هل يحل الروبوت مكان الصحفيين في غرف الأخبار؟!
منذ دخول العالم إلي حقبة ثورة المعلومات، و التطور التقني الذي يشهده العالم في مختلف المجالات و بزوغ عصر أدوات الذكاء الاصطناعي، و هناك العديد من الأسئلة التي يتم طرحها في مختلف مناحي الحياة حول دورها في المستقبل و مدي إمكانية أن تقوم بدور الإنسان علي سبيل المثال في مجال الطب أصبح من الممكن أن تقوم بمساعدة الجراحين في إجراء بعض العمليات، و منذ العام 2015 أطلقت شركة ميتميديا السويدية أول روبوت صحفي يقوم بإعداد الأخبار و التقارير و هناك العديد من الصحف الكبري علي مستوي العالم علي غرار الواشنطن بوست في الولايات المتحدة و الجارديان البريطانية تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في غرفة الأخبار.
وهنا يجب أن نتوقف قليلا أمام تلك التجارب المهنية حيث تقوم الخوارزميات والروبوت بمعالجة الأخبار المبنية على البيانات مثل الأخبار الاقتصادية والطقس، إلى جانب دورها في التحقق من الأخبار ومدي صدقيتها، خاصة المواد المصاحبة مثل الصور والفيديوهات، إضافة إلى ثقة المتلقي في تلك المواد المنتجة بواسطة الروبوت وانخفاض نسبة الانحياز فيها، بل أنه على المستوي الاقتصادي تري العديد من المؤسسات أنها أيضا ذات تكلف أقل.
خلال العام 2016 استخدمت الواشنطن بوست «الروبوت الصحفي» بشكل تجريبي في التغطية الخبرية للانتخابات من خلال صناعة الأخبار و التقارير و نشرها علي منصة تويتر، و تلك من وجهة نظري نقطة فاصلة لدي القائمين علي غرف الأخبار من حيث القدرات الفنية التي يمتلكها الروبوت و الخوارزميات التي يعمل عليها لتسويق القصة الخبرية عبر منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت منصات لتوزيع المنتج الصحفي، وفي اعتقادي أن الأمر لن يتوقف عند تلك المحطة لأن التطور الذي تشهده منصات التواصل الاجتماعي و ما تشهده تقنيات الذكاء الاصطناعي لن يتوقف بل أن وتيرته تزداد يوما بعد آخر.
هل ينتهي دور الصحفي البشري في ضوء التطورات المتسارعة؟ الإجابة هنا تتوقف على بضعة عوامل أولا البيئة التي يعمل بها ومدي قدراتها على تطوير القدرات الصحفية للزملاء كي يمكنهم ملاحقة عصر «صحافة الروبوت» ثانيا السياسات التحريرية للمؤسسات الصحفية، ومدي رغبتها في تقديم منتج صحفي متميز ليس فقط من ناحية المصداقية ولكنه يعبر عن ثقافة الشرائح التي يخاطبها.
يمكن لـ«الروبوت الصحفي» سرد الأخبار والتقارير التي تحتوي على بيانات وأرقام في صورة نص صحفي وفق مواصفات قياسية تتوافق مع السياسة التحريرية للمؤسسة الصحفية، لكنه لن يستطيع منافسة الصحفي البشري في تقديم فن مثل القصة الإنسانية التي يقدمها الصحفي منفعلا بها من الناحية العاطفية مستخدما عبارات نحتها هو من بين تعبيرات تنتمي للمخزون اللغوي لدية، بل أن الوصف اللغوي يصنع صورة ذهنية لأبطال القصة الإنسانية في ذهن المتلقي يتفاعل معها ويبني عليها موقف إنساني.
هذا لا يعني أن غرف الأخبار سوف تحتفظ بالصحفيين خارج نطاق التطور الحالي، خاصة وأنه أصبح في حالة تماس شديدة مع ترويج المحتوي على منصات التواصل الاجتماعي التي يحقق من خلالها تمويل المؤسسات الصحفية، ناهيك عن فكرة التأثير وصناعة التعاطف حول قضايا بعينها.
لقد تأخرا كثيرا في المنطقة العربية في الاستفادة من أدوات تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل غرف الأخبار، وإعداد الكوادر الصحفية التي يمكنها الاستفادة منها عند التخطيط للتغطية الخبرية للأحداث المهمة خاصة تلك التي تقوم على البيانات والأرقام والتي يمكن على أساسها تقديم مقارنات دقيقة تقدم للمتلقي صورة حقيقية للواقع من خلال المعالجة الصحفية.
إن الصحافة العربية بمختلف تنوعاتها في حاجة ماسة إلى إعادة تشكيل غرف الأخبار وفق الواقع الذي نعيشه حاليا مع وضع توصيف جديد يلائم الواقع الراهن للصحافة الرقمية، حتى تتمكن من تقديم محتوي يحترم عقل المتلقي ويمكنه تحقيق الأرباح، لا يمكن لبعض الصحف البقاء على قيد الحياة وهي تخاطب القارئ أحيانا من فوق المنبر ومره آخري تقدم محتوي غير لائق يفقدها الكثير من رصيدها لدي الجمهور الحقيقي.
أعتقد أن تحديث غرف الأخبار أصبح أمرا لا فكاك منه لكنه لن يتم دون تطوير و تدريب الزملاء و دراسة تجارب الصحف العالمية التي واجهة مختلف التحديات و وضعت خطط و سيناريوهات تتلاءم و تحقيق أهدفها علي مستوي التأثير في الرأي العام و تحقيق الأرباح.