أُشفق على الجميلات من أقدارهن.. فهناك ضريبة تدفعها كل جميلة، وكلما كانت أجمل وأجمل كلما ارتفعت القيمة المضافة فصارت الضرائب باهظة.. باهظة لدرجة تثقل كاهل الجميلة، البعض -وأنا منهم- يرى أن الجميلات هن التعيسات، لكن بعض الأحيان القليلة يصنع الجمال قدرا جميلا ليس لصاحبته فقط، لكن لنا كمشاهدين، وقد كان قدرنا رقيقا رفيقا حين قررت مجلة الجيل عام 1956 أن تنظم مسابقة أجمل فتاة في الشرق لتشارك فيها قارئات المجلة، وتكون من بين قارئات المجلة زبيدة ثروت التي ترسل صورتها وهي آنذاك بنت الستة عشر ربيعا، فتختارها لجنة تحكيم المجلة التي كان بين أعضائها الفنان التشكيلي والرسام الشهير حسين بيكار والنحات المعروف جمال السجيني، لا تتوقف المسابقة عند هذا الحد، تعرض صور الفتيات العشر الفائزات على قراء المجلة للتصويت فتحصل زبيدة ثروت على 2788 صوتا بفارق 2500 صوت عن أقرب منافسيها، وتحصل على جائزة قيمتها 50 جنيها، ثم تشاء الأقدار أن تعقد مجلة الكواكب في نفس العام مسابقة لاختيار أجمل 10 وجوه للسينما فتفوز بها أيضا زبيدة ثروت، فيتم ترشيحها لفيلم دليلة لتقف زبيدة أمام شادية وعبد الحليم حافظ لأول مرة وترتبك وتبكي حين يشخط فيها المخرج، فتهدي شادية من روعها وتجفف وجنتيها من الدموع وهي تقول لها: هم الحلوين بيعيطوا كده.
لم يكتف عبد الحليم حافظ بأن يكون أول بطل تشارك في فيلم من أفلامه بل منحها دور البطولة أمامه في فيلم يوم من عمري وكان عمرها وقتئذ 20 عاما الذي أعطاها النجومية الكبيرة والتألق، ولم يكتف العندليب الأسمر بمنحها دور البطولة بل منحها قلبه أيضا، لكن الظروف حالت دون أن تكتمل قصة حبهما بالزواج، وإن كان كلا منهما أوصى بشيء يخص الآخر فقد طالبت زبيدة حين تموت أن تدفن بجوار حليم، وأوصى حليم بوضع صورة زبيدة في قبره، وكانت دائما تقول كيف لا أحب من غنى لي بأمر الحب.
لم يكن حليم فقط هو من أحبها، فقد أحبها كثيرين منهم اللاعب الأسطورة بيليه، الذي قابلها في الكويت فوقع في غرامها وطلبها للزواج، لكنها رفضت.
زبيدة ذات الأصول الشركسية والتي كان ميلادها في الاسكندرية، وكان جدها أشهر محامي في الإسكندرية فأراد لحفيدته أن تكون محامية ايضا فألحقها بكلية الحقوق، وعملت بالفعل محامية تحت التمرين لكن نداهة الفن التي تغلب أي مهنة أخرى والتي لا تحب الشريك جعلتها تخلص لفنها وتألقت في أدوار يوم من عمري وفي بيتنا رجل وزوجة غيورة جدا وحادثة شرف وزمان يا حب، وكان آخر ما قدمته المسرحية الكوميدية عائلة سعيدة جدا في منتصف الثمانينات، ولعل الملمح الكوميدي في أداء زبيدة ثروت ظهر بجلاء في أحد مشاهد فيلم في بيتنا رجل حين كان يتوجب عليها طرد الشغالة الصغيرة سنية حتى لا تكتشف وجود إبراهيم حمدي (عمر الشريف) الشاب المناضل ضد الإنجليز في بيت عائلة حسين رياض، فما كان من ابنته التي لعبت دورها باقتدار زبيدة ثروت إلا اختلاق مشكلة لطرد الشغالة مؤقتا حتى يترك إبراهيم البيت فكان هذا الحوار الذي لا يخفي خفة ظل لم يحجبها جمالها الآخاذ
- بت يا سنية انتِ طرشة والا ايه مش سامعاني ؟
= لا يا ستى سامعاكي !
- وكمان بتردي علية بقلة أدب بعد العملة المهببة اللي زي وشك
= ليه يا ستي كفا الله الشر انا عملت حاجة ؟
- انتِ انتِ كنتي بتغني مش كدة ؟ وكمان صوتك وِحِش متعرفيش اللي يغني في رمضان بصوت وِحش حرام
= والنبي ما اعرف يا ستي خلاص انكتمت
- تفتكري عشان انكتمتي هسامحك وكمان لسة مغسلتيش الصحون ؟
= أديني هغسلمهم يا ستي !
- ومين ده اللي هيسيبك تغسليهم . وناسية كمان أول أول امبارح كسرتي أبريق الشاي ازاي تغني وانتِ كاسرة إبريق الشاي اول اول امبارح يلا هتروحي يلا
وفي هذه الأيام من عام 2016 غابت ضحكتها للأبد زانطفا بريق عينيها لترحل بسبب السرطان الذي نهش جمالها وروحها لكن بالتأكيد احتفظ لنا أرشيفها السيتمائي بكل هذا الجمال الذي لا يفنى.