الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

مؤتمرات المناخ بين القرارات والتنفيذ

  • 7-11-2022 | 21:56
طباعة

ينعقد مؤتمر شرم الشيخ للتغير المناخي COP27 ، في ظل ظروف بالغة التعقيد، فهناك زحمة من المشاكل والصراعات الخفية بين الدول العظمى، وبالمعنى الأصح صراع بين الدول التي تملك في يديها حلولًا للمشاكل المترتبة على التغير المناخي، وهي بعينها الدول المتسببة في التغير المناخي.

تتصدر هذه الدول المراكز المتقدمة في مسابقة انبعاثات الغازات الدفيئة "الغازات المدمرة لكوكب الأرض"، الصين والهند والدول المجاورة لهما، تتصدر المركز الأول في انبعاثات الغازات المدمرة لكوكب الأرض، بنسبة مشاركة 53%، ثم تأتي أمريكا الشمالية في المركز الثاني بنسبة 18%، وتحتل المركز الثالث في هذه المسابقة دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 17%.

لكن نسبة مشاركة الدول المتضررة والتي تتحمل العبء الأكبر من آثارها منخفضة جدًا، فقارة إفريقيا بطولها وعرضها تساهم بنسبة 4%، وبلدنا الحبيبة "مصر" وهي من ضمن حسبة قارة إفريقيا تشارك بنسبة 0.6%.

بعد أن فشل مؤتمر جلاسكو للمناخ COP26 نوفمبر 2021، فى تقديم العديد من القضايا الحاسمة لإفريقيا، نجد أن مصر وهي دولة من ضمن الدول المتضررة من التغير المناخي، تستضيف مؤتمر COP27 مصر تستضيف مؤتمرًا هامًا جدًا وخطيرًا، فخطورته تعم على البشرية جمعاء، ومصر تتصدر المؤتمر للمحافظة على حقوق الدول الإفريقية والنامية المغلوبة على أمرها، فالدول الإفريقية لم ترتكب أي ذنب في حق شعوب العالم، ولكنها تواجه حربًا مدمرة نتيجة الكوارث الطبيعية، والمتسبب فيها الدول المتقدمة، ببثها ملوثات في الجو والبحر واليابسة

من منطلق دور مصر الريادي في إفريقيا والدول النامية، لذلك يعول على هذا المؤتمر أمال كبيرة لتحقيق العدالة المناخية.

يشير الخبراء إلى أن الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتدهور العلاقات بين الغرب والصين، من المرجح أن تجعل التوصل إلى اتفاق في مؤتمر هذا العام "COP27" أكثر صعوبة

تبعات التغير المناخي كوارث، وهذه الكوارث هي نتيجة حرب من الطبيعة مثل أي حرب، حرب وقودها الغازات المدمرة "غازات الاحتباس الحراري"، حرب لا تستخدم فيها الأسلحة النووية أو التقليدية، لكن تبعاتها دمار وخراب.

يعيش أكثر من 3 مليار من الناس في مرمى تبعات التغير المناخي، وقد شاهد العالم كله مثالًا بسيطًا لحرب مدمرة واجهتها باكستان، في أواخر شهر أغسطس 2022، نتيجة تبعات التغير المناخي، حيث أسفرت عن هطول أمطار شديدة الغزارة، نتج عنها حدوث فيضانات مدمرة في كل من شمال باكستان وجنوبها، الأمر الذي أضر بأكثر من 30 مليون شخص، وأودى بحياة أكثر 1000 شخص.

قبل الثورة الصناعة سنة 1850، كانت غازات الاحتباس الحراري متوازنة في الطبيعة، وذلك عن طريق عمليات تزيل جزء من الغازات من الغلاف الجوي بشكل طبيعي، وتشمل العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، ويُعدُّ التمثيل الضوئي أحد أهم هذه العمليات.

في هذه الحالة يسمى "احتباس حرارى طبيعي"، يساعد في الحفاظ على درجات حرارة مناسبة للحياة على كوكب الأرض، ممّا يرفع من درجة حرارة الأرض، ويجعلها أكثر دفئاً، وبدونها يمكن أن تتحول الأرض إلى كوكب متجمد وغير صالح للحياة

لكن نتيجة الأنشطة البشرية في قطاعات الصناعة والزراعة والمواصلات منذ الثورة الصناعية وحتى الآن، ازدادت غازات الاحتباس الحراري بشدة في الغلاف الجوي، منها "ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النتروجين"، وتجاوزت بكثير القدرة التعويضية للعمليات الطبيعية، لذلك تراكمت الغازات في الغلاف الجوي، وأصبحت البشرية تواجه تبعات ما يطلق عليه "الاحتباس الحراري الضار" الذى تسبب في حدوث تغيّرات مناخيّة فى جميع أنحاء العالم، وفى أنماط الطقس العالميّة ممّا أثر على عناصر الطقس، مثل معدلات هطول الأمطار.

تراكم الغازات فى الغلاف الجوى أدى إلى زيادة درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية، عن ما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. وفى حالة تواجد هذه الغازات فى الغلاف الجوى، ومع انبعاثات جديدة فسوف ترتفع درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 0.2 درجة مئوية كل عشر سنوات، لذلك سوف ترتفع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية فى نهاية عام 2040. وبذلك نكون قد وصلنا للحد الحرارى الذى يجب ألا نتخطاه، كما اتفق عليه فى مؤتمر مناخ COP21، فى باريس عام 2015. زيادة عن ذلك، ستصل الزيادة فى درجة حرارة سطح الأرض إلى 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، وعليه سوف تشتد حدة الكوارث الطبيعية التى سوف تواجهها البشرية، وسوف تختفى مدن ساحلية تحت مياه البحار والمحيطات، وذلك نتيجة ذوبان مناطق شاسعة من جليد القطب الشمالى والجنوبى، نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات.

الآن المطلوب تخفيض كمية انبعاثات الاحتباس الحراري، لتحقيق صفر كربون افتراضي (أي خفض بنسبة 90%) بحلول عام 2050، وصفر فعلى (صافى صفر كربون) قرب نهاية هذا القرن.

يمثل ثاني أكسيد الكربون نسبة 65% من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة، ومع أن غاز الميثان يمثل 16% من انبعاثات الغازات الدفيئة، إلا أنه مسؤول بمفرده عن 30٪ من الاحتباس الحرارى الذى يعانى منه كوكب الأرض، لأن تأثيره أسوأ من الغازات الأخرى، فتأثيره يكون أسوأ بما لا يقل عن 28 مرة من ثانى أكسيد الكربون على مدى 100 عام. والميثان له قدرة على الاحتفاظ بالحرارة أكثر بـ 80 مرة من ثانى أكسيد الكربون فى مدة 20 سنة.

لا يزال ثانى أكسيد الكربون يمثل التهديد الأكبر، وكأولوية ملحة، يجب خفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، التى تعد المحرك الرئيسى لتغير المناخ والطقس القاسى المرتبط به، والتى ستؤثر على المناخ لآلاف السنين.

بخلاف تخفيض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، حتى تتوقف الانبعاثات بالكامل فى نهاية القرن، هناك استراتيجيات رئيسية لإزالة الكربون من الغلاف الجوى تتمثل فى: زراعة الأشجار والحفاظ على الغابات، والتقاط ثانى أكسيد الكربون من الغلاف الجوى. لالتقاط ثانى أكسيد الكربون من الجو، تستخدم مراوح عملاقة لشفط الهواء من الغلاف الجوى، ثم يتم التقاط ثانى أكسيد الكربون، ويتم تخزينه تحت الأرض فى تكوينات جيولوجية، أو يمكن إعادة استخدامه.

لو استطاعت دول العالم إيقاف انبعاثات الاحتباس الحرارى فى التو واللحظة، وهذا مستحيل، لا يمكننا الاعتماد على العمليات الطبيعية لحل مشاكل غازات الاحتباس الحرارى. وذلك لأن، أولا: الميثان الموجود فى الغلاف الجوى سيستمر فى الغلاف الجوى لمدة عشر سنوات، وهى المدة المطلوبة لتدميره بالعمليات الكيميائية والبيولوجية الطبيعية، بما فى ذلك التفاعل مع الهيدروكسيل الجوى والكلور، والبكتيريا المستهلكة للميثان (الميثانوتروف) في التربة والمياه. ثانيا: سيظل ثان أكسيد الكربون فى الجو لقرون، وبالنظر إلى العمر الطويل لثانى أكسيد الكربون، فإن مستوى درجة الحرارة المرصود سيستمر لعقود، حتى لو تم تخفيض الانبعاثات بسرعة إلى صافى الصفر.

بناء على هذه الحقيقة ستظل تبعات الاحتباس الحرارى موجودة، لذلك فقد ظهرت مصطلحات "التكيف" و "التخفيف". فعلى الدول المتضررة أن ترضى بالكوارث التى ستحل عليها، وأن "تكيف" وضعها على ذلك، فى سبيل حصولها على دعم من حصة ما هو مقدر بـ 100 مليار سنوى، ستوزع على الدول المتضررة. وأن تتبع نهج "التخفيف" باستخدام مصادر الطاقة النظيفة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، فى مقابل الحصول على دعم مادى أيضا.

الاستراتيجية موضوعة على أن لا توجد انبعاثات كربون بنهاية هذا القرن، لذلك أصبح "التكيف" و"التخفيف" مفروضًا على دول العالم، الدول الغنية تنفق على نفسها، والدول الفقيرة تأخذ دعمًا ماديًا.

هناك بعض الدول لها موقف سلبي من مكافحة تغير المناخ، مثل الصين والبرازيل، كما أن هناك كثير من الدول لا تلتزم بتنفيذ القرارات الموقعين عليها، فخلال مؤتمر جلاسكو للمناخ COP26، التزم موقعو الاتفاق أن يراجعوا التزاماتهم سنويا، بشأن مكافحة الانبعاثات، لكن الاستجابة كانت "غير كافية بشكل رهيب"، إذ أرسلت 24 دولة فقط مساهماتها الوطنية الجديدة أو المعدلة بحلول الموعد النهائي فى 23 سبتمبر 2022، للنظر فيها فى مؤتمر"COP27" ، طبعا يعتبر عددًا مخيبًا للآمال، كما وصفه رئيس برنامج الأمم المتحدة للمناخ.

ذلك يوضح أن الاتفاق على القرارات سهل جدا، والتوقيع على القرارات أسهل وأسهل، لكن المشكلة فى التنفيذ. المؤتمرات السابقة لنا فيها عبرة، هذه المؤتمرات عقدت وقت أن كانت العلاقات جيدة بين الدول الصناعية الكبرى - الدول التى تملك فى يديها حلولا للمشاكل المترتبة على التغير المناخى، وهى بعينها الدول المتسببة فى التغير المناخى - ولم ينفذ منها شيء، فما بالنا من مؤتمر يعقد فى فترة والصراعات الخفية بين الدول الصناعية الكبرى على أشدها.

التكيف والتخفيف، هما المكسب الوحيد من مؤتمرات المناخ.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة