كتب : محمد الشريف
24 شهرا مضت على انطلاق الحلم الذى فتح الطريق أمام تحقيق طموح شعب توحد حول فكرة كانت يوما مجرد حلم، تلك القناة التى دشنتها سواعد المصريين، وافتتحها القائد عبدالفتاح السيسى بحضور قادة ورؤساء وملوك العالم، فتعالوا معنا نشارك جموع المصريين فرحتهم بالذكرى الثانية لذلك المشروع العظيم.
بدأت فكرة إطلاق قناة موازية للمجرى الملاحى لقناة السويس عندما أدركت القيادة السياسية أن قدرة منطقة القناة على تقديم كل الخدمات اللوجستية للسفن التجارية العابرة خلالها محدودة للغاية، فضلا عن الدور الضعيف الذى يمكن أن تلعبه القناة في تهيئة المنطقة لتصبح مركزا تجاريا، واجهت مصر هذا النمو من خلال المشاريع المختلفة لتوسيع القناة وتعميق مجراها الملاحي لتكون قادرة على استيعاب سفن أضخم وأكثر سعة، لكن ظل الحد الأقصى لعدد السفن التي يمكن أن تمر خلالها يوميا ذهابا وإيابا قيدا أساسيا على القناة، من هنا بدت الحاجة إلى إيجاد حلول من خلال مشروع شق قناة أخرى موازية للقناة الحالية لمضاعفة طاقة منطقة القناة على استيعاب المزيد من السفن العابرة وبحمولات أضخم وتقليل ساعات العبور، فضلا عن التفكير في إنشاء عدد من التسهيلات التي تعمل على خدمة حركة النقل من خلال القناة.
إشارة البدء
فى أغسطس 2014 وقع الرئيس عبدالفتاح السيسى وثيقة حفر قناة السويس الجديدة وقدمها للفريق مهاب مميش، رئيس هيئة القناة لتنفيذها، وإيمانا منه بقدرة المصريين على قهر الصعاب وإنجاز المهام فى أوقات قياسية ألزم الرئيس منفذى المشروع بالانتهاء منه خلال عام واحد فقط بدلا من ثلاث سنوات كما عرض ماميش على الرئيس خلال الاحتفال بتوقيع وثيقة الحفر، وأعلنت هيئة القناة أن تكلفة الحفر ستبلغ 8 مليارات دولار، و4 مليارات دولار لحفر قناة موازية للمجرى المائي لقناة السويس والذي يبلغ طوله بعد آخر تطوير تم إجراؤه في عام 2009 نحو 192 كيلو مترا، ويبلغ طول القناة الموازية 72 كيلو مترا، تم شق 35 كيلو مترا منها بتقنية الحفر الجاف، بينما استكمل ما تبقى من الطول المقترح للقناة وهو 37 كيلو مترا بتعميق مجرى القناة الحالية ووصله بالجزء المنفذ بالحفر الجاف، في ذاك الوقت ظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي على شاشة التليفزيون الرسمي يضغط على زر مطلقا أصوات انفجارات ودخان أسود إيذانا ببدء أعمال الحفر، قائلا: بسم الله وعلى بركة الله نبدأ حفر قناة السويس الجديدة.
سواعد مصرية
لم يتخيل العالم أجمع أن المصريين قادرين على إنجاز ذلك المشروع دون الاعتماد على عقول وشركات عالمية فى تنفيذه، فكان إعلان الرئيس بإسناد تلك المهمة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة بمثابة مفاجأة كبيرة للعالم خاصة بعد تقليص المدة إلى 12 شهرا بعد أن كانت 36 شهرا، وظل العالم يراقب عن كثب، هل سيتمكن المصريون من حفر القناة فى تلك الفترة؟
وقد استعانت هيئة قناة السويس والهيئة الهندسية للقوات المسلحة بأكثر من 80 شركة وطنية مدنية تعمل على مدار 24 ساعة يوميا، بالإضافة إلى 6 شركات تكريك و4300 معدة هندسية، وقد أثمر تعاون جهود أكثر من 43 ألف عامل عن تطوير واحد من أضخم المشاريع الوطنية للقرن الحادى والعشرين.
وبالمقارنة بين مشروع قناة السويس الأساسي والجديدة، نجد أن إنجاز القناة الجديدة يعود للمصريين، في حين نسب إنجاز القناة الأساسية التي تم افتتاحها عام 1868 في عهد الخديوى إسماعيل للمهندس الفرنسي "فيرديناند دي ليسيبس"، والذى حقق إنجازه على حساب العمال المصريين الكادحين الذين مات معظمهم خلال حفر القناة.
أموال مصرية
أثبت الشعب المصرى فى أكثر من موقف دعمه ومساندته لقائده الرئيس عبد الفتاح السيسى، بداية من ثورة 30 يونيو مرورا بالاستفتاء على دستور 2014 وصولا إلى الانتخابات الرئاسية، وعندما طرحت الحكومة المصرية شهادات استثمار على المواطنين بعائد 12% لمدة 5 سنوات بهدف جمع 60 مليار جنيه خلال شهر من طرح الشهادات "تكلفة حفر القناة الجديدة" لم يكن من الشعب المصرى صاحب الثورتين العظيمتين، والذى فوض المشير فى محاربة الإرهاب واستدعاه لحكم البلاد إلا أن لبى نداء الوطن ليتم جمع 64 مليار جنيه خلال ثمانية أيام فقط فى ملحمة اعتبرت تأييدا جديدا للرئيس المصرى.
بداية العمل
في السابع من أغسطس 2014 وبعد يومين فقط من تكليف الرئيس السيسي للواء كامل الوزيرى، رئيس أركان الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة بدأت مرحلة الحفر بمشاركة 44 ألف عامل مصرى، عن طريق 55 ألف معدة، بإجمالى 84 شركة مقاولات، وفرت لهم الدولة جميع سبل الراحة لإنجاز المشروع، وتولت كتيبتان من القوات المسلحة إزالة الألغام ومخلفات الحرب على طول القناة، بالإضافة إلي كتيبتي طرق للمساعدة فى عمليات الحفر، وخلال 9 أشهر فقط من بدء العمل استطاعوا الانتهاء من الحفر الجاف واستخراج ما يقرب من 250 مليون متر مكعب من الرمال، تلى ذلك عمليات تدبيش الأجناب بطول 100 متر لضبط أجناب القناة الجديدة لمنع ترسيب الرمال مرة أخرى.
بعد الانتهاء من المرحلة الأولى بدأت الحفر المائي "التكريك"، وشارك فى هذه المرحلة 2000 عامل من هيئة قناة السويس، و3000 عامل من تحالف التحدى، 750 عاملا من تحالف الأمل، وذلك باستخدام إجمالي 45 كراكة، إضافة إلى 4 فنادق عائمة منذ بداية المشروع لاستراحة العاملين وتناوب الورديات، وانتهت أعمال التكريك المائى برفع 258.8 مليون متر مكعب من الرمال المشبعة بالمياه، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة تم تركيب عدد 120 شمندورة على طول المجرى الملاحى للقناة الجديدة مزودة بإضاءة من الطاقة الشمسية ومرتبطة بنظام إليكترونى عبر الحاسب الآلى يحقق الربط والاتصال بين السفن العابرة ومراكز الإرشاد بهيئة القناة، ومجهزة بمساعدات ملاحية تسهل من مهمة المرشد فى إرشاد السفن أثناء العبور وسط أجواء مناخية سيئة قد تحجب الرؤية.
حفل الافتتاح
"قناة السويس هدية مصر للعالم" كانت هذه البداية التي شقت بها السفن مشروع قناة السويس الجديدة، بعد تعب ومجهود وشهادات استثمار مصرية خالصة ساعين وراء بصيص من الأمل فى تقدم وازدهار وطن عزيز، ففى السادس من أغسطس 2015 ووسط مشاركة إقليمية ودولية واسعة وبحضور نحو 30 شخصية من زعماء العالم بالإضافة إلى ما يقل عن 90 وفدا رسميا أعلنت الرئاسة المصرية انطلاق مراسم افتتاح "قناة السويس الجديدة" ليشهد العالم أجمع إنجاز المصريين التاريخي والذى تم الانتهاء منه في ظروف صعبة مرت بها الدولة المصرية، كأول إنجاز للرئيس السيسى عقب توليه الحكم.
مصر قوية
لم يكن ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسى بالزى العسكرى مستقلا يخت المحروسة – أول عائمة بحرية تعبر قناة السويس عام 1869- والذى استقله من قبله الرئيس محمد أنور السادات خلال الافتتاح الثانى للقناة عبثا بل حمل العديد من الرسائل للعالم أجمع مفادها أن العمل فى قناة السويس تكملة للرؤية المصرية، كما أكد على انتمائه إلى المؤسسة العسكرية من خلال ظهوره مرتديا زيه العسكرى، وأن القوات المسلحة لديها إمكانيات عالية وعلى جاهزية بسلاحها الجوى والبحرى الحديث فى الدفاع عن وطنها، حيث تبعته قطع بحرية عسكرية منها الفرقاطة "فريم" فيما حلقت طائرات عسكرية مقاتلة من أنواع مختلفة فوق مجرى القناة في عرض جوى كبير.
حلم طفل
فى لفتة إنسانية ليست جديدة على الرئيس عبد الفتاح السيسى فوجئ العالم بالطفل عمر صلاح، المصاب بالسرطان على متن يخت "المحروسة" فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، وظهر بصحبة الرئيس مرتدياً الزى العسكرى حاملا علم مصر في يديه، وتعود قصة لقاء الطفل عمر بالرئيس السيسى إلى زيارة طلبة الكلية الحربية مستشفى السرطان والتبرع بالدم بشكل مستمر للأطفال الموجودين بها، وفيما بعد قام الطفل عمر بزيارة الكلية الحربية وصاحب عدد من الضباط أثناء جولتهم وأبدى رغبته فى أن يصبح ضابطا فى الكلية الحربية، ومقابلة الرئيس السيسي، وبالفعل حرص الرئيس على تحقيق حلمه فكان برفقته على يخت المحروسة.
وعدنا فأوفينا
حرص سيادة الرئيس على التأكيد على مدنية الحكم في مصر وذلك من خلال خطابة بالزى المدنى، وقال أثناء حفل الافتتاح: إن الشعب المصرى استطاع إنجاز مشروع القناة الجديدة في ظروف صعبة على الصعيدين الاقتصادى والأمنى بالإضافة إلى المخططات الإرهابية، لافتا إلى أن إصرار المصريين وعزيمتهم القومية مكنتهم من التغلب على كل هذه الظروف، وتابع "إننا وعدنا العالم بأن نقدم له القناة الجديدة كهدية، ووفينا بالوعد الذى قطعناه علــى أنفسنـــــا فى زمن قياسى، لنهدى للعالم شريانًا إضافيا للرخاء يساهم فى تيسير وتنمية حركة الملاحة الدولية، ويفتح آفاقا جديدة للتنمية، ويشارك فى تحقيق آمال وطموحات شعب مصر العظيم الذي أنجز هذا المشروع بعقول أبنائه وقوة سواعدهم وأموالهم".
أرباح القناة
وبعد أيام قليلة من افتتاح قناة السويس، صرح السيسي أن أرباح القناة الجديد غطت تكلفتها مشيرا إلى أنها تكلفت 20 مليار جنيه، وأن دخل القناة ارتفع جراء زيادة أعداد السفن التى وصل عددها إلى 60 أو 63 سفينة في اليوم في المتوسط بعد أن كان عددها من 45 إلى 47 سفينة يوميا, كما نفى خلال افتتاحه مشروع المليون ونصف فدان بالفرافرة ما يردده البعض من شائعات حول انخفاض إيرادات القناة.
الذكرى الأولى
فى السادس من أغسطس 2016 شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي الاحتفال بالذكرى الأولى لافتتاح قناة السويس الجديدة، والذكرى الستين لتأميم قناة السويس، حيث شاهد فيلماً وثائقيا عن قناة السويس وتاريخها بعنوان "شعب ينتصر"، استعرض حفر القناة بمساهمة مليون مصري حتى تم افتتاحها في 17 نوفمبر 1869، إلى أن تم تأميمها في يوليو 1956، وما شهدته من أعمال تطهير وإعادة افتتاح في عام 1975 بعد انتصارات حرب أكتوبر، فضلا عما شهدته من أعمال للتطوير حتى افتتاح القناة الجديدة في 6 أغسطس 2015 لتقدم مصر هديتها إلى العالم وتحقق إنجازاً كبيراً في وقت قياسي ليساهم في عملية التنمية الشاملة، كما شاهد مرور سفن الحاويات العملاقة من قافلتي الشمال والجنوب من عدد من الدول، بالإضافة إلى عبور عدة قطع بحرية شملت الفرقاطة "تحيا مصر" من طراز "فريم" وحاملة المروحيات "جمال عبدالناصر" من طراز "ميسترال"، فضلاً عن عدد من لنشات الصواريخ.