الأحد 2 يونيو 2024

بعض المهرجانات المحلية أهم من الدولية .. اتفاقية تآخى بين «مستغانم » و «المسرح العربى » «العب لعبك » تفوز بالجائزة الكبرى وجائزة لجنة التحكيم لـ«نون »

12-8-2017 | 12:58

رسالة الجزائر بقلم : د.عمرو دوارة

انتشرت خلال السنوات الماضية - وبالتحديد مع بدايات الألفية الجديدة - ظاهرة تنظيم المهرجانات المسرحية العربية بتنوع أشكالها وتباين أهدافها، حتى أن الباحث المسرحي يستطيع أن يرصد بسهولة ويسجل تفاصيل كثيرة لتلك الظاهرة الجديدة التي سرعان ما انتشرت بمختلف الأقطار العربية، ومن أهمها كثرة عددها بكل دولة، وتكرار أسماء المكرمين والمشاركين بفعالياتها، وذلك بخلاف تداخل مواعيد تنظيمها وعدم تحديد هوية خاصة بعدد كبير منها.

- والجدير بالذكر أن أول مهرجان مسرحي عربي قد تم تنظيمه عام 1969 بمبادرة من اتحاد الفنانين العرب برئاسة المسرحي الكبير الراحل سعد الدين وهبة، وهو مهرجان "دمشق المسرحي الدولي" ، في حين كان المهرجان الثاني هو مهرجان "قرطاج الدولي" بتونس عام 1983، ومن بعدهما تم تنظيم عدة مهرجانات عربية ودولية ولعل من أهمها: مهرجان "بغداد المسرحي" 1986 بالعراق، مهرجان "القاهرة الدولي للمسرح التجريبي" بمصر عام 1988، وأخيرا مهرجان "الفجيرة الدولي للمونودراما" بالإمارات المتحدة 2003.

- والحقيقة التي يجب تسجيلها في البداية هي أن بعض المهرجانات المحلية أو الوطنية ببعض الدول العربية الشقيقة قد تكون أكثر أهمية من بعض المهرجانات الدولية، ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك: مهرجان «مستغانم للهواة» بالجزائر وكذلك مهرجان المسرح الوطني (بدورته العربية التي تأسست عام 2007)، مهرجان المسرح العربي بالقاهرة (الذي تأسس عام 2001 وتنظمه "الجمعية المصرية لهواة المسرح")، مهرجان مسرح دول الخليج العربي وكذلك أيام الشارقة المسرحية، وأخيرا مهرجان المسرح الأكاديمي بالكويت (بدوراته العربية التي تأسست عام 2013)، ويمكن أن يضاف إليها أيضا بعض المهرجانات المسرحية بكل من المملكتين المغربية والأردنية.

- لا تتحدد أهمية كل مهرجان عن طريق ضخامة الميزانيات المخصصة لتنظيمه أو إلى كثرة عدد الدول المشاركة ببعض دوراته، بل تعود الأهمية بالدرجة الأولى إلى وضوح فلسفة تأسيسه والمحافظة على أهداف تنظيمه، وأيضا إلى مدى قدرة لجنته المنظمة على تحقيق الاستمرار وعلى تحقيق أهدافه بدقة، وبالتالي بمدى نجاحها في اختيار أهم الفرق وأفضل العروض المشاركة وفي استقطاب أهم المبدعين في مجال الفنون المسرحية.

- يعتبر "المهرجان الوطني لمسرح الهواة لمدينة مستغانم" من أعرق التظاهرات الثقافية والمسرحية على كل من المستويين العربي والإفريقي، حيث احتفل المهرجان هذا العام بدورته الخمسين وبالتالي لا يسبقه عالميا سوى مهرجان "أفنيون" (بدورته السبعين). والحقيقة أن ظهوره لأول مرة في خريف عام 1967 على يد المسرحي القدير الراحل الجيلالى بن عبد الحليم قد شكل وثبة كبيرة في مجال الخريطة الثقافية للجزائر المستقلة من خلال بروز منبر للتعبير الفني الحر والمتميز، وقد تحقق ذلك بفضل نخبة من الوطنيين الذين تشبعوا بمفاهيم الحركة الوطنية خلال فترة النضال ضد المستعمر الفرنسي للحصول على الاستقلال، وبالتالي فإن هذه التظاهرة الفنية تتميز في واقع الحال بكونها نابعة من الأوساط الشعبية بعيدا عن الإطار الإداري والسياسى الرسمى.

- انطلقت هذا العام فعاليات الدورة الخمسين للمهرجان خلال الفترة من الخميس 13 يوليو إلى الأربعاء 19 يوليو، وقد تشكلت اللجنة العليا برئاسة محمد نواري (محافظ للمهرجان)، محمد بودان (المدير الفني)، وشارك بفعالياتها ثلاثون عملا مسرحيا من الجزائر، من بينها عشر مسرحيات تنافست على جائزة "الكاكي الذهبي" التي يمنحها المهرجان، وذلك إلى جانب مشاركة بعض الفرق المسرحية والمهتمين بالمسرح من تونس وفرنسا وإسبانيا.

- تميز افتتاح الدورة الخمسين بتنظيم تظاهرة فنية وإقامة كرنفال بحديقة الترفيه والتسلية "مستالاند" الواقعة بالخروبة شرق مدينة "مستغانم" (والتي تم افتتاحها التجريبي بمناسبة انطلاق فعاليات المهرجان)، كما تميز حفل الافتتاح بتنظيم استعراض للفرق المشاركة والفرق الفلكلورية الرقص بالخيول وفقرات للفرقة النحاسية التابعة للحماية أمام السلطات المحلية والفنانين والمدعوين الذين تابعوا الفقرات بالمنصة الرئيسة، وقد استقطبت مراسم انطلاق هذه الاحتفالية الفنية والمسرحية الكثير من المواطنين والمهتمين والفنانين الذين تابعوا الاستعراض. وعقب تلك الاحتفالية الشعبية تم إجراء مراسم الافتتاح الرسمي لهذه الدورة بمسرح دار الثقافة "عبد الرحمن كاكي"، ذلك الحفل الذي بدأ بتقديم كلمة محافظ المهرجان محمد نواري، وأعقب ذلك تقديم كلمة والي ولاية مستغانم عبد الوحيد طمار ، كما تضمنت فقرات حفل الافتتاح تقديم عرض فني بعنوان "الياقوتة" للموسيقار المخرج محمد الشيخ أمين بمساعدة الممثل عبد القادر بلمحمد رفقة وهو عبارة عن تركيبة مسرحية مدتها خمسون دقيقة، تم من خلالها العودة بالزمن واسترجاع ذاكرة المهرجان منذ تاريخ تأسيسه عام 1967.

- تجدر الإشارة إلى أن وزير الثقافة بالجزائر الأديب عز الدين ميهوبي - اضطر إلى عدم حضور حفل الافتتاح نظرا لمشاركته في الدورة الحادية عشرة لسوق عكاظ المنظم بمحافظة الطائف بالمملكة العربية السعودية، ولكنه حرص على حضور حفل الختام، والمشاركة بكلمة جدد من خلالها أهمية اختيار مدينة "مستغانم" عاصمة للمسرح الجزائري - على مدار عام 2017 - كما أكد التزامه الكامل بدعم مسرح الهواة أدبيا وماليا، وإعجابه بأن الطبعة الخمسين للمهرجان قد تميزت "بالوفاء والعرفان لأنها استحضرت كل الذين قدموا شيئا للمهرجان عبر مسيرته الطويلة بدءا من المسرحيين القديرين عبد الرحمن ولد كاكي وسي الجيلالي بن عبد الحليم وغيرهما من الأسماء التي قدمت القيمة المضافة في حركة المسرح، وأعطت لهذه المدينة تميزا وتخصصا لتؤكد أنها حاضنة المسرح وراعية المواهب وداعمة لاستمرار المسرح في أن يكون عنصرا حيا في مسيرة المجتمع.

- تضمنت فعاليات هذه الدورة أيضا افتتاح المسرح الجىوي لمستغانم (مسرح "سي جىلالى بن عبد الحلىم")، وهو المسرح الجىوي (الإقليمي) الذي ىحمل اسم عميد المسرح الجزائري، وأول مسرح ىشىد بعد الاستقلال على المستوى الوطني، وقد شىد على نمط المسرح الإىطالي بحي أربعمائة مسكن (غىر بعىد عن مقر مدىرىة الثقافة ومعىد الموسىقى ودار الثقافة)، ويتكون من ثلاثة طوابق بمساحة إجمالىة تقارب أربعة آلاف متر مربع، ويشتمل على قاعة للعرض تتسع لخمسمائة مقعد، وأخرى للمحاضرات ورواقا للعرض ومقهى للمسرح وورشة لصناعة الدىكور، كما ىتوفر بهذا الصرح الثقافي - الذي بلغت تكلفته الإجمالىة حوالي 720 ملىون دينار جزائري - أحدث الأجهزة ذات التقنىات المتطورة وفق المعاىىر المعمول بها دولىا، لىصبح بمثابة قلعة إشعاع ثقافي للمسرح في الجزائر وقدوة لكل المسارح على المستوى الوطني، خاصة وأنه سىكون بمثابة فضاء للتلاقي بىن المسرحىىن الهواة والمحترفىن، ولاحتضان تظاهرات عالمىة مستقبلا.

- تشكلت لجنة التحكيم في المسابقة الرسمية للمهرجان برئاسة الكاتب المسرحي الجزائري شارف بركاني وعضوية نخبة من المسرحيين والأكاديميين وهم الأساتذة: الناقد الكبير عبد الرحمن بن زيدان (المغرب) والباحث المسرحي نادر القنة (فلسطين)، والمسرحي عبد الحميد حباطي (الجزائر) والفنان السينوغرافي مراد بوشهير (الجزائر) .وقد توجت مسرحية "العب لعبك" لجمعية اتفاق القلوب الثقافية من المسيلة بالجائزة الكبري لأحسن عرض متكامل، وحصدت الجائزة الثانية مسرحية "أعراق شد أو يديد" للجمعية الثقافية للمسرح "افراتشي" من بجاية، والجائزة الثالثة لمسرحية "كاسك يا سقراط" لجمعية "الرسالة" للمسرح من المسيلة، في حين حصدت جمعية هواء الطلق لبودواو من" بومرداس "على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن مسرحية "نون".

- اعتبرت قيادات وزارة الثقافة وولاية مستغانم أن توقيع ميثاق التآخي بين كل من "مهرجان المسرح العربي (الذي تنظمه سنويا الجمعية المصرية لهواة المسرح) و"مهرجان مستغانم"، من أهم الأحداث الثقافية والمسرحية بالدورة الخمسين ومن أهم انجازاتها، حيث يعد بداية جديدة لتوثيق العلاقات المسرحية بين الدول العربية الشقيقة، وقد قام بتوقيع هذا الميثاق كل من: د.عمرو دوارة مؤسس ومدير المهرجان والفنان عصام عبد الله (ممثلين عن الجانب المصري) مع محمد نواري محافظ المهرجان (ممثلا عن الجانب الجزائري)، وبهذه المناسبة تم عقد ندوة فكرية لمناقشة أهم تجارب مسارح الهواة بمصر، وبالتحديد لاستعراض التجربة الرائدة "للجمعية المصرية لهواة المسرح" التي تأسست عام 1982، ونجحت في تنظيم ثلاثين مهرجانا من بينها خمسة عشر مهرجانا متنوعا وخمسة عشر مهرجانا للمسرح العربي منذ الألفية الجديدة.