الجمعة 19 ابريل 2024

بركاتك يا عزمي بيه

مقالات28-12-2022 | 22:45

حدثت معي تلك القصة المثيرة منذ أكثر من عقدين من الزمان فبعد أن أنجبت طفلتي الثانية قررت أن أذهب لتقديم طلب للحصول على إجازة بدون مرتب لرعاية الطفلة، ذهبت بأفكاري يمينًا ويسارًا بنيت أفكارًا، وتوقعت سيناريوهاتًا، ثم قمت بهدمها، فأنا أكره حروف تلك الكلمة اللعينة  "الروتين"  أبغض مريديه ومحبيه من الموظفين الجالسين خلف مكاتبهم وهم على أتم الاستعداد للتحكم في المواطنين الراغبين في الخلاص والفرار من تحت مقاصلهم التي تتمثل في العديد من الإمضاءات والتوقيعات والأختام، وفي نهاية رحلتي التفكيرية العميقة آثرت الاستسلام وتمتمت ببعض آيات القرآن رغبةً في تيسير الحال، وتوكلًا كاملًا على رب العباد.

مضت ساعات الليل وأصبحنا وأصبح الملك لله، وبعد أن انتهيت من صلاة الصبح وارتداء ملابسي ولم أتناول إفطاري، فهذه إحدى عاداتي السيئة التي تصاحب مواقفي التي تعكس قلقي من شيء ما سأؤديه وأنا في مزاج غير مريح، تثاقلت أقدامي وكأنها أصبحت صخرتان من فولاذ تحركاني بصعوبة، اتجهت لمحطة الأتوبيس وأنا ما زلت أردد أذكار الصباح بشكل متواصل، وكأنني سأذهب إلى المحكمة لأقف في قفص الاتهام منتظرة لحظة النطق بالحكم، فكما تعلمون أن هؤلاء الموظفين يتقنون فنون التجاهل ويودون لو أنهم يستطيعون التخلص من كل شخص يفكر أن يذهب إليهم طالبًا خدمة منحتها له الدولة وهى لا تعلم ما الذي سيقابله هذا المواطن من عقبات وتحديات جسام من أجل الحصول على حقه البسيط ، وبعد أن وصلت للمكان الذي أراه بعيني المحاربين سدًا منيعًا ومعركة ضارية لا أعرف لها نهاية، دعوت الله بأن يسخر لي من يجعل مهمتي التي أراها عسيرة تبدو أمامه يسيرة، وتكون كل الأوراق مستوفاه حتى لا أضطر للعودة مرة ثانية.

جلست بجوار الموجودين في المكان سابحةً بخيالي وأنا أضمم ملف الأوراق إلى صدري وكأنني قد استبدلته بطفلتي التي اضطررت لتركها في أقرب دار حضانة لأنجز مهمتي، وهنا مر شخص أمام الحضور، ثم أشار إلي وصاح مهللًا: "أهلًا وسهلًا بحضرتك أستاذة وفاء اتفضلي معايا وشرفيني في مكتبي، فنظرت إليه وأنا أتعجب كل العجب من أمره ثم تشاورت مع نفسي وقلت: "وماله لما أقوم وأشوف تفاصيل الحكاية دي بنفسي"، وبالفعل ذهبت إلى مكتبه وقبل أن أجلس أخذ ملف الأوراق من بين يدي.

وقال: "على بال حضرتك ما تشربي قهوتك هيكون كل شيء تم على خير، الغريب أنني كلما حاولت أن أستوضح الأمر أجده يردد اسمي وكأنه يعرفني منذ سنين، فأجده يقاطعني، قائلًا: "ارتاحي هنا يا أستاذة وفاء وما تشغليش بالك، فأجد نفسي في حاجة للمراجعة على ألبوم الصور المسجى على أحد أرفف مكتبتي لأختبر قوة ذاكرتي، وأوجه لنفسي السؤالً تلو الآخر: "يا ترى من هذا الرجل الذي يعرفني جيدَا وأنا لا أذكره بالمرة ؟".

وبعض دقائق معدودة يدخل الرجل مكتبه وقد ظهرت عليه علامات الإجهاد فقد تداول تلك الأوراق في متاهة المكان الذي يعلم خفاياه بالطبع أكثر مني، وجدت نفسي أقوم لأشكره بشدة دون أن أسأله عن شيء وأول هذه الأشياء حتى لا أعرض نفسي للحرج أمام رجل واضح أنه يعرفني تمام المعرفة، سلمني الأوراق وشكرته من أعماق أعماقي على دوره العظيم الذي قام به من أجلي، فإذا به يصافحني قائلًا: "الموضوع مش محتاج شكر ولا حاجة المهم أنا تحت أمرك وتحت أمر الأستاذ "عزمي" سمعت الاسم الذي قام بفك رموز المعادلة ، إن هذا الاسم ليس لزوجي! فكلمة السر، وحل اللغز قد أتيا إلي بالإجابة مرة أخرى حين صحبني من مكتبه ليودعني قائلًا: "من فضلك ما تنسيش تبلغي سلامي لعزمي بيه"، ظهر السبب وبطل العجب فأنا لم أعرف أساسًا من هو "عزمي بيه".