الجمعة 27 سبتمبر 2024

«الدواء المر» يحقق أهدافه بشرة الخير ليست فى الاحتياطى وحده!

11-8-2017 | 16:18

بقلم – عزت بدوى

ما الذى يعنيه ارتفاع احتياطيات مصر من العملات الأجنبية لدى البنك المركزى إلى رقم قياسى غير مسبوق منذ نهاية ديسمبر عام ٢٠١٠ بعدما سجل فى نهاية الشهر الماضى حسب بيان البنك المركزى أول أمس ٣٦ ملياراً و٣٦ مليون دولار أمريكى، وبما يزيد بنحو ٢٦ مليون دولار عن أعلى رقم سجله من قبل فى نهاية ٢٠١٠ أى قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وما مدلول هذه الزيادة فى احتياطيات مصر من العملات الصعبة، وكيف وبماذا يفسرها خبراء الاقتصاد المحليون والدوليون من مؤسسات التمويل الدولية؟

وهل فعلا كما يردد البعض أنها مجرد زيادة وهمية ولا تعبر عن أى تحسن فى أداء الاقتصاد المصرى؛ لأنها جاءت نتيجة القروض والمنح الدولية ولم تتحقق نتيجة نمو اقتصادى ملموس فى الإنتاج وعائدات البلاد من العملات الصعبة؟ .. أم أنها مؤشر قوى و«بشرة خير» على بدء مرحلة تعافى الاقتصاد المصرى ونجاح «الدواء المر» فى تحقيق أهدافه والذى لم يكن أمام الدولة والحكومة خيار من اللجوء إليه رغم إدراكها مقدما قسوته ومعاناة المواطنين من تطبيقه.

القراءة المحايدة والمتأنية لمؤشرات أداء الاقتصاد المصرى والتى سجلتها تقارير البنك المركزى وأكدت عليها مؤسسات التمويل الدولية بدون تهويل أو تهوين منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى فى ٣ نوفمبر الماضى بتحرير أسعار الصرف تؤكد بما لايدع مجالاً للشك، وحسبما يؤكد إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى الأسبق إن قرار تحرير سعر الصرف الذى اتخذه طارق عامر فى ٣ نوفمبر الماضى أدى إلى إدراك المواطنين لأهمية سعر صرف الجنيه المصرى فى مواجهة العملات الأجنبية فى حياته المعيشية اليومية فلم يجد أمامه سوى ضرورة استغنائه عن السلع غير الضرورية والترفيهية والهامشية أو ما يطلق عليها بالعشوائية، بل وتقليل استهلاكه للسلع الضرورية بما يتناسب مع إمكانياته المادية ودخله المتاح، وهو الأمر الذى انعكس إيجاباً على ميزان المدفوعات والميزان التجارى فى نفس الوقت، بعدما تراجعت الواردات وبدأت الصادرات تزيد تدريجياً، وإن كانت لم تصل بعد إلى المستوى المأمول منها ليقل الضغط على طلب العملات الأجنبية فى الأسواق.

وبعيداً عن شهادة محافظ البنك المركزى الأسبق بل وكافة رجال البنوك المصرية، فإن المتابع لكافة تحليلات خبراء الاقتصاد العالميين بداية من مجلة «ذى اكونوميست» البريطانية الشهيرة إلى ممثل صندوق النقد الدولى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مؤسسات التمويل الدولية، يدرك تماما أن ماتحقق هو فعلا «بشرة خير» ودعوة للتفاؤل بمستقبل مصر الاقتصادى إذا، ما استمر الأداء الجاد وتضافر الجميع فى إنجاح منظومة الإصلاح الاقتصادى طبقا للخطة الموضوعة بزيادة الإنتاج وتذليل كافة العقبات أمام المستثمرين المحليين قبل الأجانب والتصدى الجاد للبيروقراطية والفساد الإدارى، وفى هذا الشأن يكفى ما شهدت به مجلة اكونوميست فى عددها الأخير هذا الشهر بوضعها الاقتصادى المصرى ضمن أفضل الاقتصاديات التى أصبحت مؤهلة لتحقيق انطلاقة كبرى بعد تجاوزها مرحلة الخطر ووضعها الخطوات الصحيحة للانطلاق وأصبحت جاذبة للاستثمار مرة أخرى، الشهادات الدولية لمؤشرات أداء الاقتصاد المصرى لا تعرف المجاملة، بل تعتمد على لغة الأرقام والدراسة والتحليل لكل رقم وكيف تحقق ودلالته ومؤشراته وعلاقته بباقى مؤشرات الاقتصاد الكلى.

ولغة الأرقام وإن كانت تؤكد بالفعل أن جزءاً كبيراً مما تحقق فى زيادة احتياطيات العملات الأجنبية قد جاءت نتيجة ديون وودائع تستحق السداد فيما بعد سواء بالقروض والاستثمارات الساخنة، التى تستحق السداد فور حدوث أية أزمات مثل استثمارات الأجانب فى شراء أذون وسندات الخزانة فى البورصة المصرية والتى شهدت إقبالا كبيراً فى الفترة الماضية نتيجة ارتفاع العوائد على هذه السندات والأذون من جهة والتى تجاوزت فى بعضها نسبة الـ ٢٠٪ أو لعودة الثقة لدى المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى وسهولة تحويل استثماراتهم فى أية لحظة بعد إلغاء قيود التحويل التى كانت مفروضة من جانب البنك المركزى عام ٢٠١٦، وبجانب وفرة العملات الصعبة لدى المركزى وضمان تحويل هذه الاستثمارات للخارج بدون تأخير أو مشاكل، كما كان يحدث من قبل.. إلا أن هذه النظرة التحليلية الضيقة متشائمة وتتجاهل باقى المؤشرات التى تحققت فى أداء الاقتصاد المصرى والتى تمثلت فى عودة الاستقرار لسوق الصرف فى البلاد وانتهاء طوابير الانتظار لدى البنوك فى تمويل الواردات من الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية داخل مصر وخارجها وقيام البنك المركزى بسداد كافة التزامات مصر الخارجية من ودائع وأقساط وديون فى مواعيدها دون تأخير من الخارج وانتهاء السوق السوداء من العملة والمضاربة وزيادة تحويلات المصريين بالخارج عبر القنوات الشرعية بعد أن كانت تتم معظمها عبر تجار العملة والمضاربين خارج مصر وبدء تراجع أسعار الدولار والعملات الأجنبية ولو بنسبة طفيفة أمام الجنيه المصرى وكل ذلك بدون دعم أو تدخل من البنك المركزى فى سوق الصرف، كما كان يحدث من قبل، وكل ذلك أيضاً واحتياطيات مصر من العملات الأجنبية لدى البنك المركزى تزيد شهراً بعد شهر رغم وفائه بكافة الالتزامات الدولية المطلوبة من العملات الصعبة بداية من أقساط وديون نادى باريس البالغة ١.٤ مليار دولار سنوياً يتم دفعها على قسطين بواقع ٧٠٠ مليون دولار فى يناير ومثلها فى يوليو وكذلك سداد الودائع القطرية والتركية التى كانت مستحقة على مصر فى موعد استحقاقها والتى حصلت عليها خلال فترة حكم الإخوان، كما تمت جدولة وسداد ٢.٢ مليار دولار من متأخرات الشركات البترولية العالمية المستحقة على هيئة البترول وتلبية كافة احتياجات البلاد من الواردات الرئيسية الاستراتيجية وفى مقدمتها المنتجات البترولية والتى تبلغ ٧٠٠ مليون دولار شهرياً.

إن بدء مرحلة التعافى الاقتصادى ليس فقط فى مجرد زيادة احتياطيات مصر من العملات الصعبة والتى تمثل عامل أمان لتلبية احتياجات البلاد من السلع الضرورية والأساسية، وإنما كافة المؤشرات الاقتصادية التى رصدتها تقارير البنك المركزى ومؤسساته التمويلية تؤكد ذلك، فالواردات تراجعت خلال النصف الأول من العام المالى الحالى من ٣٤ مليار دولار إلى ٢٤ مليار دولار فقط، لتنخفض ١٠ مليارات دولار فى ستة أشهر بعد أن كانت وارداتنا من الخارج سجلت عام ٢٠١٥ أكثر من ٧٠ مليار دولار أمريكى، وهو الأمر الذى تحقق بعد تحرير سعر الصرف وتراجع طلب المستهلكين على السلع المستوردة والاستغناء عن الاستيراد العشوائى، الأمر الذى انعكس بالإيجاب على عجز الميزان التجارى الذى تراجع بنحو ٪٤٦ بعد زيادة الصادرات خلال نفس الفترة من ١٠ مليارات و ٢٩٥ مليون دولار إلى ١١ ملياراً و ١٣٠ مليون دولار وبنسبة ٨ ٪ ليؤكد نجاح سياسة الإصلاح الاقتصادى.

وهناك مؤشر آخر يدفعنا للتفاؤل بما تحقق من إصلاح اقتصادى، وأن صبر المصريين وتحملهم للإجراءات الاقتصادية الصعبة للإصلاح لم يذهب سدى، وهو بدء عودة الاستثمارات الأجنبية التى خرجت من قبل من مصر بعد أن سجلت استثمارات الأجانب فى العام الأخير ٨.٧ مليار دولار أمريكى معظمها فى أدوات الدين الحكومى ممثلة فى أذون الخزانة وسنداتها وهو ما يؤكد عودة الثقة لدى المستثمرين الأجانب والمؤسسات الدولية فى الاقتصاد المصرى، بل إن هذا المؤشر تحديداً يدفعنا إلى الاطمئنان لتحقيق ما نصبو إليه من استهداف استثمارات أجنبية فى العام القادم يبلغ حجمها ١٠ مليارات دولار أمريكى.

لكن الأهم من كل ذلك هو مؤشر النمو الذى يعكس التحسن الحقيقى فى أداء الاقتصاد المصرى والذى بلغ فى العام الأخير ٣.٦٪ الأمر الذى يرد على المتشائمين بل ويدفعنا إلى التفاؤل لتحقيق ما نصبو إليه فى الخطة الجديدة من تحقيق معدل نمو إيجابى لا يقل عن ٤.٥٪،

نعم مازلنا فى بداية الطريق، ولكننا نسير على الطريق الصحيح وهو الأمر الذى يدفعنا إلى ضرورة العمل الجاد لزيادة الإنتاج، فالإنتاج وحده هو الذى يقود منظومة الإصلاح الاقتصادى ويخلق فرص العمل ويحسن مستوى معيشة المواطنين ويرفع دخولهم ويقضى على البطالة.

ويخفض أسعار السلع والخدمات، ويقود الجنيه المصرى إلى الارتفاع فى مواجهة كافة العملات الدولية، ويحقق المزيد من الارتفاع فى احتياطيات مصر الدولية من العملات الصعبة.