقات التاريخية الجيدة، والقواسم المشتركة، والتعاليم الدينية والثقافية، وفي إطار الاحترام المتبادل. وإن هذا المسار التاريخي سيستمر من أجل رفاهية الشعبين وتوطيد السلام والاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي».

حرص الطرفان على تبادل الزيارات على مستويات وزارية عديدة، تم خلالها إجراء محادثات ثنائية تهدف للنهوض بالعلاقات وتوسيعها في كافة المجالات، وتردد كثيرًا في تلك الزيارات اسم وزير الخارجية الإيراني السابق «جواد ظريف» الذي زار السنغال عدة مرات على رأس وفود رسمية بهدف تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.

على الرغم من استقرار العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أن الحكومة السنغالية ما زال ينتابها شعورًا بالقلق إزاء أي تقارب مع إيران، ولديها شعور بأن إيران مستمرة في تدخلاتها ليس فقط في السنغال بل في غالبية الدول الإفريقية، والجدير بالذكر أن هذا الشعور تأكد عقب تبني الولايات المتحدة سياساتها الحاسمة تجاه طهران بعد تولي الرئيس الأمريكي «بايدن».

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن العلاقات الثنائية بين إيران والسنغال تأرجحت - على مدار تاريخها - ما بين التبادل والمقاطعة، إلا أنها بدأت في الاستقرار النسبي مع تولي الرئيس السابق «حسن روحاني» عام 2013، ومن المتوقع أن تسير على نفس الوتيرة في عهد الرئيس الإيراني الحالي «إبراهيم رئيسي» الذي تولى منصبه في أغسطس من العام الماضي.

  وعن أسباب المقاطعة، لكل طرف وجهة النظر المقابلة للآخر؛ فالجانب السنغالي يتعامل مع إيران بمبدأ «الحيطة والحذر» فهو يدرك تمامًا خطورة التحركات الإيرانية لا سيما وأن إرث انعدام الثقة السنغالية بإيران ما زال حيًّا داخل أروقة صناع القرار السنغالي، وذلك انطلاقًا من الفكرة الأساسية التي تقوم عليها الدولة الإيرانية وهي «تصدير الثورة».

أما الجانب الإيراني فيرى أن السنغال هي ساحة للصراعات بينها وبين قوى إقليمية ودولية منافسة كالولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، وغيرهما. ومن وجهة النظر الإيرانية أي تراجع في العلاقة مع السنغال بصفة خاصة والدول الإفريقية بصفة عامة ما هو إلا نتيجة للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية أو حتى بعض الدول العربية على السنغال لقطع علاقتها مع إيران.

 

** باحث بمكتبة الإسكندرية

 

Dr.Radwa
Egypt Air