تمنحنا المهنة الإعلامية لحظات خاصة بعيداً عما يراه الآخرون، فنطل على عوالم أخرى نلاحظ تفاصيلها ونرى ملامح "الإنسان" مهما كان؛ وذلك ما حدث مع الكاتب الكبير بهاء طاهر الذى رحل عن عالمنا منذ أيام؛ لأرى بساطة جعلتنى أظن أن جميعهم "بهاء"!!! تلك البساطة أدركت بعد قدر من الزمن أنها كانت المفتاح لرؤيته وإبداعه، فقد رأى الأشياء والأحداث والشخصيات فى زيها الذى يزداد عمقاً كلما بلغ حد البساطة، وقد يكون ذلك ما أثار إعجاب محبيه؛ ذلك الجانب السهل المباشر الذى لا تتخيل فى لحظة أنه بجوارك لأن بحثك دوما يتجه نحو البعيد.
بهاء طاهر صانع الغروب ومحدد توقيت الضحى؛ أدرك أسطورة الحياة وسرها واستطاع تفكيكها ولم يحتفظ بذلك؛ بل نثره كلمات وشخصيات درامية أتت لكل قارئ برحلات إنسانية ومشاعر لم يختبرها ليصل شواطئ أخرى رغم أنه لم يغادر!!!
تلك الحالة الإنسانية المتعمقة فى البشر التى أدركت فهجرت الضوضاء والبريق، واكتفت أن تمسك بشمعة لمن يريد!! وقد يكون ذلك ما باعد بين أعماله وإعادتها على الشاشة، فكيف يمكن تقديم ذلك القدر من العمق البسيط؟؟؟ فأعماله التى أعيدت درامياً لم تتجاوز الخمسة؛ أشهرها مسلسل "خالتى صفية والدير" عام 1996 للكاتبة: يسر السيوى والمخرج: إسماعيل عبد الحافظ الذى رغم نجاحه جماهيرياً فقد صدم عشاق أدب بهاء، فلم تكن "صفية" مهما اجتهدت الفنانة بوسى هى التى داعبت الخيال ولم تكن تلك قصة الحب التى جاءت بين جنبات الدير !!
وكذلك مسلسل "واحة الغروب" عام 2017 سيناريو وحوار: مريم ناعوم وغادة الزغندى وإخراج: كاملة أبو ذكرى، والذى سبقه عام 2012 معالجة إذاعية للكاتب: محمد على والمخرج: حمد لطفى، التى استطاعت من خلال بريق الإذاعة أن تخترق عالم البهاء وتترك مستمعاً يحلق فى فضاء الواحة.
فأعمال بهاء الباحثة عن التكامل بين قارئ وإنسان يتنفس ذات الهواء، ويدرك أن الأزمات لم تكن سوى أوجه الاحتياج إلى الحب!! وذلك ما جعله يكتب "أفكر في هذا الطفل الذي يطاردنا حتى آخر العمر، ألا توجد طريقة للتخلص منه؟".
فهذا السؤال يضع الإجابات فى عالم بهاء طاهر الذى كان له من اسمه نصيب فأطل ليضيئ ويطلق إبداعه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ليحيطنا علماً بما عرف لنرى "البهاء" الذى أراد!! ونتساءل عن مصير تراثه الإذاعى فى البرنامج الثقافى؟؟؟