السبت 4 مايو 2024

عواصم مصر العريقة والذكية


م. زياد عبدالتواب

مقالات12-1-2023 | 16:29

م. زياد عبدالتواب

في الثلاثين من يوليو عام 2019 تم افتتاح  المؤتمر الوطنى للشباب بالعاصمة الإدارية الجديدة  بحضور و تشريف السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، احتوى حفل الافتتاح على عدد من الفقرات الفنية منها أغنية للمطربة كارمن سليمان  بعنوان "نورتو الدنيا"، أغنية حماسية بجدارة  يحق لنا ان نتغنى بها في ظل هذا الإنجاز غير المسبوق، تقول بعض كلماتها "نورتو الدنيا و بيكو الدنيا حلوة...والعاصمة الليلة دى بتغني غنوة"، جاء ضمن كلمات الأغنية أيضا عبارة تقول  "العاصمة تاريخ جديد"  والحديث بالطبع عن العاصمة الإدارية الجديدة، ذلك الإنجاز الكبير غير المسبوق على مساحة تصل الى 170 ألف فدان-714 كيلو متر مربع- أي تعادل مساحة دولة سنغافورة كاملة، ولكن قبل أن نصل إلى اللحظة الحالية دعونا نسترجع سريعا عواصم مصر منذ بدأ ظهور معالم الدولة المصرية وتحديدا في عصر الفراعنة أو قدماء المصريين كما يسميهم البعض وذلك تجنبا لجدل تاريخى لا مجال للخوض فيه فى هذا المقال.

كانت أول عاصمة في تاريخ مصر هى "ابيدوس" وموقعها غرب البلينا بمحافظة سوهاج حاليا، كان ذلك  قبل الميلاد بخمسة آلاف سنة، أى أن تلك العاصمة تبعد عن اليوم حوالى سبعة آلاف عام ، ثم أتت بعدها عاصمة أخرى تدعى  "ثينيس" بالقرب من أبيدوس أيضا، كان ذلك قبل الميلاد بحوالي ثلاثة آلاف عام، ثم كانت العاصمة  "منف" والتى يؤرخ لها  منذ بداية حكم الأسرة الثالثة إلى الأسرة الثامنة، تسمى أيضا "ممفيس" وموقعها حاليا تشغله منطقة سقارة، بعد ذلك انتقلت العاصمة بالقرب من اهناسيا ببنى سويف لفترة حكم أسرتين فقط قبل أن تنتقل إلى مدينة "طيبة" والتى تشغلها الآن محافظة الأقصر حيث أصبحت العاصمة بداية من حكم الاسرة الثالثة عشر.

 تغير موقع العاصمة بعد ذلك بين عدة مدن قبل أن يعود إلى "طيبة "مرة أخرى العاصمة للأسرتين السابعة عشر والثامنة عشر، و استمر في التأرجح بين منف وطيبة حتى وصل إلى مدينة "الإسكندرية"  في الفترة من عام 332 قبل الميلاد الى عام 641 ميلادية ومع قدوم الفتح الإسلامى، تم إنشاء مدينة الفسطاط واعتبارها العاصمة  ثم مدينتى "العسكر" و "القطائع"  ثم العودة إلى الفسطاط مرة أخرى وذلك ما بين عامي 905 و 968 ميلادية حتى تم بناء مدينة القاهرة الحالية عام 972 ميلادية.

تميزت العواصم القديمة بنوع من الذكاء، بالطبع لا يمكن مقارنته بعصرنا الحالى، عصر المدن الذكية ولكن كان هناك قدر معقول مناسب للتقنيات المتاحة في تلك العصور ومنها ما نعرفه عن الأنفاق والسراديب والحجرات السرية داخل الأهرامات والمعابد والمقابر كما أن عصر التدوين انتقل إلى آفاق كبيرة بعد أن قام المصريون باستخدام نبات البردى في صناعة الورق والطباعة، كان ذلك قبل الميلاد بحوالي 3 آلاف عام، بل وصل الأمر إلى تصدير الورق الى ممالك مجاورة أيضا، بالطبع لم تكن تلك هى الصناعة الوحيدة التى برع فيها المصريون فأساليب الزراعة و الرى والبناء والتشييد والملاحة و صناعة السفن بالإضافة إلى علوم الحساب والفلك والكيمياء والفيزياء تعتبر من العلوم المتطورة جدا والتى تبقى بعض آثارها شاهدة على هذا التميز.

أما في القاهرة الحالية والتى تشمل عدة مراحل منها الفاطمية والخديوية فإن الآثار المعمارية خير شاهد على هذا التطور الذى استمر على نفس النسق حتى وصلنا إلى عصر البخار والكهرباء ووسائل الاتصال حيث نجد أول امتياز تمنحه الحكومة المصرية لإحدى الشركات الفرنسية المتخصصة في توليد الطاقة عام 1893 لإدخال الكهرباء إلى القاهرة والإسكندرية والتى بدأت بالفعل بمدينة الإسكندرية بعد هذا التاريخ بعامين ثم توالت المدن المتصلة بالكهرباء وصولا الى عام 1936 والذى استحوذت فيه القاهرة على 35% من إجمالى الطاقة الكهربائية المولدة وصولا إلى عام 1961 حيث تم تأميم تلك الشركة وإنشاء مؤسسة الكهرباء ثم الوزارة عام 1964 حيث تم تأسست الشبكة الموحدة عام 1967 و استمر التطور حتى الوصول إلى الشبكة الحالية بما تشمله من محطات توليد وتوزيع وعدادات مسبوقة الدفع  وعدادات ذكية وخلافه.

أما في مجال النقل فكان أول خط سكة حديد في مصر بين القاهرة والإسكندرية جاهزا للعمل في عام 1856- قبل هذا بعامين تم تسيير أول رحلة بين القاهرة وكفر الزيات- حيث تعتبر مصر هى ثانى دولة على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة التى يتم فيها إنشاء خط للسكك الحديدية، ثم تم في عام 1898 البدء في إنشاء خط جديد يربط بين القاهرة والاقصر-طيبة- والذى امتد إلى وادى حلفا داخل الأراضى السودانية عام 1926، هذا بالإضافة إلى قطار الضواحى بين القاهرة وضاحية حلوان والذى اكتمل انشاؤه عام 1872، ثم استمر التوسع بعد ثورة يوليو 1952 وصولا إلى تغطية 23 محافظة بطول يصل إلى ألف كيلو متر بعدد 705 محطات  1332 مزلقان  و3040 عربة تنقل ما يقرب من 420 مليون راكب سنويا، ثم بدأ هذا القطاع في التطور من خلال وضع خطة طموحة بدأها عام 2014 تشمل المشروع القومى للطرق لإنشاء سبعة آلاف كيلو متر من الطرق الجديدة بالإضافة إلى رفع كفاءة وزيادة سعة عدد كبير من الطرق القائمة ومنها الطرق السريعة ه1ا  غ إلى تنفيذ عدد من المحاور النيلية وصلت إلى 13 محورا و جارى العمل في 14 محورا آخرين، شمل التطوير أيضا إنشاء حوالى 900 كوبرى ونفق بالإضافة إلى العمل في 143 كوبريا و نفقا آخرين والبدء في تنفيذ مشروع النقل الذكى (ITS) Intelligent transportation system، بالإضافة إلى تطوير وتحديث عربات السكك الحديدية و مترو الانفاق الذى تمت أيضا إضافة عدد جديد من المسارات و تطوير المحطات أيضا كما شمل التطوير إنشاء القطار الكهربائى السريع LRT والقطار المعلق –المونوريل- بالإضافة إلى مشروع خط يربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط بالإضافة إلى التطوير فى قطاع النقل البحرى و تطوير الموانئ.

أما فى مجال الاتصالات فقد تم فى عام 1854 افتتاح أول خط تلغراف فى مصر ثم تم فى عام 1881 إنشاء أول خط تليفونى بين القاهرة والإسكندرية بالإضافة إلى البريد المصرى الذى تأسس عام 1865 ودخول خدمة الإنترنت إلى مصر عام 1992 وخدمة التليفون المحمول لأول مرة فى القاهرة عام 1996.

استمرت الجهود فى تمديد التغطية الخاصة بخدمات الاتصالات المختلفة -الثابتة والمحمول و الإنترنت- ثم انتقلت الدولة المصرية من مفهوم الحكومة الإلكترونية إلى مفاهيم التحول الرقمى المتكاملة حيث بدأ العمل فى مشروع كبير لإحلال الكوابل النحاسية بكوابل الألياف الضوئية من خلال كبائن ال MSAN والتى بدأتها بتوصيل تلك الكوابل إلى مليون وحدة سكنية بنهاية يوليو 2014 ثم استمر المشروع فى التوسع وصولا إلى 20 ألف كابينة بنهاية عام 2017 وصلت حاليا إلى أكثر من 35 ألف كابينة حيث وصلت تغطية تلك الكوابل إلى المحافظات والمدن الكبرى والجديدة بل امتد المشروع أيضا إلى المشاركة فى مبادرة حياة كريمة بهدف توصيلها إلى 3.5 مليون منزل فى 4500 قرية مصرية ضمن المراحل الثلاث للمبادرة، هذا بالإضافة إلى وصول عدد شركات المحمول إلى 4 شركات تغطى كافة الأنحاء، بالإضافة إلى إطلاق بوابة مصر الرقمية لتقديم الخدمات الحكومية بصورة رقمية، كما ارتفع متوسط سرعة الإنترنت من 6.5 ميجا بت/ث عام 2019 إلى 46 ميجا بت/ث هذا العام لتحتل مصر المركز الأول فى سرعة الإنترنت على مستوى قارة أفريقيا ككل لتقفز بذلك 40 مركزا خلال ثلاث سنوات فقط، كما شمل التطوير دخول القمر الصناعى –طيبة1- الخدمة و انشاء شبكة الطوارئ والسلامة العامة لتقديم خدمات الطوارئ من خلال شبكة مؤمنة ورقم موحد، بالإضافة إلى منظومة الكاميرات المتطورة على الطرق السريعة و المحاور الرئيسية وهو ما جعل القاهرة تقترب كثيرا من أن تكون مدينة ذكية.

أما العاصمة الإدارية الجديدة والتى  أعلن عن البدء فى إنشائها عام 2015 كإحدى مدن الجيل الرابع ولكى تعتبر هى العاصمة الجديدة لمصر على مساحة تعادل مساحة سنغافورة وتعادل أربعة مرات مساحة العاصمة الأمريكية واشنطن والتى تشمل الحى الحكومى المخصص لنقل مقر رئاسة الجمهورية و المقار الخاصة بكافة الوزارات بالإضافة إلى البرلمان بشقيه وكذا السفارات و القنصليات ولكى تكون المركز المالى الجديد لمصر تم إنشاء حى المال والأعمال و حى البنوك والمكاتب الإقليمية للشركات الكبرى، بالإضافة إلى  مقر قيادة الدولة الاستراتيجي، مدينة الفنون والثقافة، مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية، مدينة المعرفة، والنهر الأخضر الذي يمتد لأكثر من 35 كم مما يجعله أكبر ستة أضعاف من سنترال بارك في مدينة نيويورك.

كما أن العاصمة الجديدة تتسم بأسلوب جديد فى إدارتها رقميا يشمل كافة تقنيات الجيل الرابع فى متابعة حركة الطرق و تحقيق السيولة المرورية و ضبط الحالة الأمنية و إدارة المرافق الحيوية وكذا أيضا الانتقال إلى أسلوب جديد فى إدارة و تنفيذ العمليات و الإجراءات الحكومية بصورة رقمية من خلال مراكز البيانات و التطبيقات المتخصصة بكافة الوزارات والهيئات بصورة مؤمنة و محكمة تحقق أعلى درجة كفاءة و شفافية و سرعة فى الإنجاز، كل ذلك يتم فى إطار من الحفاظ على البيئة و التوافق مع محددات خفض الانبعاثات الضارة حيث يمكن اعتبارها أكبر مشروعات فى الدولة المصرية التى تطبق عناصر الاستدامة والتنمية كأول مدينة ذكية، تلتزم بتفعيل محددات الأمم المتحدة الـ 17 للاستدامة والتنمية.

Dr.Randa
Dr.Radwa