السبت 6 يوليو 2024

أمينة السعيد الصحفية الثائرة

14-8-2017 | 14:07

كتبت : إيمان العمرى - هدى اسماعيل

آمنت بذاتها، وعرفت أن الحياة لا يمكن أن تمنحها حرية لا تريدها، ولا تعطيها حقوقا دون أن تكافح للحصول عليها، فالحرية ليست عطية أو منة لكنها طريق تمرد يجب أن تسلكه، وإن لم تنلها فيكفى شرف المحاولة، هكذا كانت الكاتبة والصحفية أمينة السعيد تخوض معركتها مع الحياة للدفاع عن قضايا المرأة وسط مجتمع يسلبها حقها بدعوى التقاليد وعدم الخروج عليها، لم تدعُ للخروج على القيم الأخلاقية بل للثورة من أجل الحصول على حقوقها.. فى رحلة نستعرضها فى الأسطر التالية.

لم تكن أمينة السعيد فتاة عادية منذ طفولتها وولادتها بمحافظة أسيوط عام 1914 ، كانت تعرف قيمة ذاتها وتدرك أنها تستحق مكانة مميزة، لذا دخلت فى مواجهة مؤلمة مع أول تفرقة بين الرجال والنساء، وبرز هذا جليا فى تقدمها للالتحاق بكلية التجارة ليتم رفض قبول أوراقها لكونها فتاة، فشكل هذا الموقف منعطفا كبيرا يصدمها بحقيقة الواقع لينقذها من تلك الصدمة نصيحة والدها د. أحمد السعيد الذى آمن بها فأرشدها للالتحاق بكلية الآداب، وفى ذلك الوقت لفتت أمينة السعيد نظر المناضلة هدى شعراوى التى وجدت فيها شخصية قوية ومستميتة فى الدفاع عن المرأة، لذا اهتمت بها ورعتها، وقدمت لها يد العون لدخول الجامعة المصرية.

بدايتها مع الصحافة

التحقت أمينه السعيد بجامعة فؤاد الأول بكلية الاداب التى قبلت اول دفعه من الفتيات بها ، وهى تحمل اوراق التمرد على قيم المجتمع الباليه التى تجهض حق النراه فى التعليم والعمل ، وخلال دراستها بقسم اللغه الانجليزية عملت بمجلات الامل وكوكب الشرق واخر ساعة حتى تخرجت عام 1935 ، ولم تتردد لحظة واحده فى العمل بالصحافة ، كانت بدايتها بدار الهلال كأول صحفية فى مصر تعمل بأجر ، فمن سبقنها فى هذا المجال كن يملكن الصحف أما هى فاول معنيه محترفة فى بلاط صاحبة الجلالة التى وجدتها ميدانا لانطلاق نشاطها ، ورغم أنها تعثرت قليلا فى البداية الا انها اثبتت بمثابرتها واجتهادها انها جديرة بأن تكون فارسة للقلم ، لذا عندما بدأ أميل وشكرى زيدان عام 1954 تحت اسم " حواء الجديدة " ثم سرعان ما تم حذف الجديدة وحققت من خلالها نجاحاً باهراً لتصبح المطبوعه النسائية الاولى فى الوطن العربى .

تعددت المناصب التى حصلت عليها فى الصحافة المصرية فقد تولت منصب رئيسة التحرير لمجلة المصور بعد فكرى أباظة مناصفة مع صبرى ابو المجد ، كما تم تعيينها رئيسة مجلس ادارة مؤسسة دار الهلال لتصبح اول سيدة مصرية تجلس على كرسى رئيس مجلس إدارة ، كما كانت اول امراة تحصل على منصب وكيل نقابة الصحفيين بالاضافة الى عضويتها فى مجلس النقابة وبعد احالتها الى المعاش اصبحت مستشارة لدار الهلال ، وعضوا بالمجالس القومية المتخصصة ، ومجلس الشورى .

معارك وقضايا

خلال عملها بالصحافة خاضت العديد من المعارك الفكرية والوطنية ، كما اهتمت بمناقشة اغلب القاضيا التى كانت مثارة على مدار اكثر من 60 عاماً قضتخها فى بلاط صاحبة الجلالة فمنذ ان التحقت بكلية الاداب وهى تخوض معارك ضد كل اباطرة الجهل والظلام ، ففى احدى المرات عقدت الجامعة ندوة لمناقشة مسرحية " مجنون ليلى " شاركت امينة فيها لترتفع الاصوات المهاجمة لها رافعه شعار اين الحياء لأن الفتاة تناقش " مجنون ليلى " كما تعرضت لهجوم وشائعات اخرى عندما لعبت التنس فى ملعب الجامعة .

كل هذا زاد من اصرارها وجعلها تضع قضية حرية المراة وحقوقها على رأس قائمة اولوياتها وظهر ذلك واضحا فى كتابتها حيث دافعت عن حق المراة فى الحفاظ على كرامتها وحقها فى التعليم والتثقيف والمساواة بين الجنسين ، أما دفاعها عن الحرية فكان من خلال المفهوم الصحيح لها مع البقاء على تقاليد العفة ومحاربة الانفلات الأخلاقى .

عارضت امينة السعيد الكثير من الممارسات التى كانت تنتهك حرية المرأة مثل ختان الإناث فكانت من أوائل المناهضين لهذه الجريمة، وقادت مظاهرة لإلغاء تنفيذ بيت الطاعة عن طريق الشرطة، كما احتلت قضية الزواج مكانة فى كتاباتها فحذرت من الغش فيه، وطالبت بضرورة وضع نموذج جديد لعقود الزواج، كما عارضت تعدد الزوجات وطالبت بضرورة وضع معايير لضبط الطلاق دون الانحياز للمرأة.

لم تتعامل مع المرأة كضحية أو فئة مقهورة فى المجتمع بل كانت ترى أنها عنصر مؤثر فى كل مجالات التنمية، فركزت على دورها السياسى والاقتصادى وخاصة فى مجال محاربة الأسعار، كما دعت لأهمية زيادة وعى المرأة السياسى لتقوم بدورها على أكمل وجه، إلى جانب مواجهتها كل التيارات الرجعية التى تدعو لتراجع دور المرأة من خلال تحليل الظروف والعوامل التى أدت إلى ظهور مثل هذه الاتجاهات، فكان باب اسألونى فى مجلة «المصور » وذكريات بريد القراء فى «أخبار اليوم » منبرين للعديد من القضايا الإنسانية التى دافعت عنها، كما اهتمت بالطلاب الفقراء وساعدتهم لمواصلة رحلة كفاحهم وقدمت لهم الدعم المعنوى والمالى أيضا.

لم تكن معاركها فى المجال الاجتماعى فقط لكنها شاركت وبقوة فى الحقل السياسى حيث كانت الأحوال السياسية التى تمر بها البلاد خاصة فى معاركها ضد القوى الاستعمارية زادا لها فى الكتابة والعمل السياسي، فأثناء العدوان الثلاثى سخرت قلمها لخدمة القضية، كما رافقت وزير التعليم إلى الولايات المتحدة الأمريكية لشرح أبعاد القضية، وتناولت فى كتابتها قضايا الصراع والتمزق العربي، وبعد زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس وموقف الدول العربية المعادى اهتمت بالقضية ورأت انه سوف يثبت فى النهاية ان مصر الحضارة والعمل والجهاد والوطنية ..

كان لها دور كبير فى الدعوة لتجديد الخطاب الدينى ومواجهة الارهاب وهذا عرضها لهجوم كبير عبر فترات زمنية متتالية ، حيث خاضت اثر ذلك معاك كبيرة مثل معركتها ضد الحجاب والارهاب ما دفع المتطرفين لتهديدها بالقتل وخطف ابنائها الا انها لم تتراجع عن مواقفها الشجاعة طوال حياتها وواصلت نضالها ضد تخلف المجتمع حتى رحلت عن عالمنا فى 13 اغسطس 1995 .

الأدب

لم يقتصر قلم أمينة السعيد على الكتابات الصحفية فقط بل كان لها العديد من الاسهامات فى مجال الادب بالتأليف أو الترجمة ومن أهم أعمالها : اخر الطريق ، شلة الحموات ، الجامحة ، الهدف الكبير ، موعد مع الشدائد ، وجوه فى الظلام ، حواء ذات الوجوه الثلاثة ، الظفل الذى فقد نفسه ، وغيرها من الأعمال العظيمة التى حفرت اسمها فى عالم الفكر والأدب .

حياتها الخاصة

كانت امينة السعيد زوجة وام متميزة داخل منزلها فرحلتها مع زوجها د.عبدالله زين العابدين لم تبدأ عند الزواج بل مع بداية الحب فى مرحلة الطفولة حين راودتها فكرة الزواج وهى طفله مازالت تلعب مع ابن الجيران ثم احبته فى مرحلة الاعدادية والثانوية ، وخطبت له فى الجامعه ليصبح كما كانت تقوا دائماً " الرجل الوحيد فى حياتها " والذى وقف معها وعلمها كيف تكون الثقافة والكتابة حيث اقتسمت معه راتبها عندما كان 3 جنيهات رغم عدم حاجته له بقدر ما كانت تشعر بحبها لمشاركته كل شئ ، هذا الحبيب والأستاذ هو علم الاراضى المرصية الذى توقفت " أمينة السعيد " من اجله عن الكتابة لمده 3 سنوات حزنا على فراقه رغم كل هذا المجد الذى كانت تجنيه اثناء هذه الفترة ، فقد عاشت معه فى مساواه حقيقه وبهدوء فلم يكن يعرب ابدا حده النقاش والخلافات بل كان يمتلك من الهدوء ما جعله يمتص غضب امراه قررت الدفاع عن المرأة وقادت المظاهرات .