في هذا الجزء من الدراسة يتناول د. مجدي عبد الجواد الداغر أستاذ الإعلام وتكنولوجيا الاتصال المساعد بكلية الآداب جامعة المنصورة استراتيجيات التنظيمات الإرهابية في مصر، وأهمية توقيت العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018"، وخصائص هذه العملية ومقوماتها.
استراتيجيات التنظيمات الارهابية فى مصر:
في 10 نوفمبر عام 2014، أعلنت جماعة "أنصار بيت المقدس" في سيناء عن تغيير اسمها إلى "ولاية سيناء"، وذلك بعد وقتٍ قصير من كلمة زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي والتي أعلن فيها قبول بيعة الجماعات التي بايعته في عدة دول، ودعا البغدادي التنظيمات التي أعلنت مبايعته الانضمام لتنظيم "داعش"، وتحول حساب جماعة "أنصار بيت المقدس" على "تويتر" إلى اسم "ولاية سيناء".
وفى عام 2015، تزايدت معدلات استهداف التنظيمات الإرهابية عبر العبوات الناسفة، والتي تراها التنظيمات الإرهابية الوسيلة الأسهل في الحمل والتصنيع، ومن ثم فقد اعتمدت عليها هذه التنظيمات بشكلٍ كبير في تنفيذ أهدافها في الداخل المصري، وتنفيذ عديدٍ من العمليات الإرهابية منها تفجير دار القضاء العالي وجامعة القاهرة، علاوة على استهداف قوات الأمن على الطرق العامة.
وفى عام 2016، أضافت التنظيمات الإرهابية تغييراً في استراتيجياتها عندما اعتزمت استهداف الكنائس والمساجد عن طريق العمليات الانتحارية للأفراد، مثل "الكنيسة البطرسية" وسقوط نحو 25 قتيلًا وعشرات المصابين، ثم تفجيريْ كنيستيْ طنطا والإسكندرية ومسجد الروضة بالعريش.
وفى عام 2017، أسفرت العمليات الارهابية التي نفذتها التنظيمات الإرهابية في سيناء عن استشهاد نحو (693) من المدنيين وقوات الجيش والشرطة، مقابل نحو (446) عام 2016، بزيادة بلغت حوالي 34% مقارنة بعام 2016، وهو ما يعنى تصاعد الأعمال الارهابية بشكل كبير خلال عام 2017، فيما تراجعت هذه العمليات خلال الربع الأخير من العام نفسه.
وعلى مستوى المحافظات تعرضت 10 محافظات بوادي النيل ودلتا مصر لعددٍ كبير من العمليات الارهابية عام 2017، وجاءت القاهرة الأعلى استهدافاً بـ (12) عملية ارهابية، ثم محافظة الغربية بـ (8) عمليات إرهابية، فيما جاءت المنيا والقليوبية وبنى سويف أقل المحافظات بمعدل عملية واحدة، واختفاء بعض المحافظات من خريطة العمليات الارهابية ومنها بورسعيد، السويس، الإسماعيلية، مرسى مطروح، والدقهلية، فيما استمرت العمليات الإرهابية فى محافظات الغربية والشرقية والبحيرة، وتراجعت فى محافظات القاهرة الكبرى مقارنة بالأعوام السابقة.
وعلى الرغم من تنوع الأهداف التي تقصدها التنظيمات الإرهابية في سيناء، إلا أنها كانت تركز على قوات الأمن، والكمائن الأمنية، وسيارات الشرطة، والكنائس واستهداف المدنيين والدعاة والشيوخ ورجال القضاء والأقباط، حيث شهد النصف الأول من عام 2017 استهدف حافلة للأقباط كانت في طريقها إلى زيارة دير"الأنبا صموئيل" في المنيا، عبر مجموعة ملثمين أطلقوا النار على مَن بداخلها، وأسفر الهجوم عن سقوط 28 شهيدًا و27 مصابًا، وسرقة ذهب وحلى السيدات اللاتى كُنَّ في الحافلة.
استراتيجيات التنظيمات الارهابية فى سيناء:
تمثلت أبرز استراتيجيات التنظيمات الإرهابية في سيناء وفقًا لما ذكره بعض الخبراء فيما يأتي:
- استهداف المدنيين كما حدث بمذبحة مسجد الروضة فى "بئر العبد" والكنائس المصرية (البطرسية، مارمرقس، مارجرجس، مارمينا)، واستهداف شيوخ القبائل عند تعاونهم مع أجهزة الأمن أو عدم التعاون مع التنظيم .
- استهداف الأقباط عن طريق تفجير كنائسهم ومنها تفجيرات: المرقسية البابوية بالعباسية وكنيستى مارمرقس ومارجرجس بطنطا والإسكندرية، بالإضافة إلى استهداف حافلة للأقباط بصحراء محافظة المنيا في عاميْن متتالييْن.
- اتجاه التنظيمات الارهابية نحو استخدام العبوات الناسفة واستهداف سيارات الجيش والشرطة، وهو ما ظهر من تعدد تفجيرات سيارات الشرطة على طريق الأوتوستراد بمنطقة المعادى بالقاهرة.
- اتجاه التنظيمات الارهابية نحو العمليات الانتحارية عن طريق عناصرها فى الوادي والدلتا، وهو ما حدث فى واقعة تفجير كنيستىْ مارمارقس ومارجرجس وكمين "البرث" برفح، والتى استشهد فيها العقيد أحمد منسى وعددٌ من قوات الصاعقة المصرية.
- تزايد عدد العناصر الارهابية من جنسيات غير عربية الذين تم القبض على بعضهم في أثناء المواجهات مع قوات الجيش والشرطة فى شمال سيناء مثل ( مفلح ابو عذرة، طارق بدوان ، محمد أبو سنيمة).
- نجاح قوات الجيش والشرطة فى تصفية عددٍ كبير من البؤر الإرهابية فى سيناء وسقوط أعدادٍ كبيرة من قيادات التنظيمات الإرهابية من بينهم أبو أنس الانصاري وعودة سلامة، الذي يُعَدُ الرجل الثانى فى تنظيم "بيت المقدس".
- تراجع عدد العمليات الإرهابية فى محافظات الوادي والدلتا نتيجة الضربات الأمنية التى تنفذها قوات الجيش وأجهزة الأمن ضد التنظيمات الارهابية مثل "حسم" و"لواء الثورة" .
أهمية توقيت العملية العسكرية "سيناء 2018":
تمثل أهمية توقيت العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" فيما يأتي:
- تعتبر سيناء أحد أهم بؤر عناصر تنظيم "داعش" في مصر، بعدما انحصر تواجد التنظيم في ليبيا وطرده من مدينة "سرت" – التي كانت تعتبر عاصمة التنظيم في إفريقيا- ورغم محاولات التنظيم الإرهابي تجميع عناصره واستجماع قواه لمعاودة الظهور مرةً أخرى على الساحة الليبية مع مطلع 2018، إلا أنه فعلياً لم يتمكن من ذلك، وبالتالي كان القضاء على ما تبقى من عناصر "داعش" في سيناء ضربةً قوية للتنظيم في إفريقيا، خاصةً أن سيناء كانت عنصرَ جذبٍ لعناصر “داعش” في ليبيا، أو نقطة ارتكاز أساسية لأتباع التنظيم من جنسيات إفريقية مختلفة.
- إن القضاء على ما تبقى من العناصر الإرهابية في سيناء ضربة قوية لتنظيم "داعش"، خاصةً بعد تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بانتقال عناصر إرهابية من سوريا والعراق إلى سيناء، وهذا ما بدا جلياً من محاولات إحياء فرعه بليبيا، ولذلك كانت العملية الشاملة 2018 حجرَ عثرة أمام تنفيذ أية مخططات في إفريقيا والبلدان العربية .
- الأهمية الاستراتيجية لسيناء بالنسبة للتنظيمات الإرهابية حيث أعلن تنظيم "داعش" انضمام عناصر من قطاع غزة إليه، وأن القضاء على عناصر "داعش" بسيناء، يوقف هذا المخطط لتوسيع النفوذ وضم عناصر جديدة من قطاع غزة.
- إن القضاء على الإرهاب في سيناء من شأنه أن يُنهى تاريخاً طويلاً من العنف والإرهاب منذ تسعينيات القرن الماضي بدايةً من الجماعات الجهادية المسلحة وانتهاءً بالتنظيمات الإرهابية الحديثة التي خرجت من رحم "جماعة الإخوان" الإرهابية في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، مثل "حسم" و"العقاب الثوري" و"لواء الثورة"، إذ تمثل سيناء مأوى لعناصر خارجة عن القانون تحمل أفكاراً معادية للدولة اعتماداً على الطبيعة الصحراوية وسهولة التحرك والتخفي وسط الجبال.
وقد كان من نتائج العملية العسكرية "سيناء 2018" التي قامت بها القوات المسلحة في سيناء ضد التنظيمات الإرهابية ما يلي:
- تراجع دور عدد كبير من التنظيمات الإهابية في سيناء، مثل تنظيم "أنصار الجهاد" الذي سبق وبايع أيمن الظواهري وأعلن انضمامه لتنظم القاعدة، وتوقف عمليات تنظيم "مجلس شورى المجاهدين"، فيما تصاعد دور تنظيم "أنصار بيت المقدس"، بعد اندماج عدد من هذه التنظيمات تحت لوائه .
- تراجع دور تنظيم "جيش الإسلام" في سيناء، بعد تدمير نحو 85% من الأنفاق العابرة بين سيناء وقطاع غزة، وانقطاع طرق العودة إلى قطاع غزة وحصاره في سيناء، حيث أكد المتحدث العسكري للقوات المسلحة أن 70% من العناصر التكفيرية في سيناء قد هربت إلى قطاع غزة، وكانت تتلقى تدريبات عسكرية بمنطقة "دير البلح" وسط قطاع غزة، وهى المنطقة التي تشهد تدريبات لحركة "حماس" وتنظيم "جيش الإسلام" الذي يسيطر عليه "ممتاز دغمش".
- تراجع طموحات التنظيمات الإرهابية في جعل سيناء مركزاً لتنظيم "القاعدة"، وخاصةً بعد مبادرة الصلح التي قادها "محمد الظواهري" شقيق "أيمن الظواهري" زعيم تنظيم "القاعدة" عام 2012 مع "جماعة الإخوان" الإرهابية، والتي تنص على أن يقود أيمن الظواهري القاعدة من سيناء، ومن ثم تصبح سيناء مركزاً للقاعدة في العالم.
وتتمثل خصائص العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" فيما يأتي:
- الشمولية: حيث اتسمت العملية بدرجة عالية من التنسيق بين مختلف أجهزة الدولة، وحجم القوات، بالإضافة إلى اتساع النطاق الجغرافي والذي ضم شمال ووسط سيناء، ومناطق بدلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادى النيل.
- التنسيق: ارتفاع درجة التنسيق الشامل والمنظم والدقيق بين القوات المسلحة وقوات الأمن، وهو ما مِكَّن القوات المسلحة من النجاح في تدمير عديدٍ من الأهداف الخاصة بالتنظيمات الإرهابية.
- التسليح: حيث استخدمت القوات المسلحة أنواعاً مختلفة من الأسلحة، مثل مقاتلات F16، والرافال، ومروحيات الأباتشي، والشينوك، وطائرات "كاسا سي 295 "، والإنذار المبكر.
مقومات العملية العسكرية الشاملة " سيناء 2018 ":
تمثلت أهم مقومات العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" - كما يذكر بعض الخبراء -فيما يأتي:
- الدعم الشعبي: حيث حظيت العملية الشاملة بدعم شعبي واسع، واحتشد كل المجتمع دعماً للقوات المسلحة، وعلى الرغم من وجود أصوات كانت تحاول التقليل من قيمة العملية، إلا أن قوة وشمولية العملية كان لهما الغلبة في سيادة الطرح الموضوعي لما يتم بذله من جهود جادة في مكافحة الإرهاب والتنظيمات الارهابية.
- الجدية والإصرار: حيث تعد العملية "سيناء 2018" أضخم العمليات العسكرية التي شهدتها سيناء، في خطوة جادة للاتجاه نحو تنفيذ الالتزامات التي اتخذتها الدولة على عاتقها بهدف تطهير سيناء من العناصر الإرهابية.
- عملية مستمرة: حيث أنها عملية ظلت ممتدة على مدى زمني واسع حتى تحقق الهدف منها، وهو القضاء على الإرهاب فى سيناء.
- قوة الجيش: حيث استطاعت القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع المؤسسات الأمنية تحقيق نجاحات واسعة انعكست بصورة واضحة على انحسار النطاق الجغرافي للعمليات الإرهابية وتمركزها في مناطق بعينها شمال سيناء، بالإضافة إلى التراجع الكبير في عدد العمليات الإرهابية، والانخفاض الملحوظ في حجم الإرهاب هناك.
- التوقيت المناسب: حيث جاء توقيت تنفيذ العملية الشاملة دلالة واضحة على الحسم، وبرهنت على أن الدولة تتعامل مع الإرهاب بجدية، وهو ما عكسته شموليتها وجدية التوقيت.
- رفض التدخل الخارجي: حيث رفضت مصر الدعم الأمريكي للمشاركة في العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018"، بالإضافة إلى رفض مشاركة إسرائيل في الطلعات الجوية فوق سيناء، وهو ما يعنى إصرار مصر خوض معركتها مؤكدة أنها قادرة على حماية أرضها وحدوها في مواجهة قطعان الإرهابيين.
ونستكمل عرض نتائج هذه الدراسة المهمة في المقال القادم بإذن الله.