الأربعاء 15 مايو 2024

أعمال «الصياد» الكاملة.. إضاءة على مسيرة فكر وإبداع وحراك ثقافي عالمي وعربي

غلاف الكتاب

ثقافة19-11-2022 | 18:28

محمد الحمامصي

يمثل الأكاديمي والدبلوماسي اليمني الراحل د.أحمد الصياد، أحد أبرز الوجوه اليمينة الفكرية والثقافية التي شاركت بثراء وفاعلية في الحركة الثقافية العالمية عامة واليمنية والعربية خاصة، حيث عمل في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم والاتصالات "اليونسكو"، وانتخب رئيسا للمؤتمر العام لليونسكو من 1993 إلى عام 1995، تولى منصب مساعد المدير العام لليونسكو للعلاقات الخارجية والتعاون على مدار 14 عاما.. كما كان سفيرا ومندوبا دائما لليمن لدى اليونسكو ومثل اليمن في كثير من المحافل الدولية، حتى تم انتخابه رئيسا لمجموعة السبعة والسبعين "الدول النامية" والصين لدى اليونسكو عام 2014، وقد نال عددا من الأوسمة الدولية الرفيعة بالإضافة إلى ميدالية اليونسكو الذهبية.

ويضاف إلى ذلك أنه قدم العديد من المؤلفات الفكرية والإبداعية، وأخيرا تم إصدار أعماله الكاملة في ثلاث مجلدات كاشفة عن مسيرة ثرية بالعطاء للإبداع والفكر والعمل الإنساني، ضم الأول دراساته السياسية، والثاني أعماله الروائية، وقدم لهما عبد الباري طاهر نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، والثالث كتاباته عن اليونسكو التي قدم لها فيديريكو مايور المدير العام  الأسبق لمنظمة اليونسكو.

ويؤكد عبد الباري طاهر في مقدمته التي ضمها الجزء الأول من الأعمال الكاملة الصادرة عن مؤسسة أروقة " أن الصياد رمزا من رموز الكفاح العربي في سبيل التقدم. دافع في شبابه عن الثورة والجمهورية في اليمن إبَّان حصار السبعين يومًا الشهيرة على صنعاء، وشارك في المقاومة الشعبية، وأسهم عالميا في الاهتمام بالتربية والثقافة والعلوم والاتصالات، وبصون التراث الثقافي العالمي وحماية الآثار والمعالم الحضارية في وطنه اليمني والعربي وفي العالم من خلال عمله في اليونسكو، كما دافع عن التنوع الثقافي الإنساني والتعدد السياسي وحرية التعبير، وترك عددا من الأعمال الفكرية والأدبية والثقافية تعكس رؤاه وسعة اطلاعه وقدراته المتعددة.

ويقدم عبد الباري قراءة في أعمال الصياد الفكرية والإبداعية لافتا إلى أن الصياد في أطروحته للدكتوراه "السلطة والمعارضة في اليمن المعاصر" يقرأ التركيب الاقتصادي والاجتماعي وأثر البنية الفوقية في الحياة السياسية، بطريقة تتسم بالاجتهاد، وينتقد القراءة "الاستاتيكية" للمراحل الخمس التي مرت بها البشرية، ويعد هذه القراءة تعبيرا عن حالة جمود، وهو ما يتفق فيه مع نقد الدكتور أبوبكر السقاف للمركزية الأوروبية وتأكيده على خصوصية الشرق ونمط الإنتاج الأسيوي. كما يقرأ الطبقات الاجتماعية والفئات، ويضع جدولاً لليد العاملة في الجنوب للعام 1977، مستنتجًا ضعف طبقة العمال ويدرس السلطة الإمامية، أصلها وطبيعتها وسياساتها.

وأيضا يتناول أثر البنى الفوقية في الحياة السياسية، فيدرس المذاهب الدينية، ودور الدين في الحياة السياسية والقبلية، ويشير إلى التعليم في الشمال والجنوب، ودور السعودية في أسلمة التعليم، وهو ما أدى إلى محاربة المواد العلمية والثقافية والفنية في التعليم في الشمال.

أما كتاب "اليسار اليمني ظالم أم مظلوم؟" فقد تناول الأحداث والمتغيرات التي شهدها حكم الإمامة والاستعمار البريطاني، وقيام الثورة اليمنية سبتمبر 1962م، وأكتوبر 1963م، والوحدة اليمنية، مشيدًا بقابلية اليمن واليمنيين للتغيير، واعتناق الجديد، ويشير إلى الحروب التي مرت باليمن، والتحليلات المختلفة لانقلاب 5 نوفمبر 1967، وحركة 13 يونيو 1974م، وحتى عهد علي عبد الله صالح الممتد لثلاثة وثلاثين عامًا، وانقسام المجتمع إلى مستغِلين، ومستغَلين، ويحاول فهم واقع اليسار من خلال تتبع نشأة الحركات السياسية، داعيًا الشباب والشابات لاستقاء الخبرات والمهارات التي تمنحهم النضج للتعامل مع الحاضر وبناء المستقبل.

ويرى عبد الباري أن رواية "درويش صنعاء" تتراوح بين التحقيق الصحفي والسرد الأدبي التاريخي لوقائع حصار السبعين يوماً (حصار صنعاء)، وبين التوثيق للوقائع ومسار الأحداث بين القوى الملكية والجمهورية، والأطراف الداعمة لكل منهما. 
 

ويقول "ميزة السارد أنه بطل من أبطال الدفاع عن صنعاء. فهو يسرد مشاهد من مشاركته في الصراع الجمهوري الملكي. وتتسم الرواية بالسرد التقريري المباشر، وتزخر بحوارات أبطال المقاومة على كثرتهم، كما أنها أيضًا توصيف لمشاهد هذا الصراع وزمانه ومكانه. زمن الرواية - التدوين لوقائع حصار صنعاء من 28 نوفمبر 67 إلى 7 فبراير 1968. ويحتوي السرد - التدوين للأحداث والقوى المتصارعة قدرا من الحوار، والاعتزاز بالصمود البطولي للمقاومين في ظروف غاية في الصعوبة والقسوة، ويُوشَّى السرد بالأبيات الشعرية الممجدة للمقاومة، والمؤازرة للصمود، مع استشهادات بأقوال الأبطال المشاركين في المقاومة، و يدور الحوار أو الخلاف بين بطل الرواية السلبي " حنتش"، وبطل الرواية الإيجابي الدرويش أو "البرهان" - الصوفي الآتي من فاس في المغرب ، ومن خلال خلافهما يحدد الراوي الاتجاهين، ولون تفكير كل منهما، ويوضح أن لكل منهما فهماً مختلفاً للإسلام.
 

ويشير إلى أن رواية "آخر القرامطة" تعد إبداعية من حيث المفرداتٍ، والصياغةً، والأسلوب، باعتبارها "رحلة إلى الآخرة". حيث تركز الرواية على استشهاد جار الله عمر، والتشييع الكبير الذي رافقه إلى مقبرة الشهداء: "انزعج أهل الآخرة من حشود المشيعين، والضجة التي أحدثها الموكب، فزع الأموات – الأحياء" فأرسلوا من يستطلع الأمر. التقى المستطلع رجلاً قصيرًا نحيلا اسمه جار الله. في السرد لون من ألوان الغرائبية من مثل تعارف الحصان وجار الله، والألفة بينهما، والتقاء جار الله بالمستقبلين في الآخرة ومعرفتهم له، ومعرفته لهم. وأدار جارالله الحوار في الآخرة كما اعتاد في الدنيا ففتح حوارًا مع المشير السلال، أول رئيس للجمهورية والقاضي عبد الرحمن الإرياني، الرئيس الذي تلاه، حول نوفمبر 1967، ورؤية كل واحد منهما لما جرى. 

إنها رواية رحلة أخروية لا تشبه الرحلات الأخروية مثل الكوميديا الإلهية لدانتي، والفردوس المفقود لجون ملتون، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعرِّي، وحتى الإسراء والمعراج في القرءان الكريم؛ لأن هذه الرحلات مكرسة للقضايا الأخروية، أما رحلة "آخر القرامطة" فأقرب شبهاً بـ "مأساة واق الواق" لمحمد محمود الزبيري، من حيث مناقشتها للقضايا الوطنية وقيامها على الحوار مع الشهداء والزعامات الوطنية.

أما عن رواية الصياد الثالثة "اليمن وفصول الجحيم" فيقول عبد الباري "قسَّم السارد هذا النص إلى خمسة فصول: خصص الفصل الأول لـ"غادة وإخوانها"، والفصل الثاني: "رائحة البارود تقترب"، والفصل الثالث: "الأيام الدامية"، والفصل الرابع: "ثروة من رماد". أبطال الفصل الأول أسرة مكونة من أخوين، وأخت، وأب مغترب، وخال. الأخَوان عمار وصادق مختلفان في كل شيء من اللعب البسيطة، مروراً بالتخصص الدراسي، وانتهاءً بالتوجهات الفكرية، والانتماء السياسي، والمواقف. أما غادة التي أنهت الثانوية العامة، فهي أخت صغرى لهما وأم للقرية كلها، تخزن أسرارهما، وتحافظ على الود بينهما، وتعرف خيارات كل منهما ومواقفه. وبحكم القراءة والكتابة وقدر من معرفة اللغة الإنجليزية يُنظَر لها باعتبارها "عيلومة القرية"، وخازنة أسرارها، وملاذ أمية أهلها جميعاً. 
إن الرواية ترصد مؤشرات كارثة يناير 1986 التي نأى صادق بنفسه عن الاستقطاب للمشاركة فيها، ولذلك تسوء علاقاته برفاقه الذين يريدون استدراجه للانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع الدامي. يبدأ الرصد منذ 19 ديسمبر 1985، ويرى أن الصراع عشائري وقبلي ومناطقي وحول مطامع شخصية.

يتعرض صادق لتفتيش دقيق عند وصوله إلى مطار عدن، كما يتعرض سكنه للتفتيش الدقيق، والعبث بمحتوياته، على الرغم من عضويته في الحزب ومن درجته القيادية. وتتفجر الحرب الأهلية في 13 يناير فيدون الوقائع اليومية بدقة متناهية مع سرد ضافٍ لحالة المدينة المنكوبة لأكثر من عشرة أيام".

المجلد الثالث الخاص بكتابات اليونسكو فيشير فيديريكو مايور المدير العام  الأسبق لمنظمة اليونسكو في مقدمته له إلى أن  اليونسكو لم تتوقف، كمؤسسة معقدة وسخية عن مواكبة العصر، ما دام العالم عالمًا، وما دمت تعمل لخير البشرية. فقد أسالت الكثير من الحبر منذ أن وجدت، وبعثت الثقة وأثارت الحذر، ولاقت التأييد والمعارضة، وأثارت الإعجاب والريبة. لكنها استطاعت دائمًا التوفيق بين المعنيين بها وجمعهم من حول مثل وقيم لا يمكن أن تواجه باللامبالاة وبالرفض، لأنها تشكل جزءًا من حياتنا التي نتمسك بها. إننا جميعًا متضامنون، يوحدنا مصير مشترك نتحمل عبئه ومسؤوليته. فمن الخطأ والتهرب على حد سواء الاعتقاد أن عالم الغد سيبنى بدوننا. ينبغي أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه أنفسنا وتجاه الأجيال المقبلة، بالانسجام مع أنفسنا ومع الطبيعة، واضعين في اعتبارنا "هواجس المستقبل"، وحب الماضي، وواقعية الحاضر وضروراته، ولجم التطرف، ومزيدًا من الواقعية والحوار، والحد من العنف وتوطيد الأمن، ومكافحة الفقر وتقوية العدالة الاجتماعية، وتلافي الانطواء على النفس والاستبعاد، والمزيد من الانفتاح على التعاون مع الآخرين، وخفض عدد مصانع السلاح وزيادة المدارس. هذه هي أهم التحديات التي نواجهها والتي تزداد خطورتها. واليوم أكثر من أي وقت مضى، ينبغي أن تضاعف منظمتنا جهودها من خلال التجديد الدائم لسياستها وإستراتيجيتها وبرامجها وبناها، لكسر طوق الرتابة التي تحاصرنا وتزرع في نفوسنا الخوف والاضطراب، ولإعطاء مزيد من الحيوية للقيم الأخلاقية وللمثل المدرجة في الميثاق التأسيسي للمنظمة، وتعزيز التعاون الفكري الدولي، وزيادة مشاركة المجتمع المدني في مناقشة المشاكل التي تعنيه وحلها، وضمان السير نحو السلام، والحرية، والتسامح والتقدم.

ويضيف "هذه هي القضايا التي يتناولها أحمد الصياد في كتابه، تحليلًا وتفكيرًا، بعد عرض لتاريخ اليونسكو، بتماسك وتسلسل لافتين للنظر. فأحمد الصياد، من حيث هو رجل ثقافة، وسفير سابق لبلد نام، ومدير عام مساعد حالي لليونسكو، وصديق وفي ورفيق طريق منذ وقت طويل، أتيحت له الفرصة وواتاه الحظ لمعرفة المنظمة من الخارج ومن الداخل، سياستها ومشاكلها، والتيارات التي تحركها. وأثبت في الماضي وخلال مباشرته لوظيفته السابقة، قدرته على جمع الناس والأفكار، وتميزه بالانفتاح الفكري، وتمسكه بالحوار والتشاور وبتوافق الآراء بقدر وفائه لمثل اليونسكو ولرسالتها. وتبرز كياسته ورزانته في طريقة حكمه على الأحداث والأشخاص. وهو يعرض في مؤلفه عصارة أفكاره وأحكامه التي تشد انتباه القارئ، ولا يحاول أن يقصر القضايا التي يتناولها على تلك التي لها علاقة بعمل اليونسكو، بل يتعدى هذا الإطار ليشمل تحليله وتفكيره أحداثًا عالمية أخرى. وتستند الدراسة التي يعرضها أمامنا إلى توثيق خصب وغني، يسلط الضوء على الأحداث المهمة وجذورها، ويتتبع تطور سياسة المنظمة منذ نشأتها حتى اليوم، ويحلل نجاحاتها وإخفاقاتها، ويتوصل إلى تقويم يبرز على نحو أفضل تشابك المشاكل، ويرفق ذلك أحيانًا بنقد لاذع، منطلقًا من مبدأ أن إصلاح اليونسكو هو عملية مستمرة، ومتطورة، لا تقبل العودة إلى الوراء، إنه يتقدم على الطريق موفقًا بين الشجاعة والحذر، ورابطًا بين تقدم العلوم والتكنولوجيا وضرورة الاستجابة لاحتياجات السكان المحرومين،وهو بإلحاحه على مفهوم تراث الإنسانية المشترك وتحقيق التنمية الإنسانية المستدامة، والعدالة الاجتماعية. ويحذر من الاغترار ببعض النظريات أو التحولات الجارية في العالم، ويدعو في هذا الصدد إلى اليقظة، والتمسك بالمبادئ الأخلاقية، والمثل التي ينبغي أن يقوم عليها بناء اجتماعي كريم وقابل للدوام.