الجمعة 19 ابريل 2024

تغريبة بهاء طاهر.. في محبة راوي «واحة الغروب»

مقالات3-11-2022 | 15:06

«لم أفهم معنى ذلك الموت، لا أفهم معنى للموت.. لكن ما دام محتماً فلنفعل شيئاً يبرر حياتنا، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها» لم تكن مجرد عبارة في نص واحة الغروب، بقدر ما كانت ترجمة لفكر المبدع بهاء طاهر.

رحل الجسد لكن يظل إبداع ومواقف الرجل جزء من تاريخ الأدب العربي، بهاء طاهر أحد جواهر تاج القوة الناعمة المصرية وأحد حراس الهوية المصرية، تعود جذوره إلى قرية الكرنك في صعيد مصر، لكنه كان من مواليد محافظة الجيزة عام 1935 حصل على الشهادة الجامعية من كلية الآداب قسم التاريخ، عام 1956 من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام عام 1973، وهو من أبرز مؤسسين إذاعة البرنامج الثقافي.

بدأت تغريبة الرجل في منتصف السبعينيات، عندما قرر صديقه يوسف السباعي آنذاك أن يقدمه قربان للسلطة، و قال وزير الثقافة آنذاك أنه عازم علي تطهير الإذاعة من الشيوعيين، وكان «طاهر» هو أول المطرودين من جنة إذاعة البرنامج الثقافي.

 قال صاحب واحة الغروب، في حوار أجرته معه الصحفية الألمانية «كارين كروغر» في عهد السادات كانت القاعدة المتبعة أن بوسع المرء نشر أي شيء، ولكن يجب عليه تحمل العواقب أي أن يتم وضعه في السجن أو أن لا يدفع له أجر عمله مما كان يعني أنه سيضطر عاجلا أو آجلا التخلي عن عمله، و كان «طاهر» لديه رأي آخر في شأن فترة حكم مبارك معتبرا أن هناك تعليمات مفادها «دعهم يقولون ما يريدون لكن حينما تقترب من السياسة قد يكلف ذلك المرء حياته، و أعلن خلال اشتعال ثورة يناير عن رد جائزة مبارك التي حصل عليها خلال العام 2009 اعتراضا علي ما حدث مع المصريين خلال الاحتجاجات.

«يا ولدى الأرض تنسى صاحبها إذا هجرها» تلك الكلمات الناقوس الذي يرن في آذان الرجل ويصاحبه طوال سنوات عمله كمترجم في المؤتمرات بالأمم المتحدة، إنها كلمات الأم ووقعها دائما محله القلب قبل الأذن، وكانت بداية وتمهيد لظهور الحب في حياة الروائي بهاء طاهر، وهنا كان ظهور «ستيفكا» مترجمة اللغة الروسية و الحب الذي ملك قلب «طاهر» في البداية لم يكن يفطن إلي اهتمامه به، لكنه أيضا كان يخشي الاقتراب منها، و ظلت علاقتهم لأشهر تقتصر علي تحية الصباح، إلي أن تساءل «ما جدوى كل الشعر الذى قرأته وكل الأدب الذى أدمنته إن كنت لا أستطيع أن أنقل لها بالكلمات كيف أحبها؟».

ويواصل: «تركت بلدي رغمًا عنى، كانت مأساة بالنسبة لى، آثارها لم تفارقني، لا أستطيع أن أمنح حزني وهواجسي لامرأة أخرى»

ومن وجهة نظري أن الحب في تلك اللحظة هو مكافأة السماء، فهو ما يصنع لنا طوق من الصبر وجسر للعبور من ضفة اليأس إلى ضفة الأمل.

ويصف صاحب واحة الغروب حبه بقوله «أحببتها حبًا صامتًا، كحب الشمس للشروق، لكنني كنت بائسًا في هذه الفترة، وكل شيء يغلّ لساني، وكانت جميلة، كجمال بريق ضوء القمر، لم يطرأ على بالى أن أنزلق، كنت أعتبر أن اقتحام قلب امرأة في هذا التوقيت بالتحديد لا يعدو أكثر من انزلاق برئ، رغم براءته لم أمل إليه». لكن «ستيفكا» قالت له، بعد ذلك، إنها رأت في عينيه الحب. 

يمكنك أن تلمس فلسفة الحب عند بهاء طاهر وأنت تطالع ذلك المقطع من مجموعته القصصية «أنا الملك جئت»، «لم أسمعه مرة يكلمها عن الحب ولا سمعتها هي تتكلم عنه، ولكنها حين كانت تساعده على أن يلبس جلبابه، حين تسند ظهره لتسقيه، حين تدلك له ذراعه وقدميه بأصابعها الخشنة المتشققة بتلك التشققات المسودة قرب أظافرها فقد كانت تلك الأصابع تنطق شيئا يتجاوز الحب نفسه». 

هكذا هو الحب يظهر في أفعال المحبين وسلوكيتهم، تمكن من رسم لوحه بالكلمات للحب وعلاقات المحبين، منحنا الروائي الكبير مجموعة من الكتب والقصص التي أضافت إبداع حقيقي للمكتبة العربية، وللتراث الإنساني.