الخميس 18 ابريل 2024

فخ الرمال الافتراضية!

مقالات25-10-2022 | 18:40

تسللت إلى حياتنا كطفل يجمع كل خليل بصديق، ويأتى لكل وحيد بصحبة مجهولة من البشر، تمنح "الوحيد" حياة لم يعتدها، وحفلات يملؤها البهجة؛ فقلوب هنا وزهور هناك وموسيقى ملونة لنعيش السعادة الافتراضية! وفى لحظة كشفت مواقع التواصل عن وجهها الآخر، وأصبحت كرةً من النار نمسك بها ونقذفها متخيلين أننا نلهو، ونتخيل نيرانها ضوء شمس فى يوم حار؛ فنردد "عادي".

ذلك "العادى" سر العالم الافتراضى، لتتسع الدائرة ويكتسب كل غريب وغير مقبول لقب "عادى"، ويصبح القاتل "بريئًا ووديعًا وضحية" ويُهتك ستر كل خصوصية، وواهم من يتخيل أنه نجا وابتعد وانعزل عن كل ما يحدث فى جزيرته الافتراضية؛ لأنه سيفاجأ بكل ما ابتعد عنه يلاحقه من جديد؛ بـ"حوار" هنا و"تعليق" هناك وكلمات لا يُفهم ما المقصود بها فيضطر للسؤال، وإن فكر وقرر واتخذ قرارًا يريد من الجميع أن يعينوه عليه وابتعد عن السوشيال ميديا ومنشوراتها ستلاحقه "الكوميكسات"، ولو هرب من الواقع الافتراضى ستلاحقه توابعه من أخبار وحوارات فى البرامج التليفزيونية والمواقع الإخبارية، وفى هذه الحالة.. الهروب وهم كبير، فالإنفوجرافات تلخص حوار الابن وتعليقات الأب، ثم المذيع الشهير، وشهادة علان، وما قاله "ترتان" فى علاقة "شيرين وحسام" لن تتركك فى حالك!

وتلخيص الحوار بجمل قصيرة سيجعل الهروب صعباً بل مستحيلا، وسأفترض أنك نجوت من كل هذا، كيف ستواجه الحوارات العائلية أو الأصدقائية التى تطلب رأيك فى الموضوع! لأنه عليك أن تكون مستعداً وتلتحق بفريق وتستعد للدفاع عنه؛ وفى ذات الوقت لا يمكن أن تتجاهل الجوانب الكوميدية التى جعلت هذه الموضوعات تتجاوز الأزمة الأوكرانية أو ضربات كوريا الشمالية، فالموضوعات السوشيالية ستحيطك فى كل مكان وفى الحوارات الجانبية، لذلك لا تندهش إن أتتك ليلاً فى حلم قصير، ولا تتصور أنك ناجٍ من هذا الموضوع أو ذاك؛ فالمطاردة مستمرة مثل الإعلانات التى تباغتك ولا تستطيع إيقافها

فالواقع يجعل الكثيرين يريدون أن يأخذوا "اللقطة" فى صورة هنا وفيديو هناك وتعليق يصبح فى الصدارة، وطبق "كشرى" يتلقاه فنان ويصنع آخر منه "حلة كشرى" ليعلق ثالث وينتقد رابع، ثم تظهر حقيقة "الطبق" المفبركة التى أصبح لصاحبها سعراً للظهور!

 وهكذا تبتلعنا الرمال الافتراضية رويداً رويداً.. ولا سبيل لدينا إلا المقاومة، لقد واجه شخص الجريمة "الناتشة" لمايكل جاكسون بكتابةٍ جميلة عنه تبدد بعض ما حدث؛ لذلك فلنجعلها استراتيجية لمواجهة الرمال الافتراضية وليضع كل منا شمعته: لوحة جميلة.. غنوة بديعة.. كلمة نبيلة.. إلخ؛ لأننا لن ننجو من الفخ إلا بذلك.