جاء إعلان وزارة المالية في أوائل عام 2022، بإعفاء الأدوية والمواد الفاعلة في الإنتاج والدم ومشتقاته واللقاحات من الضرائب؛ جاء مبشراً للعاملين بالحقل الدوائي المصري ، تبعه قرار بتعليق أداء الضريبة على الآلات والمُعدات المستوردة لاستخدامها في الصناعة لمدة عام من تاريخ الإفراج، وإسقاطها فور بدء الإنتاج؛ مما زاد التفاؤل والأمل في محيط العاملين في صناعة الدواء.
إلا أنه مع مرور الوقت لم يكن لتلك القرارات مردودًا إيجابيًا على المواطن المصري؛ الذي يدور داخل مُعضلة النواقص واختفاء الأدوية، وأصبح تفسير الصيدلي للمريض هو قرب طرح الدواء غير المتوفر بعد إعادة تسعيره بزيادة قد تصل لـ50٪ من ثمنه الأصلي!.
تم تحريك سعر أكثر من ثلاثة آلاف صنف، بعضها زاد مرتين خلال عام واحد، بل حمل هذا العام مفاجأة كون كل صنف صدر له قرار زيادة خاص به!؛ فتسابقت الشركات كلها وليست أغلبها، لتقديم طلبات لزيادة المنتجات للهيئة العليا للدواء، تتضمن فواتير استيراد المواد الخام وتكاليف الإنتاج وكل الأسباب التي يريدون من أجلها رفع سعر الدواء، فتفشى مرض "الزيادات الأحادية" للشركات.
وتفاوتت درجة معاناة المواطن بتفاوت الوضع الاجتماعي والمادي لكل فرد، وكانت أسوأ معاناة؛ تلك التي تكبدتها الطبقة المُهمشة المحرومة من قطاع التأمين الصحي ومظلته، مثل الصيادين والفلاحين والعمالة غير المنتظمة؛ زاد من حجم المأساة اختفاء بعض الأصناف من الأدوية التي تقل عن عشرين جنيه، مما جعل تلك الفئات تلجأ إلى مثائل وبدائل بسعر مرتفع لا يناسب دخلهم ويجعل أمر الصحة بالنسبة لهم رفاهية.
ويأتي السؤال أين القطاع العام في صناعة الدواء، ذلك الذي كان قوة ضاربة لتوفير النواقص والمثائل والبدائل بأسعار في المتناول؟، وهل مات هذا القطاع وكيف ننجز محاولة إحياءه؟.
والإجابة تحوي حقائق ربما تكون صادمة، أولها؛ تقلص حجم هذا القطاع، بحيث أصبح يمثل نسبة 6٪ فقط من توفير احتياجات السوق الدوائي، هذا على الرغم من كون شركات قطاع الأعمال هي رمانة ميزان التسعير للمريض المصري، لأن أسعار منتجاتها أقل من الشركات الوطنية بالقطاع الخاص أو الشركات المتعددة الجنسيات.
وبالبحث في أسباب تداعيات هذا القطاع، نجد أنه ضُرب في مقتل خاصة مع أزمة كورونا؛ حيث كان وضع شركات الأدوية بقطاع الأعمال حرجاً مع زيادة المواد الخام والضغط على منتجاتها، والتي كان أغلب بروتوكول كوفيد العلاجي من أصنافها؛ حيث تأثر قطاع الدواء بزيادات أسعار ضخمة نتيجة زيادة سعر الشحن.
وهنا لا بد من وقفة لإنقاذ هذا القطاع، ولا بد من محاور هامة لكي يستعيد اتزانه؛ أهمها تسهيل الحصول على المواد الخام؛ حيث يُعد نقص المواد الخام إحدى النقاط المهمة التي عانى منها اللاعبون في القطاع، لا سيما وسط مشكلات سلسلة التوريد التي تبطئ حركة السلع على مستوى العالم.
لذا وجب أن تتجه الحكومة إلى إصلاح شركات القطاع العام لتكون مجهزة بشكل أفضل لتصنيع المواد الخام، وإتاحتها لشركات القطاع الخاص، والتي ستكون مشاركة في هيكل واحد مع القطاع العام.
ثاني الخطوات؛ هو تخفيض الرسوم والضرائب؛ حيث تصل تكلفة ترخيص بعض مستحضرات التجميل الجديدة إلى مائة ألف جنيه، وقد يصل إلى مليون جنيه للدواء الجديد؛ هذه التكاليف مرتفعة للغاية بالنسبة للعديد من شركات الأدوية، مما يستوجب إعادة النظر في هذه الرسوم من أجل جذب المزيد من الاستثمارات.
ونأتي للمحور الأهم وهو تبسيط الإجراءات؛ كنقطة أخرى مهمة لتمهيد الطريق أمام المزيد من الاستثمارات ذكرها العديد من الفاعلين في القطاع، هي جعل الإجراءات أبسط بعيداً عن خطوات البيروقراطية والروتين؛ واختزال خطوات التسجيل من أجل تسريع عملية ترخيص الأدوية الجديدة.
المجتمع المدني ضد زيادة أسعار الدواء، ولكن في نفس الوقت لو تكلفة الإنتاج تسبب خسارة للشركة (قطاع عام) مقارنة بسعر تلك الأصناف التي سيعاد تسعيرها وعودتها للتداول من جديد، فنحن نرحب بهذا، بدلًا من إيقاف خط إنتاج تلك الأصناف، ولا يوجد أي قوة ستجبر أي شركة حتى لو قطاع أعمال عام لكي تعود لإنتاج أصناف لا تحقق أسعار بيعها أي ربح أو توازي حجم الإنفاق على تصنيعها؛ وهو ما ينقذ قطاع الأعمال في صناعة الدواء، وهو ما يستلزم تكاتف الجميع من أجل توفيره، فربما يكون الدواء الذي ينقذ حياة مريض ويخفف آلامه أهم من الأرز!. وما أدراك ما أزمة نقص الأرز!.