الجمعة 10 مايو 2024

الاستثمار النبيل «2»

مقالات24-10-2022 | 20:39

ليس هناك أخطر من الاستقرار الهش والوهمي.. الذى جاء نتاج عدم قدرة على مجابهة التحديات.. سرعان ما يفضى إلى كوارث حقيقية وعجز وانهيار.. يؤدى إلى فوضى بسبب غياب الإجراءات الحاسمة.. والحلول الجذرية والاكتفاء بالمسكنات ووسائل التخدير وتخفيف الألم والوجع.. وليس هناك أطهر وأشرف وأعظم من توظيف حب وثقة الناس في البناء والإصلاح والتنمية المستدامة.. لخلق استقرار حقيقي.. وتلبية احتياجات وتطلعات وآمال المواطن.. تلك هي عبقرية الطرح في البندين الأول والثاني التي تناولهما الرئيس ضمن رؤية عبقرية.. ضمت 13 بنداً شخصت بدقة الحالة المصرية والأزمة العميقة التي عاشتها على مدار 50 عاماً.

 ما بين البندين الأول والثاني في كلمة الرئيس

بالمؤتمر الاقتصادي.. اتساق وترابط عبقري.. فكل منهما يكمل الآخر

جاءت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في افتتاح المؤتمر الاقتصادي كاشفة تشرح وتفسر الحالة المصرية على مدار 50 عاماً وضعت تشخيصاً وتوصيفاً دقيقاً لعمق الأزمة التي عانت مصر منها في العصر الحديث.. والتي كانت تستوجب وتتطلب إجراءات واضحة وحاسمة للتعامل معها لعلاج الاختلالات التي تشكلت في 5 عقود كاملة تناولنا بالأمس البند الأول والذى أكد على أن عمق الأزمة التي تعانى منها الدولة المصرية في العصر الحديث يتطلب إجراءات حاسمة وحلولاً جذرية.. لكنها لم تجد البيئة المناسبة والمهيأة سياسياً وفكرياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً ودينياً، والتي من شأنها أن تساهم في تحديد المسار الصحيح والناجع وتحقيق القبول والرضا الشعبي بما يساند الرؤى والإجراءات الإصلاحية والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية التي تفضى في النهاية إلى بناء وتنمية مستدامة وبالتالي استقرار حقيقي.

البند الأول في كلمة الرئيس السيسي له علاقة ارتباطية وثيقة بالبند الثاني في أسباب ما آلت إليه الحالة المصرية والأزمة العميقة للدولة خلال 50 عاماً خاصة فيما يتعلق في التأكيد على أن مجابهة التحديات كانت تصطدم بمحاذير الحفاظ على استقرار الدولة الهش بدلاً من التحرك في مسارات الحلول التي تتسم بالخطورة.. والحقيقة أن العلاقة بين البندين الأول والثاني أراهما متسقين تماماً.. خاصة إذا كانت الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية لم تجد البيئة المناسبة لتمريرها وقبولها شعبياً في البند الأول فإن البند الثاني يشير إلى عدم قدرة الدولة في تحمل نتائج وتكلفة مسار الإصلاح والإجراءات الحاسمة من خلال عدم صلابة الرأي العام المساند لهذا المسار.. لذلك فالارتباط يتجسد في غياب البيئة المهيأة، وافتقاد الرأي العام الصلب المساند لهذه الإجراءات والمسارات الإصلاحية.. لذلك كان من الصعب تمرير هذه المسارات.

قبل الخوض في التفاصيل علينا أن نتفق أولاً أن ما حدث في مصر خلال الـ8 سنوات الماضية يقترب إلى حد المعجزة وهو  أمر استثنائي وفريد بالنسبة للدولة المصرية وما شهدته من إصلاحات وإنجازات ونجاحات وقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة بالاستناد إلى قناعة وثقة وإيمان بأهمية الإصلاح والإجراءات الحاسمة وهو الأمر الذى حقق نتائج وإنجازات فاقت كل التوقعات.. وعلى حد اعتقادي أننا نحتاج المزيد ليس في الجرأة والشجاعة فحسب.. بل  في اتخاذ مثل هذه الإجراءات لتطبيق الرؤى الإصلاحية لتحقيق البناء والتنمية المستدامة التي تؤدى في النهاية إلى تحقيق أمرين مهمين بناء الوطن وتحقيق آمال وتطلعات المواطن.. وهنا نحن في حاجة ماسة إلى مشروع قومي لبناء منظومة عصرية واعية لتشكيل الرأي العام نحو أهداف الوطن.. وامتلاك القدرة على خلق بيئة سياسية وفكرية واجتماعية وثقافية وإعلامية ودينية قادرة على الدفع نحو اتخاذ الإجراءات الحاسمة والرؤى الإصلاحية والحلول الجذرية بما يحقق بناء الوطن على أسس صحيحة.. ويتيح التنمية المستدامة ويرسخ الاستقرار الحقيقي.. ويؤسس لقاعدة التقدم في وطن بلا أزمات أو معاناة.

أن انصهار المكونات الثلاثة صانع ومتخذ القرار، ومنظومة تشكيل الرأي العام والرضا والقبول الشعبي هي الضمانة الحقيقية لبلوغ الوطن أهدافه.. لذلك فإن ما تحقق خلال الـ8 سنوات من طفرة غير مسبوقة على صعيد البناء والتنمية والاقتصاد في مصر جاء محصلة قيادة وطنية تحظى بالحب والثقة والتقدير الشعبي.. لذلك كان الرهان الصادق والأمين والوطني على وعى الشعب المصري.

الحقيقة اننى توقفت أمام أمرين مهمين للغاية في البندين الأول والثاني في كلمة الرئيس السيسي التاريخية والمشخصة بدقة للحالة المصرية، وهما مصطلحان غاية في الروعة والعبقرية سأتحدث عنهما باستفاضة وتندرج تحتهما الكثير من الحقائق المهمة التي تهم المواطن، والنخب السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية، حتى نرسم ملامح لطريق التقدم الذى بدأناه وحققنا على دربه نجاحات مهمة.. لكن المطلوب هو استمرار حالة الفهم والوعى والإدراك الحقيقي لمتطلبات الخلاص من واقع وتداعيات 50 عاماً من الخوف والتحسب من رد فعل الرأي العام أو الشارع أو المجتمع أو غياب البيئة السياسية والفكرية المساندة والقادرة على تشكيل الرأي العام المساند وهو ما ظل عالقاً في فكر القائمين على مسئولية مصر على مدار 60 عاماً.. لذلك لم تتخذ الدولة المصرية خطوات إصلاحية.. أو إجراءات حاسمة وحلولاً جذرية خشية ان تكون تكلفة هذه القرارات أعلى بكثير من عوائدها كما جرى في أحداث يناير 1977 في انتفاضة الخبز لمجرد زيادة أسعار بعض السلع الأساسية بضعة قروش.

دعوني أكون صريحاً للغاية أن عدم اتخاذ قرارات الرؤى الإصلاحية والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية على مدار 5 عقود ـ وقد يكون لها أسبابها ـ  هو وراء حالة التأخر المصري وانهيار الخدمات ولا أريد أن أقول انهيار الدولة وعدم قدرتها على تلبية احتياجات وتطلعات شعبها وظل الاتهام موجهاً لها بالتقصير رغم أن المواطن كان لا بد أن يعلم ويعرف من خلال القائمين على تشكيل الوعى والرأي العام من نخب سياسية وفكرية وثقافية حقائق الأمور وأهمية وجدوى هذه الإجراءات بدلاً من دغدغة المشاعر وتغييب الوعى ورفع شعار الاستقرار المزيف وغير الواقعي الذى أفضى إلى كوارث اقتصادية واجتماعية.

وحتى نصارح أنفسنا أكثر، ونكون جادين في معرفة أسباب عمق الأزمة على مدار 50 عاماً.. لابد وان نعلم أننا كرأي عام وراء تراجع الخدمات مثل الصحة والتعليم وحالة النقص والعجز في السلع والاحتياجات وانتشار ظاهرة الطوابير على الخبز والبوتاجاز والبنزين والسولار وانهيار وتردى البنية التحتية بسبب الإصرار على دفن رؤوسنا في الرمال وعدم مواجهة أنفسنا بالحقيقة وحتمية اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية وتأجيل هذه الإجراءات لعقود طويلة في النهاية حصدنا المعاناة والضعف والتراجع وهو ما يشير إلى أن الرئيس السيسي ورث تركة ثقيلة ومحملة بالأزمات والمشاكل المزمنة والمعقدة جميعنا نعرفها ونحفظها عن ظهر قلب لكن مازلنا نحمل الدولة المسئولية.

هذه المسئولية نراها في عدم القناعة والقبول بالإجراءات الحاسمة والقاسية الوقتية والتي تفضى في النهاية إلى تحقيق نتائج تنهى الأزمات والمشاكل.. هذه المسئولية نراها أيضاً في الإصرار على عدم الوعى بخطورة النمو السكاني غير المنضبط والذى لا يتعادل أو يتكافا على الأقل مع قدرات وإمكانيات وموارد الدولة وكما قال الرئيس نفسك تخلف 6 أو 7 عيال، وأنت غير قادر على رعايتهم والإنفاق الجيد عليهم.. ثم لا تلوم نفسك ولكن الدولة تحملت ثمن أخطائك هذه المسئولية أيضاً تراها في تحويل الدولة إلى خصم وعدو باتهامات سابقة التجهيز دون وعى حقيقي.. أو فهم صحيح وهو ما كان يرسخه الإعلام والدراما في العقود الماضية بنظرية فوت علينا بكره يا سيد يا محترم.. لم تدرك أن الدولة مثل رب الأسرة لها إمكانيات وقدرات محددة أو دخل معين تستطيع أن تنفق من خلاله على العدد المناسب على أبنائها وإذا قل الدخل والمورد عن عدد الأبناء فهنا تولد الأزمة والمعاناة والمشكلة.

الحقيقة أيضاً.. وعلى مسئوليتي الشخصية أننا كشعب ونخب سياسية وفكرية وثقافية وإعلامية.. في الخمسين عاماً الماضية ـ لم نتقبل الإجراءات الإصلاحية الحاسمة والحلول الجذرية.. واكتفينا بالمسكنات والتحذير ولم نع أهمية تناول الدواء المر مبكراً من أجل الشفاء والتعافي الكامل.. ونخب مصرية تراخت وزايدت ربما رغم وعيها بأهمية اتخاذ الحلول والإجراءات الجذرية.

أعود إلى النقطتين المهمتين من وجهة نظري في البندين الأول والثاني في حديث الرئيس السيسي خلال افتتاح المؤتمر الاقتصادي وهما كالتالي:

الاستثمار الوطني النبيل لحب وتقدير وثقة الشعب المصري بمعنى شعبية الرئيس في البناء والتنمية والإصلاح والتقدم ومصلحة الوطن والمواطن.. فالرئيس السيسي عند مناقشة «الدعم الجزئي للوقود» عام 2015.. تقدير الموقف آنذاك.. والنصيحة التي قدمت للرئيس أنه يغامر بشعبيته ورصيده الوافر عند الناس الرئيس السيسي لم يلتفت إلى ذلك وقرر بشكل متفرد وغير مسبوق.. ولم نعهده في أي رئيس آخر على مدار التاريخ.. وهو استثمار هذه الشعبية والحب والتقدير الجارف من المصريين في الإصلاح والبناء والتنمية وتغيير الواقع إلى الأفضل والحقيقة انه فكر مختلف ومتفرد، وتفكير استثنائي يسمو فوق النفس والمصالح الشخصية والذاتية وفيه تجرد وإنكار للذات.. فكر نبيل وشريف.. الرئيس لم ير سوى مصلحة مصر وشعبها ولم يلتفت إلى شعبيته على حساب مصلحة الوطن.. واعتبرها الرئيس فرصة تاريخية ربما لن تتكرر مرة أخري.. أو لن تتوفر ليحظى بنفس هذه الشعبية والتقدير غير المحدود من الشعب والحب الجارف والثقة.. واعتبرها الرئيس السيسي أمانة وطنية ومسئولية وفرصة ذهبية من أجل الإصلاح والبناء والتنمية لمصلحة مصر وشعبها.. لم يفكر في إجراءات المسكنات والتخدير ودغدغة المشاعر وبيع الوهم للناس.. لم يغض الطرف ويدير الظهر لإجراءات مهمة كانت فارقة في مصير الوطن على حد تعبير الرئيس ربما اليوم يتاح لك لتعبر (قناية) بسهولة وربما لا تستطيع أن «تعدى» البحر فيما هو قادم.. فما تفعله الآن ربما يصعب عليك في المستقبل.

لدى مثل شعبي مهم في هذا الاتجاه يقول «يا بخت من بكاني وبكى عليا ولا ضحكني وضحك الناس عليا» وأخذت منه معنى يتماشى مع واقعنا «يا بخت من تعبني بعض الوقت وأسعدني طول العمر».. لذلك يجنى المصريون الآن ثمار استثمار الرئيس شعبيته في البناء والإصلاح والتنمية في تجربة ملهمة فاقت نجاحاتها وإنجازاتها ونتائجها كل التوقعات وحمت مصر وشعبها من أتون تداعيات الأزمات العالمية.. ولحد تعبير الخبير الاقتصادي المصري العالمي محمد العريان «العالم واقع عالمي مؤلم ووضع مصري آمن» وهذا لم يأت من فراغ ولكنه جراء الشرف والوطنية وإعلاء مصلحة مصر وشعبها والاستثمار الأمثل والنبيل للشعبية ورصيد الرئيس لدى المصريين.. لذلك قرر الرئيس الصواب ومضى في قرار الإصلاح وتحمل المصريون بوعى وحب وثقة في الرئيس تبعات هذا الإصلاح.. لكنه عاد عليهم بالخير وتغيير الواقع إلى الأفضل.. وما حصدته أيديهم من ثمار كثيرة من نتائج هذه الإجراءات التي كانت في توقيتها حاسمة وصعبة وقاسية إلا أنها تحولت إلى نعم ومنح.. في إنجازات كثيرة مثل القضاء على العشوائيات وفيروس «سي» وقوائم الانتظار ومبادرات الرعاية الصحية والسكن الكريم وحياة كريمة وحماية اجتماعية وقدرة اقتصادية على تحمل الصدمات وتداعيات الأزمات العالمية التي يئن ويصرخ ويتألم منها العالم الآن.

لم أكن أريد الحديث في التفريط في الفرص التاريخية التي كانت متاحة على مدار 50 عاماً.. فربما تكون صعوبة تمرير مسارات الإصلاح الاقتصادي هي السبب.. لكن في ظني لا استبعد الاستسلام للأوضاع والحالة الصعبة.. وعدم الأقدام على اتخاذ الإجراءات الصعبة والرؤى الإصلاحية بسبب الحفاظ على مكتسبات أو الخوف على مصالح شخصية والاكتفاء بالمسكنات وتخدير الناس وتجاهل حتمية الإجراءات الإصلاحية بحثاً عن الذات وخوفاً عليها وعدم إعلاء المصلحة العامة.

أقولها بثقة وموضوعية وأمانة أمام المولي- عز وجل- أن الرئيس السيسي كان ومازال متفرداً في «فلسفة حكمه» التي حكمتها مصلحة الوطن والمواطن أولاً وأخيراً، واتخاذ ما يلزم من إجراءات تصب في مصلحة مصر وشعبها والتوجه الوطني الشريف في مراعاة حق مصر في البناء والتنمية وأهمية التدخل واتخاذ ما يلزم لمعالجة طوفان الأزمات والمشاكل المزمنة والمعقدة والإيمان بأن مصر وشعبها يستحقون وضعاً أفضل وحياة كريمة.. ولم يلتفت إلى الأمور والحسابات الشخصية.. ولكنه وظف واستثمر شعبيته وحب وثقة الناس في بناء وطنه وتحقيق آمال وتطلعات شعبه.. هذا هو المعنى والمغزى الواضح والرسالة التي يجب أن تصل لكل المصريين.. والسؤال المهم الذى نطرحه على كل شريف وأمين.. كيف كانت حالة وأوضاع مصر الاقتصادية والخدمية عقب ثورة 30 يونيو 2013 وكيف تسلمها الرئيس السيسي؟.. هل كانت «بلداً على المفتاح كما يقول أهالينا» أم أنها كانت تعانى وتئن من طوفان مشاكل معقدة وأزمات مزمنة ومستقبل مجهول؟.. والسؤال المهم أيضا.. ماذا كان حال مصر إذا لم يتخذ الرئيس السيسي الإجراءات المهمة للإصلاح والبناء وتخليص مصر وشعبها من تلال الأزمات والمشاكل وجميعنا يحفظها عن ظهر قلب ولنا أن نراجع ذكريات مؤلمة ومشاهد كارثية كانت موجودة في مصر من طوابير ومعاناة في الحصول على الخدمات.. وعشوائيات وأمراض وفقر وريف تراجع لآلاف السنين وطرق متهالكة وبنية تحتية متردية وتدمير للزراعة والصناعة ونقص وعوز وسد احتياجاتنا من الخارج بنسبة 65٪ فهل كان يصلح ذلك مع دولة كبيرة ومحورية وعظيمة مثل مصر؟ وإذا لم يفعل الرئيس السيسي ويحقق كل هذه النجاحات والإنجازات ماذا كان حالنا الآن في ظل تداعيات شرسة ومؤلمة وقاسية بسبب الأزمات العالمية؟.. أعتقد أن وضعنا كان كارثياً الآن لولا توفيق الله لرئيس وطني مخلص وشريف ترفع عن أي مطامع أو مصالح شخصية ولم يبحث عن ذات أو دنيا.. همه وعقيدته وهدفه وسعادته بناء وطن قوى وقادر يحقق مقومات البقاء والخلود ويلبى آمال وتطلعات واحتياجات شعبه.

النقطة الثانية من المحور الثاني في كلمة الرئيس جاءت في سياق ومصطلح عبقري وهو الحفاظ على الاستقرار الهش للدولة وهذا المصطلح يحمل الكثير من المعاني والأسباب التي تؤدى إلى الاستقرار الهش، وفي اعتقادي أنه يأتي بسبب عدم النجاح في تحديد مسارات الإصلاح.. وعدم القدرة على اتخاذ الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية بسبب عدم النجاح في إقناع القاعدة الشعبية بحتمية هذه الإجراءات لتحقيق البناء والتنمية المستدامة وغياب كما قلت النخب السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية وتقصيرها في أداء دورها وعدم وعيها بضرورة الحلول الجذرية ربما لعدم جاهزيتها لذلك أو خشيتها من ردود الفعل.

الاستقرار الوهمي أو الهش هو أخطر ما يواجه بقاء الأوطان.. لأنه مثل (تورتة) لا شيء فيها سوى السطح.. وتحت السطح كوارث وعدم صلاحية.. الاستقرار الوهمي والهش جاء بسبب المسكنات والتخدير والتنويم والتأجيل للحلول الجذرية.

الاستقرار الوهمي أو الهش جاء أيضاً بسبب عدم القدرة على مجابهة التحديات.. فلعل أسباب انهيار منظومات الخدمات جاء بسبب الإفراط في تغييب الإجراءات الصحيحة والحاسمة للارتقاء بها.. انهارت الرعاية الصحية وتهاوت قدرة الدولة على الإنفاق عليها بسبب عدم عدالة سعر الخدمة.. كان هناك إصرار على مجانيتها فضاعت المستشفى وغاب الطبيب وخلت من أي أجهزة وانتشر المرض والمعاناة وتراكمت قوائم الانتظار وصب المواطن جام غضبه على الدولة.. انهارت منظومة السكة الحديد.. وتحولت القطارات إلى وسائل للموت وليس لنقل الركاب والمواطن بسبب عدم عدالة سعر التذكرة والتكلفة الحقيقية وغياب الإجراء الصحيح وعدم القدرة على مواجهة الناس.. كاد ينهار مرفق مترو الأنفاق وازدادت الأعطال وغابت الصيانة والتطوير بسبب غياب الحلول الجذرية والإجراءات الصحيحة.. انهار التعليم بسبب عدم ضبط النمو السكاني وعدم قدرة الدولة على تلبية بناء المدارس لتقليص كثافة الفصول وعجزت عن توفير التعليم العصري والوفاء بحق المعلمين فأصبح التعليم بلا عائد ولا يحقق تطلعات الوطن في التقدم لذلك وعلى حساب رأى كبار الخبراء في الاقتصاد أن الأفراط في إرضاء المواطن على حساب بناء الوطن خطر داهم.. وأخطر ما يواجهنا هو قياس الرضا الشعبي بما يتحصل عليها المواطن.. أو قياس الاستقرار بالإفراط في إرضاء المواطن وهو ما حذر منه أكبر الخبراء الاقتصاديين.. وأتذكر مقولة الدكتور طلال أبو غزالة المفكر الاقتصادي الكبير أنه يجب إحداث التوازن وعدم الإفراط في رضا المواطن على حساب بناء الوطن ومستقبله وأهداف التنمية المستدامة.

الاستقرار الهش هو نتاج فلسفة حكم غاب عنها الدعم والمساندة السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية وبالتالي عدم القبول الشعبي أو على أقل تقدير التفكير في المصلحة الشخصية الضيقة دون مراعاة مصلحة الوطن.. وهو ما يؤدى إلى كوارث حقيقية تتجلى في انهيار الدولة.. أو تفشى الفوضى والعجز وعدم القدرة على الوفاء بمسئوليات الدولة وخصومة غير واعية وغير حقيقية بين الدولة وشعبها.. من هنا فإن خطر «الاستقرار الهش».. ربما يؤدى إلى السقوط والانهيار وهو ما يستلزم بناءً حقيقياً ومصارحة ومكاشفة واتخاذ الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية من أجل ترسيخ استقرار حقيقي كما نشهده الآن في عصر الجمهورية الجديدة.

يقيناً، لم تكن كلمة الرئيس السيسي تحمل رسائل فحسب فالـ13 بنداً التي وضعها لتشخيص الحالة المصرية تعد روشتة حقيقية للإصلاح والبناء والتنمية المستدامة والاستقرار الحقيقي.

Dr.Radwa
Egypt Air