الخميس 25 ابريل 2024

هل تملك الصحف شجاعة الاعتذار؟!

مقالات17-11-2022 | 13:30

ليست الصحافة إلا وليدة البيئة وصورة العصر ومرآة تنعكس على صفحتها بدوات المجتمع ونزواته، هكذا وصفها الكاتب والأديب محمود تيمور، ومنذ منتصف القرن الماضي والصحافة موضوع للكتابة الروائية التي ترصد حالها وعلاقاتها بالقارئ والسلطة والمجتمع، وكانت رواية زينب والعرش للكاتب الكبير فتحي غانم هي أبرز الأعمال الأدبية التي عبرت عن حال الصحافة، فيما نكأت رواية دموع صاحبة الجلالة للكاتب الراحل موسي صبري جراح المهنة وأبنائها، وهي من وجهة نظري محاولة للتطهر الدرامي من أخطاء يرتكبها بعضنا.

إن ثورة المعلومات والتكنولوجيا منحت الصحافة أدوات جديدة لم تملكها المهنة قبل عصر الوسائط الإلكترونية، ومنحتها منصات التواصل الاجتماعي التي من خلالها تطل على المتلقي، لتضع الصحفيين أمام الاختبار الحقيقي؟! هل نطبق مواثيق وتقاليد وأعراف المهنة، هل نعتذر عند الخطأ؟ لقد أصبح حجم الزيارات ونسب المشاهدة للفيديوهات هو معيار نشر المواد، قبل تقيمها ومدي صلاحيتها للمتلقي، لم تعد العديد من المنصات أكثر من مقهى يحاول جذب الرواد عبر الثرثرة حول الحياة الخاصة، وتداول القصص المثيرة، ومغازلة الغرائز.

البعض من صناع المحتوي المرئي ومدعين الصحافة وهي منهم براء، تتفنن في تقديم كل ما يخرج عن قواعد المهنة رافعين شعار "القارئ عاوز كده"، بينما هم من يفسدون الذوق العام، من أجل جني المال، لا أستطيع التقليل من أهمية التمويل لصناعة الإعلام والصحافة، لكن حينما تفقد تأثيرها وقوتها الحقيقة لن تبقي لدقائق معدودة على قيد الحياة.

يزعجني بعض وسائل الإعلام الرصينة حين تنزلق خلف المحتوي الرديء، بل يتحول رويدا رويدا إلي جزء من سياساتها التحريرية، بحجة أن ذلك هو ذوق المتلقي، بل أن الأمر بلغ حد أن بعض المنصات تفسر تفاعل المتلقي بشكل سلبي معها مستخدما ألفاظ جارحه بكونه تفاعل وإن كان خارج على القيم الأخلاقية، دون أن تبحث عن سبب تحول المتلقي عنها.

اتوقف أحيانا أمام بعض الصحف التي تحاول البقاء على قيد الحياة، بينما تفقد جزء من رصيدها لدي المتلقي، مبرر ذلك بأن المتلقي لم يعد مقبل علي المواد الجادة، بينما هي تقدم مواد تعتمد في جانب منها على خداع الجمهور الذي يسحب الثقة مع تكرار الخداع دون انتظار، قد يتابعك بعض المراهقين المهوسين بأخبار الحياة الخاصة وأشياء آخري لفترة لكنه في النهاية لا يحترم ذلك المحتوي الرديء.

لقد صنعت الصحافة ووسائل الإعلام من الباحثين عن الشهرة "نصف الإله"، النماذج عديدة، شاب فاقد للموهبة يمكنه أن يحصل على مئات الألاف من الجنيهات في لحظات من إحدى شركات الاتصالات التي تحصل علي أربحها من المجتمع والشركة لم تفكر من واقع مسئوليتها الاجتماعية في تمويل أبحاث علمية على سبيل المثال التي تخدم مجال الاتصالات، وكانت منصات الصحف سباقه في النشر من أجل الترند.

تفقد بعض الصحف ووسائل الإعلام التقليدية والجديدة مصداقيتها أمام المتلقي مع تكرار الأخطاء ونشر المحتوي الرديء واللهث خلف الحياة الخاصة، يمكن أن تشاهد في اليوم الواحد عشرات التنويهات لزواج وطلاق مغنية وملحن ورجل أعمال وممثله إضافة إلى تفاصيل حول المهر والمؤخر وبعض من البهارات لتلك الطبخة لتغيب العقل الجمعي للمجتمع علي يد البعض لبيع "بضاعة أتلفها الهوى".

هناك جيل جديد يخطو أولي خطواته في بلاط صاحبة الجلالة، يفتح مقلتيه على صحافة تزرف الدموع على تاريخ مهني يمحوه البعض دون وازع من ضمير مهني، يتعلم أن الصحافة هي الترند، صحافة فقدت قوتها الناعمة، وتأثيرها في محيطاها المحلي والإقليمي.

لا ارتدي عباءة الناسك في محراب صاحبة الجلالة، ولا تقبض يدي علي سوط يجلد الذات، لكني أحاول رسم صورة حقيقة لواقع مؤلم لمهنة أعشقها منذ نعومة الأظافر، أملك شجاعة الاعتذار للقارئ الذي يمنحني شرف كتابة الكلمة، التي قال عنها عبد الرحمن الشرقاوي:

أو تدري ما معنى الكلمة؟

مفتاح الجنة في كلمة

ودخول النار على كلمة

وقضاء الله هو الكلمة

الكلمة - لو تعرف حرمة - زاداً مزخور

الكلمة نور

وبعض الكلمات قبور

وبعض الكلمات قلاعُ شامخة يعتصم بها النبل البشري

الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي

عيسى ما كان سوى كلمة

أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين

فساروا يهدون العالم

الكلمة زلزلت الظالم

الكلمة حصن الحرية

إن الكلمة مسؤولية

إن الرجل هو الكلمة

شرف الرجل هو الكلمة

شرف الله هو الكلمة.

واليوم اعتذر لك عزيزي القارئ عن خطأ يرتكبه بعضنا وقد نصمت نحن عنه وللحديث بقية

Dr.Randa
Dr.Radwa