لا شيء أقدس من العلم، الذي ينقذ حياة الإنسان، وهو عبادة لا يعرفها إلا من يخشى الرحمن، ويقف متعبدا في محراب العلم، أسطر تلك الكلمات في محبة أهل العلم ودورهم، يسبحون الله بعلمهم وعملهم، علّنا نعلم أبناءنا أن العلم السبيل، علنا نستقيم ونستلهم الطريق.
يقول أمير القلوب د. مجدي يعقوب «الأوسمة لا تعطي شيئا للعلم أو الإنسان ولكن الذي يمنح السعادة الداخلية الوصول لـ اكتشاف جديد يؤثر في البشرية بـ أكملها ويسعد الملايين».
توقفت كثيرا أمام تلك العبارة العميقة، حينما طالعت خبر فوز الباحثة المصرية داليا شتا المعيدة بقسم الميكروبولوجيا والمناعة بصيدلة المنصورة، بجائزة أمريكية لأفضل مشروع بحثي ضمن 5000 مشروع عالمي، حيث تواصل العمل على بحث علمي يهدف إلى علاج لعدوى تصيب مرضى السرطان، تلك الشابة المصرية مرت بتجربة مؤلمة مع وفاة والدتها الصيدلانية بمرض السرطان اللعين، وتحولت آلام الفقد والحزن إلى دافع للبحث العلمي في مواجهة المرض اللعين.
تعمل «شتا» على دواء يحقق وقاية لمرضي السرطان من انتقال العدوي الفطرية إليهم، لم يكن الطريق أمام «شتا» ممهد بالورود، لكنه كان مملوء بالتحديات، فقد استغرقت عام ونصف في البحث عن منحة في احدي الجامعات الأوربية، الأمر الذي يتطلب موافقة مشرفيين أجانب، و عقب مراسلة العديد من المشرفيين و عقب موافقة دكتور ألماني تم تأجيل المنحة و رفض الإشراف، ولكنها لم تتوقف عن مواصلة مراسلة الجامعات، و بعد قبولها بدأت في التحضير لرسالة الماجستير من البداية، و كانت قد امضت عامين من الدراسة فيها من جديد، و تمكنت من الحصول علي الدرجة العلمية في 6 شهور.
الإنجاز العلمي لـ«شتا» بمثابة خروج الحياة من رحم الموت، بعد بضعة أيام سوف تقف الباحثة المصرية في محفل علمي من أكبر محافل التكريم لتحمل جائزتها، لكن من وجهة نظري أنها منحت للإنسانية جائزة تخفيف المعاناة لمحاربي السرطان، ومنحتنا نموذج مشرف خرج من جامعة المنصورة التي قدمت نموذجا راقيا للباحث المتفرد.
«شتا» إحدى لبنات القوة الناعمة المصرية التي تصنع التأثير الحقيقي والفارق والتقدم، هي النموذج الذي يجب أن نقدمه لأبناء الوطن، ونفخر به، هي من يجب أن تتزين به عناوين الصحف، والقصص الرئيسية على منصات الأخبار، يجب أن يشعر الشباب بأهمية الإنجاز العلمي وتقدير المجتمع للباحثين.
أن الفخر بالتاريخ يذكر الأمم بالمنجز الحضاري، لكن حجم النشر العلمي هو ما يصنف الأمم علي سلم الحضارة الإنسانية في تلك اللحظة الآنية، علينا أن ندرك أن القوة الشابة التي تتمتع بها الثروة البشرية في مصر كبيرة، و يجب إدارتها بشكل يستنهض فيها المبدعين و الموهوبين و الباحثين، و الأمر يبدأ من المجتمع و وسائل الإعلام، التي تملك القدرة علي توجيه الرأي العام و صناعة الصورة الذهنية التي تنتقل للشباب بكل سهولة عبر شاشات الهواتف الذكية، لا يمكن لمجتمع يطمح للبناء تظل بعض وسائل الإعلام فيه تلهث خلف جنازات المشاهير، بحثا عن لقطة.
بالرغم من حجم «التفاهات» التي تشكل جزءا كبيرا من محتوي بعض المنصات، إلا أن هناك شبابا لا يزال يدرك قيمة العلم وأهميته في بناء الإنسان.
إن تجربة الباحثة داليا شتا، تجربة ملهمة، انتظر يوما يخرج وزير التربية والتعليم المصري فيه ليزف إلينا خبر عن تدريس قصص تلك النماذج الملهمة التي تساهم في بناء الحضارة الإنسانية كونها النموذج الحقيقي الذي نرغب أن يكون عليه الشباب المصري.
شكرا لكل من يعشق العلم ويدعمه، و يدعم باحثيه، و كل من يواجه تغيب العقل، و يسلط الضوء علي تلك القوة الناعمة التي تمنحنا جميعا قبلة البقاء علي قيد الحياة، أن مصر في حاجة للعقول المبدعة، فهم الطريق الحقيقي للرقي و التقدم في عصر العلم، شكرا لمن صنعت من آلام الفقد و الحزن مصباح ينير الطريق للعلم و يضع لبنه جديدة في المعركة مع المرض اللعين، شكرا الباحثة المبدعة المصرية داليا شتا.