الخميس 23 مايو 2024

غسان سلامة المبعوث الأممى الجديد إلى ليبيا مثقف فى مهمة صعبة

11-8-2017 | 15:38

بقلم – نجوان عبد اللطيف

بدأ المثقف اللبنانى والسياسى المعروف د. غسان سلامة مهمته الصعبة على أرض ليبيا مطلع هذا الأسبوع، فى أول زيارة له بعد اختياره كمبعوث خاص للسكرتير العام للأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية، حيث التقى بعض أطراف الأزمة مثل فايز السراج رئيس المجلس الرئاسى فى العاصمة طرابلس وعقيلة صالح رئيس البرلمان المنحل فى مدينة القبة شرق ليبيا.

 

غسان سلامة هو سادس شخصية تحتل هذا المنصب، منذ اندلاع الثورة الليبية فى فبراير ٢٠١١ ضد حكم العقيد القذافى، حيث كان الفشل حليف الخمسة السابقين فى مهمتهم لحل هذه الأزمة بالغة التعقيد، وهو ثالث مبعوث عربى بعد عبدالإله الخطيب الأردنى وطارق مترى اللبنانى وبينهما كان الدبلوماسي البريطانى إيانمارتن، ثم الإسبانى برناردينو ليون، وسبق غسان الألمانى مارتن كوبلرالذى استمر لعامين حتى تم اختيار سلامة من قبل مجلس الأمن فى يوليو الماضي.

هل ينجح وزير الثقافة اللبنانى الفرنسى الجنسية أستاذ السياسة الدولية ذو السابعة والستين من عمره، والمستشار السابق للسكرتير العام للأمم المتحدة فيما فشل فيه السابقون؟

هل يستطيع أحد نجوم السياسة والثقافة العربية، والتى أثارت كتبه وأراؤه جدلًا كبيرًا فى الأروقة العربية،أن يجمع شتات الليبين المتحاربين المتصارعين على السلطة، بينما ليبيا تتمزق أوصالها بين هذا وذاك؟

ربما يملك سلامة من المقومات ما يسمح له بتحقيق شىء أفضل من سابقيه، إنه ابن هذه المنطقة الذى ارتبط بها وعاش على أرضها، حتى تخرج من جامعة القديس يوسف فى بيروت، ثم التحق بجامعة فرنسا ليكمل دراسته، ويحصل على الدكتوراه مرة فى السياسة الدولية وأخرى فى الآداب، هذا المزج بين السياسة والأدب وبين الشرق والغرب هو جزء أصيل فى شخصية د. غسان الذى عمل وزيرًا للثقافة اللبنانية لثلاث سنوات من عام ٢٠٠٠ حتى ٢٠٠٣ فى حكومة رفيق الحريرى، وكان المنظم المشهود له بالكفاءة لإحدى القمم العربية المهمة التى عقدت فى لبنان ٢٠٠٢، وعمل كأستاذ فى جامعة السوربون وفى الجامعات الأمريكية وكان ضمن بعثة الأمم المتحدة للعراق فى ٢٠٠٣ عقب الغزو الأمريكى لها، حيث نجا من التفجير الذى استهدف البعثة وقتل فيها رئيسها ومعظم أفرادها، د. غسان يفهم طبيعة الشخصية العربية وكذلك الشخصية الغربية، يجمع بين الاثنتين وهى ميزة مهمة لمفاوض فى أزمة تشابكت فيها الأطراف والمصالح عربية وإقليمية وغربية، وجاء لموقعه الجديد بدعم أمريكى كبير، حيث رفضت الولايات المتحدة الأمريكية ترشيح السكرتير العام لرئيس الوزراء الفلسطينى السابق سلام فياض، لا لشيء غير أنه فلسطينى وهذا كما قالت ممثل أمريكا فى الأمم المتحدة، السفيرة نيكى هالى: يمثل غصة لدى الأصدقاء الإسرائيليين، وكما هو معروف اختيار أى مبعوث للأمم المتحدة لأى جهة لابد وأن يأتى بإجماع الدول الـ١٥ أعضاء مجلس الأمن، وقد استغرق الجدل حول الشخص المختار حوالى ٤ أشهر.

أيضًا يتوقع كثيرون أن د. غسان سيكون على مسافة متساوية من أطراف الأزمة الليبية على عكس الألمانى مارتن كوبلر الذى استطاع تحقيق تقدم بالوصول لاتفاق الصخيرات الذى وقعه الفرقاء الليبيون فى المغرب فى ٢٠١٥ الذى أنتج حكومة الوفاق، إلا أنه اتهم بتحيزه لأحد الأطراف فكان من بين أسباب عدم تنفيذ استحقاقات هذا الاتفاق، حيث لم تسمح الأطراف الموقعة عليه للحكومة الجديدة من القيام بدورها، ولم يمكنوها من إدارة البلاد.

وكان د. سلامة قد شارك كمراقب فى اجتماع باريس الذى تم برعاية الرئيس الفرنسى، والذى عقد بين رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق فايز السراج، والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطنى، وأهم ما تم الاتفاق عليه هو حل سياسي للأزمة الليبية ووقف إطلاق نار مشروط، وإجراء انتخابات في البلاد، برلمانية ورئاسية.

ولكن هذا الاتفاق أثار حفيظة الإيطاليين المستعمر القديم لليبيا، خاصة وهى تعتبر نفسها الخاسر الأكبر من الأزمة الليبية لأسباب عديدة أهمها أنها وجهة المهاجرين غير الشرعيين عبر السواحل الليبية، فكانت موافقة البرلمان الإيطالي على تفويض القوات البحرية لعمل اللازم، للحد من عبورالمهاجرين البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوربا فى الثانى من أغسطس الحالى، وعقب ذلك أعلنت إيطاليا دخول إحدى السفن الإيطالية المياه الإقليمية الليبية، لمساعدة خفر السواحل الليبية فى منع المهاجرين من العبور وسط رفض شعبى ليبى ومن أطراف سياسية عديدة، وبينما رحب المجلس الرئاسى بالخطوة الإيطالية فى إطار احترام السيادة الليبية، أصدرالمشير خليفة حفتر أوامر عسكرية للقواعد البحرية الليبية في طبرق، وبنغازى،ورأس لانوف، وطرابلس، بالتصدى لأى قطعة بحرية تدخل المياه الإقليمية الليبية دون إذن من الجيش.

ونقلت صحيفة ليبروكوتيديانو الإيطالية عن مصادر عسكرية قولها إن سلاح الجو الإيطالى سيتصدى لبحرية الجيش الليبي وطائراته شرق البلاد في حال اعترض طريق البوارج الإيطالية، فى حين أصدر البرلمان الليبي المنعقد شرق البلاد، بيانا حذر فيه من أي محاولات لإعادة عشرات الآلاف من المهاجرين غيرالشرعيين إلى ليبيا.ا.

ورغم أن الأجواء التى تمت فيها زيارة سلامة الأولى لليبيا غير مريحة، إلا أن تصريحات سلامة بعد لقائه بفايز السراج فى طرابلس، وعقيلة صالح رئيس البرلمان الليبى فى مدينة القبة شرق ليبيا جاءت متفائلة، حيث قال في تغريدة له على موقع البعثة الأممية:» اجتماع بنّاء مع رئيس المجلس الرئاسي حول التحديّات الاقتصادية والسياسية والأمنية، هناك حاجة ملحّة لوضع حد لمعاناة الليبيين».

وأوضح سلامة أنه أبلغ السراج أن «بعثة الأمم المتحدة التي اضطرت مرغمة إلى مغادرة طرابلس سنة ٢٠١٤، قررت العودة التدريجية. وشدد على أنه يقف إلى جانب الأطراف الليبيية، «لكي نعمل فعلا بهدف أن تكون الأشهر المقبلة والسنة المقبلة سنة استتباب المؤسسات المستقلة والفاعلة والعاملة، في ليبيا المستقلة الموحدة».

مهمة غسان سلامة بالغة الصعوبة حيث تتعدد الرئاسات، رئيس المجلس الرئاسى وحكومة الوفاق فايز السراج فى طرابلس، ورئيس المجلس الأعلى للدولة عبدالرحمن السويحلى فى طرابلس أيضًا، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح فى شرق ليبيا والمشير خليفة حفتر، هذا بخلاف القبائل، وبروز تيار جديد من بقايا نظام القذافى خاصة مع الإفراج عن ابنه سيف الإسلام القذافى، ووجود قوة للجماعات الإرهابية على رأسها داعش، وعمليات تهريب السلاح والنفط، وتحالفات إقليمية ودولية تدعم هذا وتحبذ ذاك،وصراع على السلطة بين الفرقاء يعطل تنفيذ أى اتفاق يتم الوصول إليه.

ولكن سلامة يرى أن كل الأطراف أبدت استعدادها لحوار جاد يؤدى إلى اتفاق سياسى بين الجميع دون إقصاء لأحد لتنفيذ اتفاق الصخيرات وتعديله للخروج من الأزمة.

وسيعمل غسان فى الفترة القادمة على إجراء استفتاء على مشروع الدستور الليبى الجديد أجريت عليه تعديلات مؤخرا.

أولويات غسان سلامة كما قال «هى التفاعل والتواصل مع الليبيين، مؤكدا أنه إلى جانبهم وفي خدمتهم ولكنه ليس بديلا عنهم، قال»إذا كانوا يريدون حاضرا أفضل لهم، ومستقبلا أفضل لأولادهم، فسيجدون عندي إصرارا على ابتكار الأفكار والحلول التي قد تساعدهم على التوصل إلى هذا المستقبل المختلف.

غسان فى كتاباته أشار إلى ضرورة العمل من أجل تخفيف أهوال الانهيار الذى تعانى منه شعوبنا ودولنا وإلا تضيع إنسانيتنا بعد أن ضاعت قوميتنا، فى إشارة إلى ضياع القومية العربية وهو ما أثار نقدًا شديدًا له من القوميين العروبيين.

حتى وإن اختلفنا مع مقولته، نحن آملون فى أن ينجح د.غسان سلامة المثقف اللبنانى العربى فى إنقاذ إنسانية الشعب الليبي.