استهدفت الدراسة المهمة التي أجراها تلميذي د. علي حمودة جمعة أستاذ مساعد الصحافة ورئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة الأزهر فحص الآثار النفسية والاجتماعية للميتافيرس وعلاقتها بالترابط المجتمعي، ونواصل في هذا المقال استعراض نتائج هذه الدراسة المهمة.
اتضح من الدراسة أن الموضوعات المطروحة من خلال الميتافيرس "تزدهر" احتل الترتيب الأول بمتوسط حسابي بلغ 88.0، ثم جاء بالترتيب الثاني "لا تزدهر" بمتوسط حسابي بلغ 8.0، ثم تلى ذلك بالترتيب الثالث "تبقي كما هي دون تغيير" بمتوسط حسابي بلغ 4.0، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي أنه مع تطور عوالم ميتافيرس سيصبح كل نشاط إنساني في الواقع الحقيقي متاحًا بكل تفاصيله في العالم الافتراضي، الأمر الذي يعني أن الإنسان ربما يكون قادرًا على البقاء في العالم الافتراضي لفترات أطول، فهو إما مسترخٍ في منزله الافتراضي أو يمارس إحدى الألعاب أو الرياضات مع أصدقاء من مختلف أنحاء العالم، أو يعقد اجتماعات افتراضية أو يتسوق ما يحتاجه من متاجر على الجانب الآخر من هذا الكوكب الذي نعيش عليه.
وتبين من الدراسة أن المميزات والفوائد للميتافيرس في العالم الافتراضي مستقبلاً "إمكانية السفر حول العالم ورؤية أماكن جديدة" احتل الترتيب الأول بمتوسط حسابي بلغ 2.84، ثم جاء بالترتيب الثاني "ممارسة أنواع رياضات مختلفة أو مشاهدة مباريات عالمية" بمتوسط حسابي بلغ 2.52، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "الذهاب في نزهة مع الأصدقاء والتسوق من المنزل" بمتوسط حسابي بلغ 2.40، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي أن المنصات التي تعمل بخاصية الميتافيرس تشبه العالم الواقعي جدًا؛ حيث يمكن للأصدقاء التجمع والذهاب إلى اجتماعات أو رحلات ترفيهية سويًا داخل تلك المنصة التي تعمل بخاصية ميتافيرس.
وكذلك الكثير من النشاطات التي سيتمكن خلالها الأشخاص من فعلها دون التحرك من أماكنهم حتى عند اشتراك الأشخاص بخاصية الميتافيرس سيتم تشكيل صور رمزية لهم "أفاتار" ويمكنهم تحريكها من خلال الشاشات ويمكن التحدث أيضًا وسماع الأصوات من خلال المايكروفون، وهذا تطور كبير في التكنولوجيا والصناعة التقنية.
وتبقى الإعلانات على تطبيق الفيسبوك هي نفسها، ولكن شركة فيسبوك قامت بزيادة الإعلانات المتعلقة بالسلع الافتراضية، حيث قام زوكربيرج بتأكيد أن الإعلان من خلال الميتافيرس سوف يؤثر بشكل ملحوظ على استراتيجية ربح الفيسبوك.
وفحصت الدراسة الآثار النفسية لاستخدام الميتافيرس؛ حيث احتل الترتيب الأول "استخدام الميتافيرس كوسيلة للهروب من المشكلات الشخصية"، و"المعاناة من بعض الاضطرابات العاطفية والانفعالية" بمتوسط حسابي بلغ 2.40، ثم جاء بالترتيب الثاني "قلة النشاط والميل إلى الكسل" بمتوسط حسابي بلغ 2.32، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "تفاقم الشعور بالوحدة والعزلة النفسية والتباعد عن الناس" بمتوسط حسابي بلغ 2.30، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي شعور الخبراء بالقلق من إمكانية استخدام ميتافيرس "للهروب" من الواقع بطريقة مماثلة لتقنيات الإنترنت الحالية.
وأوضحت الدراسة أن الآثار الاجتماعية لاستخدام الميتافيرس تتمثل في "استخدام الميتافيرس كوسيلة للهروب من المشكلات الشخصية" الذي احتل الترتيب الأول ومعه "ضعف في العلاقات الاجتماعية وقلة مشاركة الآخرين" بمتوسط حسابي بلغ 2.48، ثم جاء بالترتيب الثاني "تصاعد حدة المشكلات الأسرية بسبب الاستغراق فى استخدام الميتافيرس" بمتوسط حسابي بلغ 2.44، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "عدم تحمل الأصوات والضوضاء " بمتوسط حسابي بلغ 2.36، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي أن ميتافيرس يضخم التأثيرات الاجتماعية لغرف الصدى عبر الإنترنت والمساحات الرقمية أو إساءة استخدام استراتيجيات المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي للتلاعب بالمستخدمين بمحتوى متحيز.
وقد تبين أن إدمان المستخدم وإشكالية استخدام الوسائط الاجتماعية هما مصدر قلق آخر؛ حيث أن اضطراب إدمان الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وإدمان ألعاب الفيديو يمكن أن يكون لها تداعيات عقلية وجسدية على مدى فترة طويلة من الزمن، مثل الاكتئاب والقلق ومختلف الأضرار الأخرى المرتبطة بنمط حياة يتسم بالخمول والكسل.
وانتهت الدراسة كذلك إلى أن آثار للعزلة الاجتماعية لاستخدام الميتافيرس احتل الترتيب الأول "أشعر أن زياراتي لأقاربي وأصدقئي بدأت تقل عما كانت عليه في السابق بسبب انشغالي عنهم بالميتافيرس" و"الوقت الذي أقضيه أكثر من الذي أقضيه في الحديث معهم وجها لوجه" بمتوسط حسابي بلغ 2.28، وتتفق هذه النتيجة مع نتائج إحدى الدراسات التي توصلت لوجود علاقة بين استخدام الإنترنت والعزلة الاجتماعية، ثم جاء بالترتيب الثاني "يؤدي الاستخدام المفرط للميتافيرس إلى الاغتراب والعزلة الاجتماعية" و"تشكو مني أسرتي بسبب طول الوقت الذي أقضيه مشغولًا عنهم باستخدام الميتافيرس" بمتوسط حسابي بلغ 2.20، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "يؤدي الاستخدام المفرط للميتافيرس إلى الكسل والخمول" بمتوسط حسابي بلغ 2.12، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي أن استخدام الميتافيرس بكثرة سواء في مجال الألعاب أو التواصل الاجتماعي يتسبب في تعميق العزلة الاجتماعية والانفصال عن الواقع، وتنسحب هذه السلبيات على مستوى الصحة النفسية والعقلية والجسدية، لأنه من المعروف أنه لكي يتم استخدام هذه التقنيات يجب ارتداء النظارات والقفازات.
وتبين من الدراسة أن آثار الترابط المجتمعي لاستخدام الميتافيرس احتل الترتيب الأول "أشعر بأن نشاطي ومساهماتي بالمناسبات الأسرية والعائلية والاجتماعية بدأت تتراجع" بمتوسط حسابي بلغ 2.28، ثم جاء بالترتيب الثاني "يؤدي الاستخدام المفرط للميتافيرس إلى خلخلة نظم القيم الاجتماعية نتيجة امتزاج الثقافات المتعددة" و"أرى أن الميتافيرس أصبح وسيلة تساعد على نشر الفساد" و"استخدامي للميتافيرس لفترات طويلة جعلني لا أقوم بالزيارات العائلية المهمة" بمتوسط حسابي بلغ 2.12، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "يؤدي الاستخدام المفرط للميتافيرس إلى تفكيك الروابط الأسرية والاجتماعية" بمتوسط حسابي بلغ 2.08، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية .
وذكرت الدراسة أن مظاهر الفصام للتعرض لمحتوي للميتافيرس احتلت الترتيب الأول "أفضل الأنشطة التى استطيع أن أقوم بها بمفردي" بمتوسط حسابي بلغ 2.08، ثم جاء بالترتيب الثاني "من الأفضل ألا يُظهر الإنسان عواطفه بشكل صريح" بمتوسط حسابي بلغ 1.96، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "أنا شخص غير عاطفى" و"العلاقات الحميمية بالناس هي أهم شئ فى الحياة "بمتوسط حسابي بلغ 1.92، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية.
وأوضحت الدراسة الآثار السلبية الجسمية والصحية لاستخدام الميتافيرس؛ حيث احتل الترتيب الأول "ألام الرقبة وإنحناء الظهر" بمتوسط حسابي بلغ 2.44، ثم جاء بالترتيب الثاني "التهاب العينين وضعف البصر وزغللة فى العين" "بمتوسط حسابي بلغ 2.36، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "الشعور بالصداع" و"ضعف القدرة على التركيز" بمتوسط حسابي بلغ 2.32، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي أنه يكون تغييرًا كبيرًا في نمط استهلاك التكنولوجيا خلال الفترة القادمة، مشيرةً إلى أنه قد يؤثر سلبًا على حياة البشر، من حيث تفاعلهم مع أقرانهم في مختلف الأمور الحياتية، استخدام العالم الافتراضي بشكل مفرط قد يتسبب في زيادة فجوة العزلة الاجتماعية، مما يقلل من فرص الترابط الاجتماعي بين العائلات والأصدقاء والزملاء في العمل.
كما اتضحت الأعراض التي تظهر بعد التعرض للميتافيرس؛ حيث احتل الترتيب الأول "أشعر بأنني غير متحمس لأى شئ" بمتوسط حسابي بلغ 2.44، ثم جاء بالترتيب الثاني "أشعر أني أتعصب كثيرا" بمتوسط حسابي بلغ 2.36، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "أشعر بصعوبة فى الاسترخاء" و"أجد صعوبة في المبادرة بالقيام بالأشياء" و"أشعر بالحزن والأرق" بمتوسط حسابي بلغ 2.32، ثم توالت باقي البدائل بمتوسطات متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي أن التعرض المستمر لمثيرات العالم الافتراضي قد يجعل الشخص يعاني من اضطرابات النوم، مثل الأرق، مما يؤثر سلبًا على سلامة الصحة العضوية والنفسية، وقد تزداد تباعًا فرص التعرض لبعض الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والاضطراب الاكتئابي المستمر واضطراب القلق، وتتفق هذه النتيجة مع نتائج دراساتٍ أخرى توصلت إلى وجود علاقة بين استخدام الانترنت والاكتئاب.
وتوصلت الدراسة إلى أن مستوى التعرض للموضوعات المطروحة بالميتافيرس، احتل الترتيب الأول "نعم" بنسبة بلغت 60.0%، ثم جاء بالترتيب الثاني "لا" " بنسبة بلغت 40.0%، ولعل ذلك يرجع إلي أنه قد تعمَّق الاهتمام بميتافيرس في الفترة القليلة الماضية، بعد أن أعلنت شركة مايكروسوفت عن خطط للاستحواذ على Activision Blizzard، وهى شركة لتطوير الألعاب، مقابل 70 مليار دولار تقريبًا؛ حيث صرحت الشركة أنها ستوفر “الدعامات الأساسية لميتافيرس.
وأظهرت الدراسة مساعدة الميتافيرس على ثراء الإنترنت حيث احتل "يعطي فرصة لزيادة نسبة التعلم التي يمكن ضخها من خلال الوسيلة" الترتيب الأول بنسبة بلغت 52.0، ثم جاء بالترتيب الثاني "يساعد في زيادة مستوي التعرض للإنترنت" بنسبة بلغت 44.0، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "الاستخدام لبعض الوسائط المتعددة" بنسبة بلغت 40.0، ثم توالت باقي البدائل بنسب متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي أن استخدام ميتافيرس في قطاع العقارات للقيام بجولات منزلية افتراضية ثلاثية الأبعاد بالكامل يمكّن مشتري المنازل من التجوال في المنازل الموجودة في أي مكان في العالم عبر ميتافيرس، هناك أيضًا سوق جديد للعقارات الافتراضية.
وقد أوضحت الدراسة أن المعوقات في الميتافيرس تمثلت في "قلة التواصل الاجتماعي بين الأشخاص في العالم الحقيقي" احتل الترتيب الأول بنسبة بلغت %36.0، ثم جاء بالترتيب الثاني "الميتافيرس سوف يُشكل تحدٍ كبير بالنسبة للدول النامية"، بنسبة بلغت %20.0، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "يشعر الأشخاص بصداع شديد ودوار خلال لبس نظارة العالم الافتراضي" بنسبة بلغت 16.0%، ثم توالت باقي البدائل بنسب متتالية، ولعل ذلك يرجع إلي أنه سوف يجعل البشر قادرون على بناء مدن افتراضية كاملة، الضواحي والشوارع والمنشآت، وغيرها، وكما في كل مدينة مؤسسات حضارية لتنمية المجتمع سيكون هناك أماكن لا تناسب معتقدات وتقاليد هذا المجتمع، خاصةً عندما تجد أن المواطن في عالم «ميتافيرس» لا يحتاج إلى جواز سفر أو هوية لينتقل من مكان لآخر، وهناك سيكون اقتصاد من نوع مختلف، مبني كليًا على العملات المشفرة، ستجد أن كل شيء يباع ويشترى دون أن تعرف مصادر الأموال وإلى أين يمكن أن تتجه، ستباع الشخصيات كما تباع المنازل والعقارات، مجموعة من التحديات والمعوقات، أنه العالم القادم لا محالة، الذي سنواجه فيه مخاطر وتهديدات إبادة المجتمعات والتقاليد والعقائد.
وانتهت الدراسة إلى عددٍ من المقترحات لتطوير الميتافيرس؛ حيث احتل "أن لا تعرض محتويات تكون غير واضحة" الترتيب الأول بنسبة بلغت 52.0%، ثم جاء بالترتيب الثاني "عدم كثرة مكونات الميتافيرس حتى لا تشتت عين المستخدم"، بنسبة بلغت 44.0%، ثم يلي ذلك بالترتيب الثالث "أن تنوع في استخدام الميتافيرس بشكل أكبر" بنسبة بلغت 44.0%، ولعل ذلك يرجع إلي أن تقنية الميتافيرس جعلت العالم أشبه ببيئة ثلاثية الأبعاد يمكن للمستخدمين الدخول بها والاستمتاع بأحد مكوناتها وعناصرها ويكون هذا المستخدم منفصل تمامًا عن العالم الواقعي ويكون في عالم رقمي افتراضي وبمجرد أن يدخل المستخدم لتقنية المتيافيرس إلى هذا العالم فإنه يجد أنه محاط بمجموعة من المجتمعات الافتراضية التي لا يكون لها نهاية ولا بداية، ويتم استخدام التقنية في عديدٍ من المجالات أبرزها اجتماعات العمل الافتراضية وأثناء اللعب وغيرها من الأنشطة اليومية التي يقوم بها المستخدم ومع مرور الوقت سوف تصبح تقنية الميتافيرس أحد التقنيات الرئيسة التي لا يمكن الاستغناء عنها في عالمنا الواقعي في جميع أنحاء العالم.
ونواصل استعراض نتائج هذه الدراسة المهمة الأسبوع القادم بإذن الله.