لقد نجى الله إبراهيم عليه السلام من نار عظيمة أُلقى فيها، فكانت برداً وسلاماً عليه بإذن الله.
ونجى الله يوسف عليه السلام من البئر ومن مكائد أخوته، ثم أصبح عزيز مصر وأتوا إليه يتسولون طعامهم !
ونجى الله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل وتآمر المشركين عليه ليلة هجرته، وأيده الله بنصره ورفع ذكره في العالمين .
ونجى الله مصر عبر التاريخ من مكائد محققة كفيلة بتدمير الأمم كلها،،،
هذه الحقائق في القصص القرآني والتاريخي تؤكد الفرق بين " القوة"، و " القدرة".
أعداؤنا دائما يخيفوننا بقوتهم وأموالهم وأسلحتهم !!، فأمرنا الله أن نتحداهم بقدرتنا على النصر، بالأخذ بالأسباب والاستعانة بقدرة الله المطلقة.
ليس شرطاً أن تكون الأقوى حتى تنتصر !!، المهم أن تكون الأقدر على تحقيق النصر، وأن تكون مع الله حتى يكون الله معك،،،
هذه المعاني تلخص ما جاء في القرآن الكريم حول صراع الحق مع الباطل !
فكثيراً ما ظهر الحق أقل قوة من الباطل، ولكن كان أكثر قدرة على الانتصار،،،
قال تعالى في قصة طالوت وجالوت : {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249]
والانتصار له شروطه :
من أبرز تلك الشروط أن ينتقل الإنسان من الاهتمام بنفسه فقط ! والولاء لذاته؟ إلى الولاء والاهتمام بوطنه ومجتمعه،،،،
ولهذا لا بد من الاختبارات الإلهية للفرد والمجتمع حتى تقوى القدرات على الانتصار،،،
لماذا قدر الله تعالى على المسلمين الأوائل ورسول الله بينهم هذه الشدائد وهم يبنون مجتمعهم ؟ ..
لماذا قدر الله على الصحابة رضوان الله عليهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيشوا مشهد الأحزاب ؟،
الذي صَوَّره القرآن الكريم يقول الله تعالى : (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا )[الأحزاب/10، 11].
لقد حَاصَر أجلافُ العرب المسلمين في معركة الأحزاب حتى خَشِيّ الناسُ أن يذهبوا لقضاء حاجتهم ويتركوا وطنهم وأعراضهم وأموالهم دون حماية !!
والإجابةُ على هذا السؤال تأتي ضمن ما ذكرهُ القرآن الكريم في كثيرٍ من الآيات مظهراً مقصودَ هذه المواقف التي نتعرض فيها للشدائد أحياناً !!
قال تعالى : (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ... ) [الأنفال/37].
وقال تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )[البقرة/214] .
إن شعور الإنسان بالتألم لقرحٍ يصيبه في جسده أو في أولاده (هذا طبيعي) وقد يشغله عن قضايا أمته، الهم في السعي على الرزق، أو في مشاكله الخاصة .
فلا بد من هذه الابتلاءات حتى يتحول الإنسان من حالة الشعور بألمه الخاص بنفسه وأولاده إلى الشعور بآلام أمته وقضاياها وتحدياتها، وعندئذ يشعر أن مشكلاته الخاصة هينة وبسيطة وقضاؤها يسير .
وكأن حسه ينتقل من جسده إلى حدود وطنه !!
فيفرح ويحزن ويضحي لأجله حتى يأتي النصر في كل المستويات العسكرية والاجتماعية والسياسية .
هذا الشعور عاشه الصحابة وهم حول نبيهم، يحفرون الخندق والحجارة على بطونهم جوعي، يتحدون الأحزاب بالعلم والعمل والتدبير والتخطيط، ( حتى تغلب قدرة المسلمين وإيمانهم لربهم قوة أعدائهم).
وعندما جاء سيدنا جابر بن عبد الله إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) بقليل من الطعام ليطعمه دون بقية الناس ! نادي رسول الله على أهل الخندق جميعاً وعددهم ثلاثة آلاف وأكل الجميع وشبعوا بالقليل !! يقسم جابر أن ثلاثة آلاف أكلوا وشبعوا ولا زالت القسعة تغط بالطعام !!
وهذا يعكس أيضاً أن التعاون والوحدة حول الهدف العام من أهم شروط انتصار القدرة على القوة !
وعندما اعترضتهم صخرة عظيمة وعجزوا عنها، شكوا إلى رسول الله الذي ضربها بالمعول ثلاثاً وهو يقول : الله أكبر كنوز كسرى، الله أكبر كنوز قيصر، ( يبشر الناس بالنصر وهم يُزلزلون زلزالاً شديدا).
وهذا يعكس الإيمان الراسخ وقت الشدائد كونه من أهم شروط النصر على العدو رغم تفوقه في القوة !
وبالطبع انفك عن المسلمين أناس كثر، بمنطق وفلسفة أهل التبشير بالخراب في عصرنا ( الواقع اسود والمستقبل أسود) !!.
قال تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مسؤولا (15):الأحزاب.
ومن مقاصد هذه الابتلاءات بالطبع أن ينفك هذا الأنموذج عن القافلة لأنهم كما ذكر القرآن ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا). (خبالاً يعني شرّا وفسادا، أو عجزا وجبنا).
إن أخطر صور الضعف في الوطن، أن يتوغل الفساد فيسطو على المقدرات، ويهمش أصحاب القدرات والكفاءة لدرجة انشغال المخلصين بلقمة العيش والتراجع عن الولاء الوطني إلى الولاء للذات!
والله الموفق والمستعان