لسنا هنا بصدد الحديث عن مقارنات رقمية أو تفنيدات حدثية أو قصص إسمية، عن الانتخابات الإسرائيلية الخامسة خلال أربع سنوات، والتي تعلن نتائجها رسميًا خلال ساعات.. بل لنكشف لكم عن تحدٍ خطير جديد قادم لنا من إسرائيل، حذرنا منه، وها قد حدث.
فبالفعل، القصة ليست في عودة نتنياهو السادسة للحكم في تل أبيب، ولا اختفاء مختل مستوطن موسادي مثل رئيس الوزراء السابق نفتالي بينت، ليظهر لنا مستوطن آخر أكثر اختلالًا كإيتمار بن جفير، الذي قاد اقتحامات المستوطنين للأقصى، والذي يهدد وأنصاره بقتل العرب والفلسطينيين وتدمير الأقصى علنية!.
القصة فقط في إننا أمام تجمع بشري في مكان ما، رافض للبيئة المحيطة به، بل يهددها بالقتل، ولديه خطط للتصعيد معها، ورغم ذلك لا يزال البعض يهرولون تجاههم، وهم الحالمون بقتلنا وهدم أقصانا ونهب ما يطولوه من أراضينا وثرواتنا ومقدساتنا وتاريخنا.
ما يسمى بالشعب الإسرائيلي، خرج من جديد، في أعلى نسبة تصويتية وصلت في أوقات ما، منذ انتخابات ١٩٨١ و١٩٩٩، ليقولوا لا للسلام ولا لأي حل ولا للعرب ونعم للحروب والتصعيد بكل الطرق.
لم يختاروا فقط حزب الليكود كالعادة بأرقام قياسية، فلقد تراجع بشكل ما، بل اختاروا معه تشكيلة يمينية صهيونية دينية مختلة فاشية تقلب الطاولة على أي تطلعات للاستقرار في الشرق الأوسط، فهذه الجولة الانتخابية بحق هي جولة الفاشي الصهيوني "إيتمار بن جفير" ذي الأصول المغربية العراقية، المحامي المستوطن المهووس بكبار المختلين والمجرمين الصهاينة، أمثال مائير كاهانا وباروخ جولدشتين، والذي نال هتافات كثيرة من المستوطنين والمتطرفين، حتى إنهم لقبوه بالملك بن جفير.. وهو رئيس حزب "قوة صهيونية" المتحالف مع المختل الآخر "بيسلئيل سموطرتيش" في تحالف "الصهيونية الدينية"، والذى أصبح ثالث قوة سياسية في الكنسيت الإسرائيلي الجديد، والثانية في الائتلاف القومي المرتقب، والذي صوت لهما أكثر من نص مليون إسرائيلي ليكونا رقما مهما جدا في المعادلة السياسية الإسرائيلية الجديدة، بل وسيكونا قادة إسرائيل الحقيقيين، ولن يستطيع نتنياهو أن يرفض لهما طلبا، من طلباتهم الفاشية المتوقعة، والتي منها إقامة معبد يهودي داخل الأقصى وتوسيع الاستيطان وإعادة احتلال غزة، بل والضفة!
وما يضيف للتحديات الفلسطينية والعربية تعقيدات أكبر، هو الصعود المفاجئ لحركة شاس برئاسة الحاخام الفاسد "إرييه ردعي"، ذي الأصول المغربية، حيث قفز عما كانت تتوقعه له استطلاعات الرأي ليصل إلى 12 مقعدًا حتى الآن، وهو رقم قياسي لم يحقق حزب الحريديين السفارديين منذ 23 عامًا، وهو بذلك يمثل هو سموطرتيش وبن جفير رمانة ميزان حقيقية للائتلاف الحاكم المرتقب في إسرائيل، وبالتالي لننسي لفترة كبيرة كل محاولات التهدئة ونترقب تصعيدات صهيونية جديدة، خاصة إن المحاولات الإسرائيلية المسعورة لا تتوقف عن قتل وتدمير الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة بل والداخل، وفي سوريا وإيران وغيرهم.. ولا أحد يعرف مصير العلاقات الإسرائيلية الخليجية خاصة إن الإمارات كانت عبرت عن قلقها من وصول بن جفير للحكومة الإسرائيلية، ولم يهتم نتنياهو بالأمريكان والإماراتيين، وقال ليكن بن جفير وزيرا، لكن بعيد عن الدفاع والمالية، وبن جفير لا يريدهما بالفعل، بل يريد الوزارة المهمة للمستوطنين واليمينيين عموما، وهى الأمن الداخلي.
المشهد السياسي الإسرائيلي، ليس مرتبكًا كما يتصور البعض بقدر ما هو رافض للمواربة، فهو صهيوني دينيا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا وعسكريا، وأميل أكثر إلى الدينية وفق هذه الانتخابات التي خرج فيها الجنود والمستوطنون واليمينيون ليقولوا كلمتهم، رافضين وجوه متطرفة مواربة من نوعية أفيجدور ليبرمان، الذي تراجع بحزبه الروسي الرافض للحريديين من سبع إلى أربع مقاعد تقريبًا، وهتف الصهاينة الدينيون ضده، إلى المزبلة ياليبرمان، وبالطبع وفروا أصواتهم حتى لا تهدر مع الوزيرة المتطرفة الشابة إيليت شاكيد، والتي لا استبعد أن تعود لليكود ثانية، حيث صوت أنصار حزبها البيت اليهودي إلى سموطرتيش وبن جفير والليكود وشاس.
وبالطبع انهارت بقايا أحزاب يسار الوسط، مثل العمل وميرتس، في ضربة جديدة تؤكد على هوية الأجيال الإسرائيلية الحالية، حيث صارعا على التواجد في الكنيست الـ25، وعبرا عن صدمتهم مثل ليبرمان، رغم إن الانقلاب الديني كان واضح المؤشرات، بشكل أو آخر.
وفي وقت توحدت فيه كلمة الصهاينة الدينيين، لا يهم الاسم إن كان بن جفير أو بينت، الأهم الفكرة، انهيار فلسطيني الداخل، الذين يتعصرهم الإحباط من الانقسامات السياسية للأحزاب العربية، بفضل الضغوط الصهيونية والإخوانية عليهم، بخلاف مخططات المحاصرة والتضييق والإقصاء، حتى إن نسب تصويتهم كانت الأقل، وسط نسب هي الأعلى للإسرائيليين فخاض التحالف العربي الباقي، الجبهة والتغيير بقيادة أيمن عودة وأحمد الطيبي، تحدي الاختفاء وعدم التواجد في الكنيست كممثلين لفلسطيني الداخل، مما يعني زيادة المكاسب الفاشية الصهيونية، وهذا كله بسبب إخوان إسرائيل الذين بقوا على قوتهم، حيث بقت القائمة العربية الموحدة التي تحالفت مع نتنياهو وبينت ولابيد وجانتس عند الأربع مقاعد.
وما يزيد الأمر صعوبة في التحليل، أن حزب مثل "هناك مستقبل" الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد، صعد لرقم قياسي من المقاعد، لم يحققه من قبل، ٢٤ تقريبا، فيما تراجع جانتس، الذي استهدفه لابيد ونتنياهو وسموطرتيش وبن جفير معا، حتى وصل لـ١١ مقعد تقريبا، بعدما كان ١٣ في الكنيست المنتهية ولايته، لو وضعنا في الاعتبار عدد مقاعد حزبه وعدد مقاعد حزب سعار المتحالف معه، والغريب إن رئيس الأركان المثير للجدل "جابي إيزنكوت" لم يدعمه رقميا بأي شكل بتحالفه معه، في مؤشر إلى إن الجنرالات والجيش كانوا مع الصهيونية الدينية واليمينية بشكل واضح هذه المرة، خاصة إن نسب تصويتهم كانت هى الأعلى منذ فترة!
وإجمالًا، نحن أمام حكومة قومية فاشية قوية في تل أبيب، من الصعب أن تفكك لفترة طويلة على الأقل، تنال أغلبية من إلى 62 إلى 65 مقعد تقريبا، لن يسيطر عليها نتنياهو الفارح بالعودة على أحصنة بن جفير ودرعي، ولكنهما لن يسقطاه، بل سيقوداه وفق رؤيتهما، وهو سيسكت بشكل كبير، حتى لا ينزل عن مقعد رئيس الوزراء، ويعانى من الملاحقات القضائية من جديد!
وبالتالي، فعلينا أن نستعد لفترة صعبة إقليميا، وعلينا أن نستعد لمخططات صهيونية معقدة، في كل الملفات، أقول هذا وأنا في غاية التأثر ، لكننا نتعلق بأمل تجاوز حزب التجمع العربي وحركة ميرتس لنسبة الحسم، وهما على الطريق، ونترقب الساعات القليلة المقبلة.. لكن المشهد لن يتغير بشكل كبير، إلا إن الضرر وقتها سيقل بصورة ما.